​ورحل فيلسوف السينما عن -أرض الخوف-

علا مجد الدين عبد النور
كاتبة
(Ola Magdeldeen)

الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 10:12
المحور: الادب والفن
    

​داوود عبد السيد.. المبدع الذي آثر الرحيل قبل الموت

​غيب الموت، يوم السبت 27 ديسمبر 2025، المخرج والسيناريست المصري الكبير داوود عبد السيد، عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد صراع مع المرض. وبرحيله، لا نفقد مخرجًا فقط، بل تُطوى صفحة أحد أهم أعمدة “الواقعية الجديدة” في السينما العربية، مبدع عاش عمره يبحث عن (سيد مرزوق)في تفاصيل المجتمع، ويُعرّي (أرض الخوف) الكامنة في نفوس البشر.


​البدايات.. صقل الموهبة بين العمالقة

وُلد داوود عبد السيد في القاهرة عام 1946، وتخرج في المعهد العالي للسينما عام 1967. لم يلهث خلف النجومية المبكرة، بل اختار طريق الصقل والتعلّم، فعمل مساعد مخرج مع عمالقة مثل يوسف شاهين في فيلم (الأرض)، وكمال الشيخ، قبل أن يشق مساره الخاص بثبات ووعي. وفي سبعينيات القرن الماضي، انغمس في قلب الواقع المصري عبر السينما التسجيلية، مقدّمًا أفلامًا مثل (وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم)، حيث بدا واضحًا انحيازه للإنسان المهمّش والأسئلة الكبرى.


​فلسفة الصورة.. الإنسان مركز الكادر

مع الثمانينيات والتسعينيات، انفجر إبداعه في السينما الروائية الطويلة، لا كصانع حكايات، بل كمفكر يكتب بالفيلم ما يُعجز عن قوله بالكلمات. في "الكيت كات" (1991)، حوّل “الشيخ حسني” إلى أيقونة للبصيرة في عالم فقد رؤيته. وفي "أرض الخوف" (2000)، غاص عميقًا في النفس البشرية، متتبعًا رحلة ضابط يذوب تدريجيًا في عالم الجريمة حتى تتلاشى الحدود بين الخير والشر. أما "رسائل البحر" (2010)، فكانت بحثًا موجعًا عن الذات والمنفى الداخلي.
​إلى جانب ذلك، شكّلت أفلام مثل "الصعاليك"، "سارق الفرح"، و"مواطن ومخبر وحرامي" وجدان جيل كامل، لأنها لم تخاطب شباك التذاكر، بل خاطبت العقل والضمير. كان حالة خاصة؛ مخرجًا لا يصنع أفلامًا بقدر ما يطرح أسئلة، ولا يقدّم إجابات جاهزة بقدر ما يترك المشاهد وحيدًا أمام مرآته. لذا لُقب بـ «فيلسوف السينما»، متجاوزاً الواقعية التقليدية إلى مساحة أكثر تعقيدًا، سينما الوعي، والقلق، والأسئلة الوجودية.


​الاعتزال.. حين ينسحب المبدع من عالم لا يشبهه

لم يرحل داوود عبد السيد يوم توقف قلبه، بل يوم قرر أن يتوقف عن الإخراج. فالمبدع، على عكس الجسد، لا يموت فجأة، بل ينسحب ببطء حين يُجبر على العيش في عالم لا يشبهه. في مطلع عام 2022، أعلن اعتزاله السينما، ولم يكن القرار وليد تعب جسدي، بل نتيجة صدام طويل مع واقع لم يعد يسمح بالسينما التي يؤمن بها.
​في حواره مع الكاتب الصحفي خالد البلشي، لخّص المأساة بجملة قاطعة:(مفيش سينما بلا حريات… والمناخ العام لا يسمح بعمل سينما تعبر عن الجمهور وتصل إليه).
تحدث بحزن لا يخلو من حكمة عن رقابة بشعة، ونظام إنتاج احتكاري، وسيادة سينما التسلية التي لا ترى في الفن سوى وسيلة للربح. كان اعتزاله اعترافًا صريحًا بأن السينما التي أحبها باتت تختنق.

​رحل داوود عبد السيد جسديًا، لكنه كان قد ودّع الكاميرا قبل ذلك بسنوات. وربما لهذا، بدا خبر وفاته هادئًا، بلا صدمة.. فمن غادر أرض الخوف مبكرًا، لا يفاجئنا حين يرحل أخيرًا.

#علا_مجد_الدين_عبد_النور (هاشتاغ)       Ola_Magdeldeen#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل