أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاتن نور - عصيّ الدولة الرخوة














المزيد.....

عصيّ الدولة الرخوة


فاتن نور

الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 22:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الدولة الرخوة التي يأكلها الفساد بحرية ونهم، حيث يصبح الأقوى هو الأفسد، ويغدو “النظيف” هو ذاك الذي يُجيد إفراغ الخزانة ليعبق بها الفراغ؛ يصبح كل شيء مُستباحًا ولا حارس له.
الدولة الرخوة تتخبط في كل شيء وأيّ شيء، عدا الاعتداء على كل شيء وأيّ شيء. فلا تمسك عصاها الغليظة بوجه المعتدين، لأنها محكومة أصلًا بطواقم من المعتدين، والمبتزّين، والمرتزقة الذين قصم الجهل ظهورهم، فاعتلوا رأس الهرم السلطوي لاستلاب كل ما تقع عليه أيديهم.
ولا ينحصر هذا الاعتداء بما يمسّ حق المواطن وكرامته فحسب، بل يمتدّ ليطال حقّ الحيوانات في العيش بسلام، وحقّ الطبيعة في أن تُصان من العبث والتدمير. الدولة الرخوة لا تقيم وزنًا للإنسان عادةً، ولذلك لا يُنتظر منها أن تقيم وزنًا للحيوان، أو أن تقتطع من ثرواتها الطائلة المهدورة ولو نتفًا قليلة لإنشاء محميات تُدار بعقلانية ورحمة، تُرعى فيها الكلاب السائبة بدل تحويلها إلى أهداف للقتل الجماعي.
ليس ثمّة حسنات مجزية مقابل الرفق بالحيوان في نواميس الدولة الرخوة المتمسّحة بالدين، ولا مقابل الرفق بالإنسان، ولا الرفق بالطبيعة بوصفها كيانًا حيًا يستحق الحماية والاحترام.
يُترك الإهمال ليعمل بصمت لسنوات طويلة في الدولة الرخوة. تُترك الكلاب السائبة لتتكاثر بحرية في الشوارع والأزقة الضيقة حتى تتفاقم أعدادها بشكل كبير. عندها فقط، ترفع الدولة عِصيّها الغليظة، وسمومها، وأسلحتها، لا لمحاسبة جهاتها المقصّرة، بل للقصاص من حيوانات بريئة تصرّفت وفق فطرتها السليمة، فكان جزاؤها المطاردة والتعنيف والقتل، في مشهد يُقدَّم بوصفه إنجازًا إداريًا يستحق الفخر، ويفتخر به فعلًا المرتخون تحت سقف دولة أسرفت في رخاوتها.
وغالبًا ما يُسوَّغ قتل الكلاب السائبة بذريعة “الضرورة”، مع أن الضرورة لا تستوجب الاعتداء على عشرات الآلاف من الكلاب بوجود البدائل التي يمكن تأمينها بأوقات قياسية.
ولا أدري حقيقةً كيف يُسوَّغ صيد طائر الفلامنجو، الذي يفضح منطق الاعتداء عاريًا من أي تبرير. فلا خطر يُدفع هنا، ولا تهديد يُدرأ؛ فالفلامنجو طائر أعزل يهاجر في فصل الشتاء بحثًا عن الماء والسكينة، فتستقبله الدولة الرخوة بالرصاص. علمًا أن الدولة الرخوة لديها وزارة بيئة مسؤولة عن تلك الرخاوة التي تصفع الذاكرة البيئية للأهوار وتحيل كل شيء إلى غنيمة مباحة.
صيد الفلامنجو ليس حادثة معزولة، بل امتداد طبيعي للمنطق ذاته الذي يعتدي على الإنسان، ثم على الحيوان، ثم على الطبيعة، في دولة وصلت رخاوتها إلى حدّ لا تعترف فيه بفكرة الحق أصلًا خارج الهرم السلطوي، أيًّا كان صاحب هذا الحق خارج أقبية السلطة. فالدولة الرخوة هي دولة أسياد وعبيد، وإملاءات ليس إلا.
هل تعلم وزارة البيئة والقيمون على رخاوتها أن صيد الفلامنجو يخلّ بالتوازن البيئيّ الدقيق في مناطق الأهوار والمسطحات المائية؟ فهذا الطائر الجميل يساهم في ضبط الحياة المائية من خلال تغذّيه على الكائنات الدقيقة والطحالب، فهو جزء مهم من منظومة طبيعية، كونه يحافظ بهجرته السنوية على التوازن الحيوي والتنوع الأحيائي ويحد من التدهور البيئي في المناطق التي يحطّ فيها. والأجدى أن يُستقبل هذا الطائر بحفاوة تليق به، وأن يُحتفى بوصوله عبر كرنفال راقص (كرنفال الفلامنجو)، لا سيّما أن الدولة الرخوة بحاجة ماسّة إلى مثل هذه الكرنفالات التي تشيع ثقافة الحياة والبهجة. بعد ان نخرتها ثقافة الموت.
مما لا شك فيه أن وراء كل رصاصة تُطلق على الفلامنجو يقف فساد سياسي ممنهج يغطي على الاعتداء ويشرّع له. في الدولة التي لا تحاسب المعتدين على مواردها يصبح صيد الطيور المهاجرة فيها نشاطًا عاديًا يُمارس تحت الشمس بلا رادع، بينما تُهدَر الموازنات المخصصة للحماية البيئية أو تُحوَّل إلى مشاريع تجارية لتحقيق منافع شخصية، فلا حماية بيئية، ولا مساءلة، ولا رؤية مستقبلية.
لا يمكن الفصل بين الاعتداء البيئي وفساد السلطة واعتدائها على كل شيء؛ حتى السكوت هو اعتداء خطير في هذه الحالة. وهكذا يصبح قتل الفلامنجو فصلًا آخر من فصول انهيار منظومة القيم والمساءلة في البلاد، حيث لا يُحترم الإنسان، ولا الحيوان، ولا الطبيعة، في انسجام كامل مع منطق الدولة الرخوة.

December 27, 2025



#فاتن_نور (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق المختصرة
- التهافت ضد الموسيقى
- مستشفى أم ملهىً ليليّ؟
- هي ذاتك الجريحة
- اليسار وهشاشة التحالفات السياسية
- سيناريو الدوال
- الانتخابات والوهم الديمقراطي
- المحتوى الهابط بين الفرد والسلطة
- بين الكينونة والرغبة
- مساحات 5
- قصاصات الليلة الساخنة
- ثكلتكم أمهاتكم
- الخوار الوطني وركلات الجزاء
- دفاع شيطاني
- مساحات 4
- جهود
- المرجان الأزرق
- مساحات 3
- صور متخيلة لا تتحقق
- من يلوم الشمس


المزيد.....




- تحذيرات لملايين الأمريكيين من عاصفة شتوية.. وإلغاء مئات الرح ...
- بينها السعودية ومصر وإيران وتركيا.. 21 دولة تصدر بيانا مشترك ...
- باريس تدين إطلاق نار إسرائيليا أصاب عنصرًا من اليونيفيل وتدع ...
- السنغال يتفادى الهزيمة ويدرك التعادل أمام الكونغو الديمقراطي ...
- في كييف برد ودمار وظلام.. هكذا قرأ الأوكرانيون -رسائل روسيا- ...
- حكومة نتنياهو تلتهم مليون دونم فلسطيني لتوسيع مستوطنات الضفة ...
- وول ستريت جورنال: هل انتهى تحالف الغرب؟
- دورية إسرائيلية تتوغل في القنيطرة جنوبي سوريا
- حبس وتغريم الإعلامية مها الصغير في قضية انتهاك حقوق الملكية ...
- كيف يبتلع الاستيطان الإسرائيلي الضفة الغربية؟


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاتن نور - عصيّ الدولة الرخوة