أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سوزان ئاميدي - الكورد في الذاكرة البريطانية خوف قديم من أمة لا تُهزم














المزيد.....

الكورد في الذاكرة البريطانية خوف قديم من أمة لا تُهزم


سوزان ئاميدي

الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 18:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من يتابع التاريخ الطويل للعلاقة بين بريطانيا والكورد يدرك أن الأمر يتجاوز الحسابات السياسية التقليدية أو اتفاقيات ما بعد الحرب العالمية الأولى. المواقف البريطانية المتقلّبة — من الوعود إلى الإحباط، ومن الدعم الحذر إلى العرقلة الصامتة — ليست مجرد ردود فعل ظرفية، بل تعكس رؤية عميقة تشكّلت عبر قرون طويلة. فبينما يحصر بعض المراقبين السياسة البريطانية ضمن إطار المصالح الاستراتيجية، تكشف قراءة متأنية عن طبقة خفية من التفكير السياسي، تشبه "الذاكرة التاريخية" لدى الإمبراطوريات، ذاكرة لا تُسجّل في الوثائق الرسمية بقدر ما تُختزن في العقل الاستراتيجي الجمعي، وتدرك أن بعض الشعوب تحمل قوة كامنة — سياسية، ثقافية، ونفسية — قادرة على قلب التوازنات إذا ما أُتيحت لها الفرصة . ومن هنا يظهر السؤال الجوهري : لماذا تظهر بريطانيا — أكثر من غيرها — حساسية واضحة تجاه أي نهضة كوردية أو محاولة لقيام دولة كوردية مستقلة ؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ من العودة إلى جذور الصورة التي شكّلها الغرب عن الكورد، والتي لا تبدأ من سايكس–بيكو بل تمتد إلى زمن صلاح الدين الأيوبي وتظهر في الدراسات الأنثروبولوجية البريطانية ، وتتجسد في التجارب الحديثة للكورد في محاربة داعش. هذه الرؤية التاريخية تضع الأساس لفهم القلق البريطاني المستمر عبر الزمن، وهو حاضر في كل قرار مؤثر، ويشرح الحذر المتواصل تجاه أي تحرك كوردّي مستقل.
صلاح الدين الأيوبي يمثل البداية غير المعلنة لهذا القلق، فقد في نظر الغرب، وبريطانيا خصوصاً، إلى شخصيته ليس فقط كقائد عسكري بل كرمز لشعب قادر على القيادة والتأثير خارج أطر الإمبراطوريات التقليدية ، شخصية فرضت احترامها على الخصم قبل الصديق، وأعطت للأمة الكوردية بصمة تاريخية لا يمكن تجاهلها . ومن هنا يمكن فهم القلق البريطاني من أي تحرك كوردي مستقل في المستقبل ، فالتاريخ يوضح أن القدرة على القيادة قد تترجم إلى قوة سياسية لاحقاً .
تاريخ الكورد ليس مجرد رواية محلية بل امتداد لحضارات عميقة الجذور ، دراسات عديدة — بعضها بريطاني — تناولت جبل جودي كموقع لرسو سفينة نوح وربطت بين جغرافيا المنطقة والشعوب التي سكنتها، ومن ضمنها الكورد. هذا الامتداد التاريخي العميق يعطي الانطباع بأن الكورد ليسوا شعباً طارئاً ، بل جزء أصيل من جذور الشرق القديم، ما جعل فكرة تهميشهم أو احتوائهم مهمة صعبة في العقل الغربي . وبالتالي، يظهر أن التاريخ والذاكرة الاستراتيجية يتداخلان في تشكيل سياسات بريطانيا تجاه الكورد .
عندما دخل البريطانيون المنطقة في بدايات القرن العشرين، لم يأتوا بعيون فارغة ، بل كانوا مجهزين بكم هائل من الدراسات الأنثروبولوجية التي تناولت تكوينهم الاجتماعي ، قوتهم القتالية ، استقلاليتهم النفسية ، قدرتهم على المقاومة ومرونتهم في الجبال . هذه الدراسات جعلت الكورد يُنظر إليهم كشعب يصعب إخضاعه ، وإذا مُنح دولة، فقد يتحول إلى قوة إقليمية مؤثرة . وهكذا ، أصبحت "الدولة الكوردية" بالنسبة لبريطانيا عامل اضطراب محتمل في الخريطة التي صممت بعد الحرب العالمية الأولى لضمان توازن يخدم مصالحها ، وهو رابط واضح بين المعرفة التاريخية والتقييم الاستراتيجي للمخاطر المحتملة .
حين واجه الكورد تنظيم داعش، ظهر مجدداً ما كان الغرب يعرفه منذ عقود: صلابة الكورد في القتال، التنظيم، القدرة على الحشد والدفاع عن الوجود، وهو ما أعاد القلق القديم إلى الواجهة. ورغم ذلك، فإن خصائصهم الفريدة تجعلهم في الوقت نفسه شركاء محتملين للأمن والاستقرار طالما أُعطوا حقوقهم المشروعة وحُترمت مصالحهم. استقلاليتهم النفسية، ووعيهم السياسي، وحفاظهم على هويتهم الثقافية تجعلهم أكثر ميلاً للتعاون البناء مع الدول والمنظمات، بدل السعي للفوضى أو التخريب، ما يحوّل قوتهم من تهديد محتمل إلى فرصة للاستقرار الإقليمي إذا أُديرت بحكمة .
بريطانيا لا تعادي الكورد علناً ، ولا ترفض حقوقهم مباشرة، لكنها تتحرك باستمرار لمنع نشوء دولة كوردية مستقلة. ليس بدافع أيديولوجي بل نتيجة قناعة راسخة عبر قرون: الدولة الكوردية، إذا قامت ستكون قوية ، مؤثرة ، ومستقرة نسبياً ، وقادرة على تغيير التوازنات التي تستفيد منها لندن . إنه الخوف من القوة المحتملة، لا العداء للشعب، وهو ما يفسر الحذر البريطاني المستمر تجاه أي مشروع كوردي مستقل .



#سوزان_ئاميدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حملات التشويه المتصاعدة ضد قسد ومظلوم عبدي… لماذا الآن؟
- واشنطن… حين تُكافئ من يُعاد تدويره وتُهمل من قاتل نيابةً عنك
- ثرثرة مُسيَّرة
- لو انقلبت المعادلة …لماذا يُسمح بضرب كوردستان ويُحرَّم ردّها ...
- حين تتحول الرواتب إلى أداة ضغط …قراءة جديدة في إرث المالكي م ...
- حين تتحول المتعة إلى بديل عن السعادة في ظاهرة علاقات الفتيات ...
- الرئيس بارزاني: إعادة النظر في سايكس-بيكو فرصة لاستقرار العر ...
- التوزيع غير العادل للمقاعد بين بغداد وكوردستان تعداد مشوَّه ...
- بدل أن تكون هيئة تحرير الشام جارة لتركيا فليكن الكورد هم الج ...
- إلى المرشحين الكورد للبرلمان العراقي
- من سايكس–بيكو إلى وعد بلفور… لماذا يُثير أي تحرك بريطاني الق ...
- المدخلية في العراق بين الولاء للسلطان وتغييب القانون
- إلى المجتمع الدولي… انتظار الكورد الطويل… استقرار يُقدَّم وح ...
- من السليمانية إلى أربيل ..معركة الانتخابات ورهانات الاستقرار
- جيرار شاليان رحل جسداً وبقي حيّاً في ذاكرة الكورد
- مؤتمر الحسكة وتحديات المستقبل السياسي للكورد في سوريا
- إبادة الكورد… جريمة تتكرّر وصمت دولي لا يتغيّر
- مظلوم عبدي بين واشنطن وأنقرة: هل تنقلب أمريكا على شريكها الك ...
- من حرق البنادق إلى صناديق السياسة… ماذا تعني حرق السلاح لدى ...
- إيران ومعاهدة عدم الانتشار في ميزان التهديد والعزل


المزيد.....




- أمريكا تعلق على اتفاق جديد لوقف القتال بين تايلاند وكمبوديا ...
- شخص يهاجم بسكين نجاة ومادة سائلة.. ويصيب 15 شخصا بينهم خمسة ...
- تايلاند وكمبوديا تتفقان على -وقف فوري- لإطلاق النار بعد أساب ...
- السعودية - شريفة الغوينم: كان حلمي أن أبتكر روبوتا يكشف اكتئ ...
- لبنان: باريس تندد بإطلاق نار إسرائيلي أصاب أحد عناصر اليونيف ...
- نيويورك تايمز: هدى طفلة غزية كافحت المرض لتحيا لكن الحصار قت ...
- دراما الجامعة في -ميد تيرم- طموح الفكرة وسطحية التنفيذ
- باكستان: مستعدون للذهاب لغزة ولا نسعى لنزع سلاح حماس
- إيران: الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل تشن حربا شاملة علين ...
- هجوم مكثف على كييف وزيلينسكي يبحث جهود السلام مع الأوروبيين ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سوزان ئاميدي - الكورد في الذاكرة البريطانية خوف قديم من أمة لا تُهزم