سوزان ئاميدي
الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 18:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على واشنطن أن تتوقف عن التظاهر بالدهشة. فعودة داعش وسقوط جنود أمريكيين في كمائن داخل سوريا، ليست حدثاً معزولاً بل نتيجة مباشرة لسياسة انتقائية تُكافئ من يُعاد تدويره سياسياً وتتجاهل من قاتل نيابةً عنها لسنوات.
تعامل الولايات المتحدة مع أحمد الجولاني بوصفه "رئيساً" أو شريكاً محتملاً ، رغم تاريخه الجهادي ، لا يمكن تسويقه كبراغماتية ذكية بل كرسالة خطيرة مفادها أن الماضي الإرهابي يمكن محوه متى ما أصبح صاحبه مفيداً. هذه الرسالة لا تُقوّض ثقة الحلفاء فحسب، بل تُعيد إنتاج البيئة ذاتها التي سمحت للتطرف بالتحوّل إلى سلطة.
في المقابل، تُركت قوات سوريا الديمقراطية، التي شكّلت رأس الحربة في هزيمة داعش خارج الحسابات السياسية . لم تُمنح اعترافاً ، ولا ضمانات ، ولا أفقاً سياسياً ، بل استُخدمت كأداة أمنية مؤقتة ثم وُضعت على الرف حالما أصبحت كلفتها السياسية أعلى من فائدتها العسكرية.
واشنطن تعرف جيداً أن قسد لم تكن مجرد قوة محلية بل مشروع استقرار حقيقي في بيئة مفككة . ومع ذلك ، اختارت التضحية بهذا المشروع حفاظاً على توازنات مع تركيا ، حتى لو كان الثمن إضعاف الشريك الأكثر موثوقية على الأرض .
السياسة الأمريكية في سوريا تُدار اليوم بعقلية إدارة الأزمة لا حلّها . تُفضّل التعامل مع سلطة مركزية "قابلة للتفاوض" مهما كان ماضيها ، على الاستثمار في شريك التزم بكل التعهدات ودفع الدم دون شروط . هذا الخيار قد يبدو أقل كلفة على المدى القصير لكنه يحمل مخاطر استراتيجية على المدى البعيد ، تبدأ بفقدان الثقة ولا تنتهي بعودة التهديدات التي قيل إنها هُزمت .
إذا كانت واشنطن تبحث فعلاً عن استقرار مستدام ، فعليها إعادة النظر في ترتيب أولوياتها .
الاستقرار لا يُبنى بتلميع شخصيات أعيد تدويرها ، بل بدعم قوى أثبتت قدرتها على الحوكمة ، وضبط الأمن ، ومنع التطرف دون ابتزاز سياسي .
التجربة الكوردية في العراق تقدّم درساً واضحاً : حين استثمر الكورد حاجة الولايات المتحدة، ولم يطالبوا بما يفوق قدرتهم ، تحوّلوا من عبء إلى شريك. الفرصة لا تزال قائمة في سوريا ، لكن واشنطن هي من يقرّر إن كانت ستتعلم من التاريخ أم ستكرّر أخطاءه .
في النهاية، على الولايات المتحدة أن تختار : إما شراكات حقيقية مع من قاتل معها ، أو تفاهمات مؤقتة مع من قد يُعاد إنتاج أزماته مستقبلاً .
الحياد في هذه اللحظة ليس سياسة، بل قرار مؤجل بدفع الثمن لاحقاً .
#سوزان_ئاميدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟