أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي ابوحبله - التعايش الإسلامي–المسيحي في فلسطين: ركيزة هوية وطنية ومعركة وعي في مواجهة الإقصاء














المزيد.....

التعايش الإسلامي–المسيحي في فلسطين: ركيزة هوية وطنية ومعركة وعي في مواجهة الإقصاء


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 14:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


بقلم: المحامي علي ابوحبله
يحلّ عيد الميلاد المجيد على فلسطين لا بوصفه مناسبة دينية فحسب، بل كحدث وطني وثقافي وسياسي بامتياز، تتقاطع فيه الذاكرة الدينية مع الهوية التاريخية والصراع على الرواية. ففي أرض فلسطين، حيث وُلد السيد المسيح عيسى عليه السلام، تكتسب الأعياد المسيحية بُعدًا جامعًا، إذ تمسّ وجدان الفلسطينيين جميعًا، مسلمين ومسيحيين، باعتبارها جزءًا أصيلًا من تاريخ المكان وروحه، ومن نسيج اجتماعي لم تفلح القرون ولا الاحتلال في تمزيقه.
لقد شكّل التعايش الإسلامي–المسيحي في فلسطين عبر مئات السنين نموذجًا فريدًا في المنطقة والعالم، قائمًا على الاحترام المتبادل والشراكة في الأرض والمصير. هذا التعايش لم يكن وليد المجاملات أو الظروف الطارئة، بل تأسّس على قواعد راسخة منذ الفتح العمري للقدس، حين صدرت العهدة العمرية عام 15 هـ/633م، بوصفها وثيقة قانونية وأخلاقية ضمنت حقوق المسيحيين وصانت كنائسهم ومقدساتهم، ورسّخت مبدأ المواطنة الدينية قبل أن تعرفه المفاهيم الحديثة.
وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى المبارك، أن التزام الفلسطينيين بروح العهدة العمرية لم ينقطع منذ صدورها وحتى اليوم، رغم كل التحولات السياسية والاحتلالات المتعاقبة. ويشير إلى أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين بدأت فعليًا قبل أكثر من خمسة عشر قرنًا، حين فضّل المسيحيون حكم الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على حكم الرومان، الذين هيمنوا على البلاد قرابة خمسة قرون، لما وجدوه في الحكم الإسلامي من عدل واحترام للإنسان والعقيدة.
وعلى امتداد القرون، تجذّر هذا التعايش في مدينة القدس بصورة خاصة، حتى بات جزءًا من هويتها الحضارية. ويتجلّى ذلك بأوضح صوره في كنيسة القيامة، أقدس المواقع المسيحية، حيث تتولى عائلتان مسلمتان—عائلة نسيبة وعائلة جودة—مسؤولية الإشراف على مفاتيح الكنيسة وفتحها وإغلاقها يوميًا. هذا الترتيب الفريد لم يكن إجراءً شكليًا، بل حلًّا تاريخيًا اتُّخذ لضمان الحياد ومنع النزاعات بين الطوائف المسيحية المختلفة، وهو ما يعكس مستوى الثقة المتبادلة بين مكونات المجتمع المقدسي.
ويشير وجيه يعقوب نسيبة إلى أن عائلته تسلّمت مفاتيح الكنيسة لأول مرة عام 638م من بطريرك القدس صفرونيوس، عقب دخول المسلمين المدينة بقيادة عمر بن الخطاب، قبل أن تُنتزع المفاتيح إبّان الاحتلال الصليبي عام 1099. وبعد تحرير القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1187م، أعيد التأكيد—وبتوافق الطوائف المسيحية—على بقاء المفاتيح بأمانة عائلة مسلمة. كما يوضح الدكتور ساري جودة أن عائلته تسلّمت أمانة المفتاح في عهد صلاح الدين، بينما أوكلت مهمة فتح وإغلاق الكنيسة إلى عائلة نسيبة، وفق تنظيم استقر لاحقًا بفرمان عثماني عام 1612م، وما زال ساريًا حتى اليوم.
ولا تقتصر رمزية كنيسة القيامة على بعدها الديني، بل تمتد إلى بعدها الحضاري والسياسي، إذ تُعدّ—بحسب عدد من المؤرخين—«الجوهرة الثالثة في القدس الشريف» بعد المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة. ويعكس باب الكنيسة الحالي، الذي أُعيد بناؤه عام 1808 عقب حريق كبير، نقوشًا عثمانية باللغة التركية القديمة ذات الأحرف العربية تتضمن تراتيل إنجيلية، في دلالة عميقة على تداخل الثقافات والأديان في المدينة المقدسة.
إن الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، لم يعيشوا تاريخهم كجماعات متجاورة فحسب، بل كعائلة وطنية واحدة، جمعتهم وحدة الأرض والهوية والمصير، وعمّدتهم المعاناة المشتركة تحت الاحتلال. فالعلاقات الاجتماعية والعائلية، والمشاركة المتبادلة في الأعياد والمناسبات الدينية، شكّلت عبر الزمن خط الدفاع الأول عن النسيج الوطني في مواجهة محاولات التفكيك والفرز الطائفي.
ومن منظور استراتيجي، فإن هذا التعايش يمثّل اليوم عنصر قوة في معركة الوعي والرواية، وأبلغ رد على خطاب التطرف الديني من جهة، وعلى المشروع الصهيوني اليميني المتطرف من جهة أخرى، الذي يسعى إلى تصوير فلسطين كأرض صراع ديني أحادي، وتكريس الإقصاء والتهويد كأمر واقع. فالحقيقة التاريخية تقول إن فلسطين كانت وستبقى أرض التعدد والتسامح، وأن قدسيتها نابعة من احتضانها للديانات السماوية جميعًا، لا من إقصاء إحداها.
وبمناسبة عيد الميلاد المجيد، ومن أرض المهد في فلسطين المباركة، نتقدّم بالتهنئة الصادقة إلى أبناء شعبنا المسيحي، مؤكدين أن الاحتفال بهذه المناسبة هو احتفال بالهوية الفلسطينية الجامعة، وبقيم العدل والسلام التي حملتها الرسالات السماوية. راجين أن يعيد الله هذه المناسبة على فلسطين وقد عمّها الأمن والسلام، وتحررت القدس من الاحتلال والعنصرية، لتعود مدينةً للتعايش والعدالة، كما كانت عبر التاريخ، وكما يريدها أبناؤها مسلمين ومسيحيين، اليوم وغدًا وإلى يوم الدين.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفأر في المصيدة
- بكر أبو بكر وأكاديمية فتح الفكرية: صرح وطني وفكري لتطوير الق ...
- في زمن الانهيار والتحولات الكبرى رؤية استراتيجية للمستقبل ال ...
- حين تصبح الفتنة أخطر من الاحتلال: تحذير وطني من فلسطة الصراع ...
- التهجير القسري في غزة: قراءة قانونية واستراتيجية في تقرير «ب ...
- القومية العربية في ظل التحولات الإقليمية والدولية قراءة استر ...
- الأمم المتحدة تحذر من عرقلة وصول مساعدات الإيواء إلى غزة
- عقلية المؤامرة: حين يتحوّل الوهم إلى عائق استراتيجي أمام بنا ...
- **الحركة التعاونية في فلسطين: إلى أين؟
- عبثاً تحارب إسرائيل “الأونروا”
- فلسطين دولة تحت الاحتلال… والحاجة الملحّة إلى حوار وطني شامل
- «مملكة يهوذا والسامرة»:
- حين تُهزم القوة وتنتصر الحيلة: قراءة عربية في مأزق الصراع
- مطلوب تحرك أممي عاجل لوقف المخططات الإسرائيلية لتغيير الجغرا ...
- تنهيدة كرامة: صمود المواطن الفلسطيني في مواجهة أزمات متعددة
- أهمية المشاركة الفلسطينية في مؤتمر قادة الشرطة والأمن العرب ...
- العدوان على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين: شروط العودة الإسرائ ...
- الذئب والكلب: وفاء مهدر وشجاعة ممجدة… عبرة من الطبيعة للبشر
- خطة تقسيم غزة… قراءة تحليلية في الدلالات القانونية والاسترات ...
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد 77 عاماً: بين المبادئ والو ...


المزيد.....




- إسرائيل تعلن مقتل عنصر -بارز- في فيلق القدس الإيراني في غارة ...
- حضور لافت لزيدان في مباراة الجزائر وبونجاح يغادر المباراة غا ...
- جدل حول إزالة مقبرة أمير الشعراء وسط مخاوف على تراث القاهرة ...
- قسد تكشف عن -تفاهم مشترك- مع دمشق بشأن دمج القوات العسكرية
- إسرائيل تعلن القضاء على عنصر من الحرس الثوري الإيراني في لبن ...
- إعلان الطوارئ بلوس أنجلس جراء مخاوف من فيضانات خلال عطلة عيد ...
- موقع بريطاني: فانس سيرث الحكم بعد ترامب لكن كيف سيحقق ذلك؟
- هكذا تفاعل الجزائريون بعد إقرار قانون تجريم الاستعمار الفرنس ...
- ما نماذج العالم؟.. الخطوة التالية في تطور الذكاء الاصطناعي
- 5 أمور تحسم شكل العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإعلام في 202 ...


المزيد.....

- قراءة في وثائق وقف الحرب في قطاع غزة / معتصم حمادة
- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي ابوحبله - التعايش الإسلامي–المسيحي في فلسطين: ركيزة هوية وطنية ومعركة وعي في مواجهة الإقصاء