أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - الفأر في المصيدة














المزيد.....

الفأر في المصيدة


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 14:49
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


قراءة استراتيجية–قانونية في هندسة الإكراه وتداعياته على الأمن والسلم الدوليين
بقلم: المحامي علي أبو حبلة
مقدمة
في عالم السياسة المعاصرة، لا تُدار الأزمات دائمًا بالانفجار، بل كثيرًا ما تُدار بالاحتواء المحسوب، وببناء مصائد ناعمة تُقنِع الفاعلين بأنهم يملكون خيارات، بينما تتحكم في مسارهم وحدود حركتهم. وتُعد استعارة “الفأر في المصيدة” توصيفًا دقيقًا لهذا النمط من الإدارة السياسية–القانونية، حيث يُستبدل الإكراه الصريح بإكراه منظم، مغلف بالقانون، ومسوّق بخطاب الاستقرار والشرعية.
هذه المصائد لا تهدد الفاعلين المحليين وحدهم، بل تُنتج تداعيات تتجاوز الحدود، وتمسّ جوهر الأمن والسلم الدوليين.
من بناء الإطار إلى إحكام القيد
تبدأ المصيدة حين يتحول الإطار القانوني والسياسي من أداة تنظيم إلى وسيلة ضبط. تُسنّ القواعد، أو يُعاد تفسيرها، بما يكرّس واقعًا غير متكافئ، ويُقنّن الاستثناء، ويُفرغ المبادئ القانونية من مضمونها، مع الإبقاء على شكلها الإجرائي.
في هذا السياق، لا يُلغى القانون، بل يُعاد توظيفه. فيصبح الامتثال شرطًا للحصول على الحد الأدنى من الاستقرار، بينما يُعاقَب أي خروج عن الإطار، لا باعتباره مخالفة قانونية فحسب، بل بوصفه تهديدًا للنظام العام.
وهم الخيارات وإدارة الصراع
تقوم المصيدة السياسية على إنتاج وهم الخيارات. يُخيَّر الفاعل بين بدائل متعددة ظاهريًا، لكنها جميعًا تقع ضمن السقف ذاته. ويتحول النقاش من البحث عن حلول عادلة ومستدامة إلى مفاضلة بين كلف متفاوتة.
هكذا تُدار الصراعات بدل حلّها، وتُرحَّل الأزمات بدل معالجتها. ويُستبدل مفهوم التسوية العادلة بمنطق “إدارة المخاطر”، بما يضمن استمرار الوضع القائم ضمن مستوى يمكن التحكم به دوليًا، ولو على حساب العدالة والاستقرار طويل الأمد.
البعد القانوني الدولي: شرعية منقوصة
على المستوى الدولي، تبرز إشكالية خطيرة حين تُمنح الشرعية لإطارات سياسية–قانونية لا تستند إلى العدالة، بل إلى ميزان القوة. فتصبح القرارات الدولية انتقائية في تطبيقها، ويُغضّ الطرف عن انتهاكات جسيمة، بينما يُشدَّد على الامتثال في حالات أخرى.
هذا الخلل لا يضعف القانون الدولي فحسب، بل يقوّض الثقة بمنظومة الأمن الجماعي، ويفتح الباب أمام سابقة مفادها أن القانون قابل للتأويل وفق المصالح، لا المبادئ.
انعكاسات المصيدة على الأمن والسلم الدوليين
إن أخطر تداعيات المصائد السياسية–القانونية تكمن في أثرها التراكمي على الأمن والسلم الدوليين، حيث:
تُغذّي الإكراهات المزمنة بؤر توتر قابلة للانفجار في أي لحظة.
تُنتج شعورًا بالظلم وانعدام الأفق، ما يهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
تُضعف الثقة بالقانون الدولي كمرجعية ناظمة للعلاقات بين الدول.
تُكرّس منطق القوة على حساب الشرعية، بما يفتح المجال لصراعات أوسع.
فالأمن لا يُبنى على إدارة الأزمات إلى ما لا نهاية، بل على معالجتها من جذورها.
بين كسر المصيدة وحماية النظام الدولي
لا يعني تفكيك المصيدة الدعوة إلى الفوضى أو تقويض النظام الدولي، بل على العكس، يعني استعادة جوهر هذا النظام. فالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين يقتضي:
إعادة الاعتبار لمبادئ العدالة والمساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
الفصل بين الاستقرار الظرفي والاستقرار المستدام.
رفض تحويل القانون إلى أداة إكراه، والعمل على توحيد معايير تطبيقه.
تعزيز الحلول السياسية القائمة على الحقوق، لا على موازين القوة وحدها.
خاتمة
إن أخطر ما تواجهه المنظومة الدولية اليوم ليس الصراع بحد ذاته، بل تطبيع المصائد بوصفها حلولًا. فالتاريخ يثبت أن المصائد قد تنجح مرحليًا في ضبط الأزمات، لكنها تفشل استراتيجيًا في صناعة السلام.
وفي السياسة كما في القانون، لا يُقاس النجاح بقدرة “الفأر” على التعايش داخل المصيدة، بل بقدرة النظام الدولي على تفكيكها، قبل أن تتحول إلى تهديد شامل للأمن والسلم الدوليين.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بكر أبو بكر وأكاديمية فتح الفكرية: صرح وطني وفكري لتطوير الق ...
- في زمن الانهيار والتحولات الكبرى رؤية استراتيجية للمستقبل ال ...
- حين تصبح الفتنة أخطر من الاحتلال: تحذير وطني من فلسطة الصراع ...
- التهجير القسري في غزة: قراءة قانونية واستراتيجية في تقرير «ب ...
- القومية العربية في ظل التحولات الإقليمية والدولية قراءة استر ...
- الأمم المتحدة تحذر من عرقلة وصول مساعدات الإيواء إلى غزة
- عقلية المؤامرة: حين يتحوّل الوهم إلى عائق استراتيجي أمام بنا ...
- **الحركة التعاونية في فلسطين: إلى أين؟
- عبثاً تحارب إسرائيل “الأونروا”
- فلسطين دولة تحت الاحتلال… والحاجة الملحّة إلى حوار وطني شامل
- «مملكة يهوذا والسامرة»:
- حين تُهزم القوة وتنتصر الحيلة: قراءة عربية في مأزق الصراع
- مطلوب تحرك أممي عاجل لوقف المخططات الإسرائيلية لتغيير الجغرا ...
- تنهيدة كرامة: صمود المواطن الفلسطيني في مواجهة أزمات متعددة
- أهمية المشاركة الفلسطينية في مؤتمر قادة الشرطة والأمن العرب ...
- العدوان على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين: شروط العودة الإسرائ ...
- الذئب والكلب: وفاء مهدر وشجاعة ممجدة… عبرة من الطبيعة للبشر
- خطة تقسيم غزة… قراءة تحليلية في الدلالات القانونية والاسترات ...
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد 77 عاماً: بين المبادئ والو ...
- -انتفاضة الحجارة-.. بعد ثمانية وثلاثين عامًا: قراءة استراتيج ...


المزيد.....




- زيلينسكي يبدي استعداده للتوصل إلى -حل وسط- في دونباس.. ماذا ...
- عشرات البطاريق تزين ساحة منزل في فرجينيا منذ سنوات.. ما القص ...
- رأي.. إردام أوزان يكتب: الثقة كبنية تحتية.. دروس 2025 وتصميم ...
- قضية إبستين تتوسّع: وزارة العدل الأمريكية تراجع أكثر من مليو ...
- دياز ومرموش وعاشوري ومحرز أفضل نجوم الجولة الأولى بكأس الأمم ...
- تنديد أوروبي بفرض واشنطن حظر تأشيرات على شخصيات أوروبية
- زيلينسكي: نعمل بجد على تحقيق السلام و على روسيا عدم عرقلة ال ...
- موسكو تقول أنها قدمت لفرنسا -اقتراحا- بشأن الباحث لوران فينا ...
- كمبوديا وتايلاند تبحثان استئناف وقف إطلاق النار
- هندوراس: نصري عصفورة المدعوم من ترامب يفوز في انتخابات الرئا ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - الفأر في المصيدة