علي ابوحبله
الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 13:11
المحور:
قضايا ثقافية
في السياسة، لا يُهزم الضعيف لأنه ضعيف، بل لأنه يصرّ على خوض المعركة بالأدوات الخاطئة.
وهذا تحديدًا ما تختصره حكاية “الغراب والثعبان” حين تُقرأ خارج إطارها التراثي، وتوضع في قلب الواقع العربي بكل تناقضاته وإخفاقاته.
الغربان في عالمنا العربي ليست طيورًا، بل دولًا وقضايا وشعوبًا تُحاصرها الأزمات، وتُستنزف طاقتها في ردود فعل آنية، بينما الثعابين ليست كائنات زاحفة، بل منظومات هيمنة، إقليمية ودولية، تتغذى على الانقسام، وتزدهر في ظل غياب القرار العربي الموحد.
في كل مرة تحاول فيها هذه الكيانات العربية أن تعيد بناء ذاتها، أن تفرّخ أملًا جديدًا، يمتد الخصم ليقضم هذا الأمل، لا لقوته وحدها، بل لأننا ما زلنا نُدير الصراع بعقلية الانفعال لا بعقلية التخطيط.
المأزق الحقيقي لا يكمن في ميزان القوة، بل في سوء تقديرها.
فحين نفكّر في المواجهة المباشرة قبل استكمال شروطها، نكون قد قدّمنا للخصم ما يعجز عن أخذه بالقوة: الذريعة.
تعلّمنا الحكاية أن أخطر ما يفعله الضعيف هو تقليد القوي في أدواته.
وأن الشجاعة السياسية لا تعني الاصطدام، بل اختيار التوقيت، والميدان، والوسيلة.
الرسالة الأهم في القصة ليست قتل الثعبان، بل كشفه.
فالثعبان انتصر طويلًا لأنه ظل خارج الضوء، يعمل في الظل، بعيدًا عن المحاسبة.
وحين أُجبر على الظهور، تحركت القوى التي كانت صامتة، لا دفاعًا عن العدالة، بل حماية لمصالحها.
وهنا تكمن الحقيقة الصادمة التي لا نحب الاعتراف بها:
العالم لا يتحرك بدافع الأخلاق، بل حين تُمسّ مصالحه.
ومن لا يُحسن ربط قضيته بمصالح الآخرين، تبقى قضيته في خانة التعاطف لا الفعل.
ليست الحيلة في هذا السياق خداعًا، بل إدارة صراع.
وليست البراغماتية خيانة، بل قراءة واقعية لموازين القوة.
أما الإصرار على الخطاب العاطفي، دون أدوات ضغط حقيقية، فهو أقرب إلى جلد الذات منه إلى المقاومة السياسية.
ومع ذلك، لا يجب أن نخدع أنفسنا بانتصار ناقص.
فإسقاط خصم، أو إرباكه مرحليًا، لا يصنع قوة مستدامة.
القوة تُبنى بمشروع سياسي جامع، وبرؤية واضحة، وبمؤسسات قادرة على تحويل الذكاء السياسي إلى مكاسب طويلة الأمد.
إن أخطر ما يواجه الواقع العربي اليوم ليس المؤامرات وحدها،
بل غياب التفكير الاستراتيجي،
وعدم الجرأة على مراجعة الذات،
والخلط بين الصراخ والفعل، وبين الشعارات والسياسات.
في عالم لا يُكافئ النوايا الحسنة،
من لا يُحسن قراءة المشهد،
يبقى فريسة… حتى لو كان صاحب قضية عادلة.
✍️ المحامي علي أبو حبلة
باحث في القانون الدولي
رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة
#علي_ابوحبله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟