رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 09:15
المحور:
الادب والفن
كان هناك رجلٌ يُدعى الراوي… لم يكن يعرف اسمه الحقيقي، ولا من أين جاء، لكنه كان يسكن في مدينة غامضة تُدعى "نسيان".
كل ساكني هذه المدينة كانوا يمشون وهم يمسكون رؤوسهم بأيديهم، كما لو أن أدمغتهم تذوب ببطء، أو كما لو كانوا يبحثون عن شيء فُقد داخلهم إلى الأبد.
الراوي كان مختلفًا…
كان لا ينام.
كلما أغلق عينيه، زارته امرأة مجهولة... ؛ وجهها ضبابي، لكن فيه حنانًا لم يعرفه من قبل... ؛ كانت تهمس له بلغات لا يتقنها، لكنه يفهمها جيدًا.
في كل ليلة، كانت تقف عند عتبة ذاكرته وتُضيء شمعةً صغيرة، ثم تختفي مع أول خفقة قلب.
ذهب إلى "دار النسيان العام"، وهي مؤسسة ضخمة يديرها موظفون بوجوه ممسوحة، يقدمون للناس "حقن النسيان الرحيم".
لكن عندما جاء دوره، سألوه:
– ما الذي تريد أن تنساه؟
قال:
– لا أعرف.
قالوا:
– وماذا تريد أن تتذكّر؟
قال:
– امرأة… لا أعرف اسمها، لكن دفئها لا يفارقني.
ضحك الموظف، وقال:
– إذن، أنت مصاب بلعنة الذاكرة العاطفية…
– وما العلاج؟
– لا علاج… ستبقى معلّقًا بين الغياب والحضور، إلى أن تنساها أو تموت.
خرج الراوي من الدار وقرر أن يفتّش في الأزقة…
في أحد الأزقة، وجد طفلاً يرسم وجهًا على الحائط.
قال له:
– من هذا؟
قال الطفل:
– هذا وجهك حين كنت تحبها.
ارتعش الراوي… أدرك حينها أن كل ما في المدينة كان يتآمر عليه…
الأزقة، الجدران، الهواء، حتى الأطفال…
كلهم يعرفون، وهو وحده المنسي في قلبه.
في اليوم التالي، قرر أن يغادر "نسيان".
وحين وصل إلى حدود المدينة، أوقفه رجلٌ عجوز وقال له:
– إلى أين تذهب؟
قال:
– إلى حيث أستطيع أن أتذكرها.
ضحك العجوز وقال:
– لا مدينة هناك… التذكّر أرضٌ بلا حدود، يسكنها المجانين.
لكن الراوي مرّ، ومشى في الصحراء طويلاً، حتى رأى كوخًا وحيدًا.
في داخله كانت تجلس…
نعم، هي…
لكنها لم تتعرف عليه.
قالت له:
– من أنت؟
قال:
– أنا من نسيتك.
ابتسمت وقالت:
– إذن، نحن أخيرًا متساويان.
وهكذا، جلسا في الصمت…
هو يُحاول أن يتذكّر، وهي تُحاول أن تنساه.
وذاك المكان اسمه الآن:
"حافة الذاكرة".
#رياض_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟