أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - مرونة النظام العراقي الديمقراطي: آلية التصحيح الذاتي وقابلية التكيف في مواجهة التحديات














المزيد.....

مرونة النظام العراقي الديمقراطي: آلية التصحيح الذاتي وقابلية التكيف في مواجهة التحديات


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتميّز هذا النظام الديمقراطي الراهن ، مقارنةً ببقية الأنظمة الجمهورية الدكتاتورية والعسكرية والطائفية التي طواها التاريخ، فضلًا عن العهد الملكي البائس الذي ارتبط في الذاكرة الجمعية بالحرمان والمرض والفقر المدقع والتفاوت الطبقي والاقطاع ... ؛ بعدة خصائص جوهرية... ؛ وأبرز هذه الخصائص هي المرونة والنسبية في التطبيق، بعيداً عن الجمود والتعصب الأيديولوجي، مما يمنحه قدرة فريدة على التكيف والاستجابة... ؛ فهو نظام لا يدّعي الكمال ولا يتعامل مع المجتمع بوصفه كتلة صمّاء، بل يعترف بتعدّد المصالح وتباين القوى، ويسعى إلى إدارة التناقضات بدل قمعها أو إنكارها... .
إن جوهر هذا النظام لا يكمن في ادّعاء الطهارة المطلقة، بل في قدرته على احتواء الأخطاء وتقليص آثارها قدر الامكان ... ؛ فإذا تورّط بعض المسؤولين في الفساد، فإن ذلك — على قبحه — لا يؤدي بالضرورة إلى حرمان بقية الشعب من مقوّمات العيش أو إغلاق أبواب الحياة أمامه ... ؛ كما كان يحدث في الأنظمة الشمولية التي كانت فيها : سرقة الحاكم تعني فقر الأمة بأسرها... ؛ بل إن واقع الحال، وإن كان مؤلمًا أحيانًا، يكشف أن شرائح من المجتمع قد تنتفع بصورة غير مباشرة من هذه الاختلالات، كالمقرّبين أو العاملين ضمن دوائر الحماية والمحيط الإداري لهذا المسؤول او ذاك ، مع التأكيد أن الحديث هنا عن “البعض” لا عن الكل.
غير أن ما يمنح هذا النظام بعده الديمقراطي الحقيقي هو قابلية التصحيح الذاتي... ؛ فحين ترتفع الأصوات الشعبية، ويشتد ضغط الإعلام، وتتعاظم موجات النقد ضد صفقة مشبوهة أو مسؤول فاسد، نجد أن آليات الدولة تتحرّك — عاجلًا أم آجلًا — لإلغاء الصفقة، أو إقالة المسؤول، بل ومحاسبته قانونيًا في بعض الحالات... ؛ وهذه السمة، مهما شابها من بطء أو انتقائية، تبقى فارقًا جوهريًا بين نظام يسمح بالمساءلة ونظام يجرّم حتى التفكير بها.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن خروج الجماهير في تظاهرة هنا أو احتجاج هناك، للمطالبة بالخدمات أو فرص التعيين أو تحسين الواقع المعيشي، لا يُواجَه غالبًا بالقمع الحكومي القاسي ، بل يدفع الحكومة — في كثير من الأحيان — إلى الاستجابة أو محاولة التخفيف من حدّة الأزمة، ولو بالحدّ الأدنى... ؛ وهذه الاستجابة، وإن لم تكن مثالية أو شاملة دائمًا، تعكس إدراكًا رسميًا بأن الشارع شريك في القرار، لا عدوًا ينبغي كسره.
وفي سياق آخر لا يقل أهمية، تبرز تجربة فصائل المقاومة الإسلامية التي قبلت بنزع السلاح، رغم إيمانها العميق بضرورة حمله في ظل التحديات الأمنية المستمرة، وتهديدات الجماعات التكفيرية والفصائل الطائفية الإرهابية التي لم تختفِ بالكامل من المشهد... ؛ ومع ذلك، فقد غلّبت هذه الفصائل صوت الحكمة والحنكة السياسية، وقدّمت المصلحة الوطنية العامة على الشعارات الآنية، ورضخت لمنطق الدولة ومقتضيات الاستقرار.
ولم تلتفت تلك القوى إلى شماتة هذا الطرف أو سخرية ذاك، لأن حساباتها تجاوزت ردود الفعل العاطفية إلى تقدير المآلات والنتائج... ؛ وإن دلّ هذا السلوك على شيء، فإنما يدل على درجة من النضج السياسي والوعي بالمرحلة، وفهم عميق لموازين القوى وإكراهات الواقع.
وقد عبّر أسلافنا العراقيون عن هذه الحكمة بقولهم المأثور: « اليد الماتكدر تلاويها بوسها»، أي إن التعامل مع الواقع أحيانًا يقتضي المرونة لا المكابرة... ؛ وهو معنى ينسجم مع القاعدة القرآنية الراسخة: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، حيث يُقاس الفعل السياسي الرشيد بقدرته على الموازنة بين المبدأ والاستطاعة، وبين الطموح وما تسمح به الظروف.
وهذا كله يُشير إلى أن جوهر الديمقراطية ليس الوصول إلى الكمال، بل إتاحة آلية للتصحيح الذاتي دون حاجة إلى عنف دموي أو انقلابات عسكرية ... ؛ إنها نظام يعترف بتنوع المجتمعات ويعمل ضمن "وسعها" وإمكانياتها ... .
وهكذا، فإن قوة هذا النظام لا تكمن في خلوّه من العيوب، بل في قابليته للتكيّف، واعترافه بحدود الممكن، وسعيه الدائم — ولو بتعثّر — إلى تصحيح المسار، وهو ما يجعل الديمقراطية مسارًا مفتوحًا على التطوير، لا نموذجًا جامدًا يُفرض بالقوة أو يُصان بالخوف.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثروات بلا أصحاب: العمالة الأجنبية في جنوب العراق بين منطق ال ...
- تسلّل السوريين إلى بغداد عبر أربيل: مقاربة سياسية–أمنية لظاه ...
- جريمة في المنصور: انعكاس لجروح إقليمية عميقة وتحولات في طبيع ...
- العنصرية والاستغلال بحقّ السوريين في تركيا: قراءة سياسية-اجت ...
- مرثية الروح والظل
- الطفولة العراقية بين قسوة التاريخ و ميراث العنف وبنية الاستغ ...
- مرايا البعد والاغتراب وأطياف الاصدقاء القدامى
- دوامة التغيير… حين تبتلعك ذواتك المتعددة
- سيولة الشعور وهشاشة اللحظة: قراءة نفسية في زمن العاطفة المتح ...
- حين يشوي العمّ ( أبو محمد) لحمَ الذاكرة على جمر الزمن
- الكائن الذي فضحته إضاءته
- كيمياء الوجود بين صرامة القوانين ووهم الاستثناء
- الواقع المزيف: بحثًا عن الحقيقة في زمن الالتباس وطمر الوعي
- حين تدور الأسطوانة… ويستيقظ زمنٌ لم يمت
- وليمة الجوع الذي لا يُشبِع … وسراب الشِّبع الذي لا يرحم
- العابر بين ظلاله
- نارٌ تُضيء ظِلال الروح
- النقل والرواية بوصفها ساحة للصراع: نقد تمثّلات الخصم والاخر ...
- اشكاليات مفهوم الأمة العراقية / 10 / ازدواجية المعايير وإشكا ...
- الهجرة بوصفها فعلًا اجتماعيًّا معقّدًا: بين الاستبداد السياس ...


المزيد.....




- فوضى عارمة وشجار.. شاهد ما حدث خلال جلسة نطق بالحكم في قضية ...
- الكويت.. الداخلية تنشر لقطات لكبس مركبتين وتوضح السبب
- السودان: كيف يؤثر استهداف المرافق الصحية في حياة المدنيين؟
- قضية إبستين: ضحايا ونواب يوجهون انتقادات حادة للإدارة الأمري ...
- المنتخب المغربي يستهل مشواره في الكان بمواجهة منتخب جزر القم ...
- إشارات يعتمد عليها المحققون في كشف الجناة والكاذبين
- من الإمارات.. ماكرون يفتح صفحة ما بعد -شارل ديغول-: حاملة طا ...
- قطار سريع يدهس قطيع فيلة شمالي شرق الهند
- كيف تفاعل السوريون مع عملية -عين الصقر- الأميركية في بلادهم؟ ...
- هيئة فلسطينية: أسيران مريضان يواجهان ظروفا كارثية بسجون الاح ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - مرونة النظام العراقي الديمقراطي: آلية التصحيح الذاتي وقابلية التكيف في مواجهة التحديات