رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 09:13
المحور:
الادب والفن
يا ابنتي…
يا ضوءًا وُلد من ضلوعي،
يا أمّي التي جاءت بعد أن رحلت أمّي،
يا أُنثى النقاء،
يا هواءً لا يُرى،
ويا ماءً يروي عطشَ أيامي،
كيف أكتبكِ؟
وكيف أُناديكِ وأنتِ بيني وبيني،
بين الأرض والسماء،
بين الغياب واللقاء؟
كنتِ وجهَ الله في قلبي،
وابتسامةَ الملائكة في بيتي،
كنتِ صلاتي التي لا تُترك،
ودعائي الذي لا ينقطع.
كلما وضعتِ يدكِ على يدي،
ارتجف الليل،
وانشقّ النهار عن شمسٍ صغيرة.
لكن القدر جزارٌ لا يرحم،
انتزعكِ من صدري كما يُنتزع الضوء من المصباح،
تركتِني في حلبة الدهر،
أُصارع الثيران والأشباح،
وأدفع ثمن التحدي والتمرّد،
كأنني ولدتُ لأخسر،
وأُعطي لأُسلب،
وأُحبّ لأُفجع.
رأيتكِ في سرير المرض زهرةً تُقاوم المقص،
ترتّلين القرآن كي لا تسمعني أنينك،
وتبتسمين كي لا أرى دموعك.
كنتِ تلوّحين للجهات الأربع،
كأنكِ تودّعين الجهات جميعًا،
وأنا أختلس النظر،
أكاد أصرخ: "يا ابنتي…
خذيني معكِ،
فأنا جسدك الثاني،
ونَفَسُك الآخر."
لكنّكِ رحلتِ بصمت،
كمن يغلق عينيه لينام قليلًا،
رحلتِ بلا صرخة، بلا دمعة،
وتركتِني ممزّقًا بين ليلٍ بلا قمر
ونهارٍ بلا شمس.
منذ تلك اللحظة انقسمتُ نصفين:
نصفٌ في التراب معكِ،
ونصفٌ في العراء بلاكِ.
أراكي في المنام تضحكين،
تركضين في الحقول الخضراء،
تلوّحين لي من وراء الضباب.
أمدّ يدي إليكِ،
فتلسعني أفعى سوداء،
تذكرني أن الطريق مسدود،
وأن اللقاء مؤجَّل،
وأن الحلم جرحٌ آخر.
أي ابنةٍ تلك التي كانت أبيها وأمّها؟
أي فرعٍ ذاك الذي احتوى الأصل؟
أي روحٍ تلك التي صعدت عني
كي أبقى حيًّا؟
لقد رحلتِ،
لكنّكِ لم ترحلي.
غبتِ،
لكنّكِ لم تغيبي.
صرتِ هواءً في صدري،
وهمسًا في أذني،
ونورًا في ظلامي.
كل نسمةٍ تحملني إليكِ،
كل غيمةٍ تذكّرني بكِ،
كل دعاءٍ يفتح الباب قليلًا…
فأراكِ،
ثم يُغلقه الموت من جديد.
يا ابنتي…
لم تموتي.
إنكِ فقط سبقتني بخطوة،
وتركتِ الباب مواربًا بين الدنيا والآخرة،
كي أراكِ عند العتبة الأخيرة،
وأعانقكِ هناك،
في الحقل الأخضر الذي لا وجع فيه،
ولا مرض،
ولا وداع.
...................
• سأعيد صياغة المراثي مرارا ؛ حتى يجف حبر روحي , وتفنى كلمات قلبي المصاب بجراح الدهر وحراب الزمن .
#رياض_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟