أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - سيولة الشعور وهشاشة اللحظة: قراءة نفسية في زمن العاطفة المتحوّلة














المزيد.....

سيولة الشعور وهشاشة اللحظة: قراءة نفسية في زمن العاطفة المتحوّلة


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 01:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في عالمٍ تتداخل فيه الظلال مع الضوء، وتُبدّل فيه النفس أثوابها الشعورية بين ساعة وأخرى، تصبح بعض الرسائل والمحادثات أشبه بشرارات خاطفة؛ تتوهّج لحظة ثم تنطفئ دون أن تترك أثراً في قماشة الروح... ؛ فالعاطفة التي لا تُجابَه فور ولادتها قد تموت قبل أن تتعلّم النطق، والاتصال الهاتفي الذي يُجريه صاحبه بدافع ذكرى طارئة أو دفقة وجدانية آنية يفقد قيمته إن تُرك معلقاً في هواء الانتظار، لأن تلك الدفقة لم تُخلق لتعيش طويلاً، بل لتُلتقط قبل تبخرها.
من منظورٍ نفسيّ ، يعتمد الشعور الإنساني على ديناميات التغيّر المزاجي و التقلب الانفعالي و التأثر اللحظي بالمحيط وضغوطه وتحولاته ... ؛ فالمزاج ليس ثابتاً، بل هو «كائن موجي» يرتفع وينخفض تبعاً لمثيرات دقيقة قد لا يدركها العقل الواعي... ؛ وما نظنه حباً أو شوقاً أو رغبة في لحظة معينة قد يتحوّل في اللحظة التالية إلى حيادٍ باهت، أو ابتعادٍ غير مبرّر، أو لا مبالاة مفاجئة... ؛ لذلك فإن تأجيل الاستجابة العاطفية يشبه تأجيل التقاط فراشة لا تتكرر، لأنها ستطير حين يبرد الهواء حولها.
في التحليل النفسي العميق، العاطفة الآنية ليست شعوراً ثابتاً كما يظن البعض، بل هي نافذة طاقة تُفتح للحظة قصيرة جداً، ثم تغلق بآليات دفاعية أو تغيرات هرمونية أو تبدّلات سياقية لا نملك السيطرة عليها... ؛ وعندما يغيب الرد أو يتأخر التواصل، يفسّر الدماغ ذلك بوصفه رفضاً أو جفاءً، فتنطفئ «الكيمياء الدقيقة» التي كانت تعمل للحظة، ويبدأ الجهاز النفسي بإعادة ضبط معاييره، فيتحوّل الحنين إلى صمت، والدفء إلى برود، والاندفاع إلى تراجع... ؛ ولهذا يصبح النداء العاطفي رهينة الزمن ؛ إن لم يُستجب له في لحظته المناسبة، ماتت دلالته وبقي شكله فقط ... ؛ فكم من علاقة خُسرت لأنها انتظرت «وقتاً أفضل أو أطول »، وكم من صداقة ذبلت لأن أحد الطرفين ترك الرسالة معلّقة حتى تغيّرت حالته الشعورية ... !
ذلك لأن المشاعر لا تسكن المكان ذاته مرتين، فهي كالأنهار الهابطة من جبال الأحلام، تتحول في كل منعطف وتتبدل ألوانها بحسب حجارة الواقع التي تصطدم بها... ؛ النفس البشرية ليست سوى مسرح مؤقت تمر عليه ظلال المشاعر، فلا يعود الظل نفسه أبدًا، حتى وإن تشابهت الأضواء.
إن اللحظة العاطفية تشبه بلورة ثلجية تذوب بين الأصابع حالَما نحاول الإمساك بها؛ لهذا فإن تأجيل التواصل العاطفي يشبه محاولة تعليق النهر في منتصف مجراه... ؛ فالغد قد يأتي بحالة نفسية مختلفة، بلغة جديدة، وبقلب قد استبدل مفاتيحه... ؛ لا تؤجل رسالة الحب، ولا تؤجل كلمة الامتنان، فقد تصبحان غريبين في فم اللحظة القادمة، أو ربما تتحولان إلى حروف منسية في قاموس لم يعد يُقرأ.
نعم , العاطفة ليست مشروعاً مؤجلاً، ولا موسماً دورياً يعود حين نشتهي... ؛ هي حدثٌ لحظيّ يطلب أن يُعاش الآن، أن يُلمَس الآن، أن يُجاب الآن... ؛ ومن هنا تصبح الحكمة النفسية بسيطة رغم عمقها :اغتنم الشعور حين يولد، وردّ على النداء حين يُسمع، ولا ترجئ دفء وشوق القلب إلى الغد… ؛ لأن الغد كائن آخر، بملامح أخرى، ومزاج آخر، وقلب آخر.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يشوي العمّ ( أبو محمد) لحمَ الذاكرة على جمر الزمن
- الكائن الذي فضحته إضاءته
- كيمياء الوجود بين صرامة القوانين ووهم الاستثناء
- الواقع المزيف: بحثًا عن الحقيقة في زمن الالتباس وطمر الوعي
- حين تدور الأسطوانة… ويستيقظ زمنٌ لم يمت
- وليمة الجوع الذي لا يُشبِع … وسراب الشِّبع الذي لا يرحم
- العابر بين ظلاله
- نارٌ تُضيء ظِلال الروح
- النقل والرواية بوصفها ساحة للصراع: نقد تمثّلات الخصم والاخر ...
- اشكاليات مفهوم الأمة العراقية / 10 / ازدواجية المعايير وإشكا ...
- الهجرة بوصفها فعلًا اجتماعيًّا معقّدًا: بين الاستبداد السياس ...
- نحو تأسيس وعي وطني جديد: مقاربة فلسفية-سياسية في مفهوم الأمة ...
- جشع محطات الوقود الأهليّة… حين يتحوّل «القليل» إلى منظومة فس ...
- الضياع… حين تغترب النفس عن ذاتها وتصبح الحياة بلا بوصلة
- العوامل الصانعة للوعي الجمعي والثقافة العامة : بين القيادة و ...
- حين يتحول المجرم إلى وجيه .. والمجتمع إلى شريك في الجريمة..! ...
- ما بعد الفناء النووي: الإنسان حين يحترق بعقله
- سرقات في ظلال القانون — حين تتخفّى اللصوصية بثياب الفضيلة
- مقاربة سياسية لما بعد الانتخابات العراقية 2025: بين توازن ال ...
- العراق بين مطر السياسة وجفاف الرافدين ... قراءة في العقل الت ...


المزيد.....




- أول تعليق للبيت الأبيض على ظهور ترامب في الصور الجديدة لإبست ...
- صور جديدة من ممتلكات إبستين تظهر ترامب وكلينتون والأمير السا ...
- -التدريب الديني أولاً-.. نيويورك تايمز: الولاء يطغى على الكف ...
- ضمانات أمنية أولا.. باريس والأوروبيون يطالبون واشنطن بتعهدات ...
- ميرتس يلتقي زيلينسكي الأثنين ويبحث مع قادة أوروبيين مسار الح ...
- ترامب يعلن توسطه بعد مكالمات مع زعيمي تايلاند وكمبوديا.. وات ...
- عاجل| الخارجية الألمانية: نطالب الحكومة الإسرائيلية بالوقف ا ...
- واشنطن والاتحاد الأوروبي يشددان الخناق على قادة الدعم السريع ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على تجميد أصول روسيا لأجل -غير مسمى- ...
- الزبيدي يشيد بدور دول التحالف العربي في التصدي للإرهاب


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - سيولة الشعور وهشاشة اللحظة: قراءة نفسية في زمن العاطفة المتحوّلة