أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - الطائفية والنكران: تحليل عابر للحدود للعلاقات العراقية الأردنية بين التاريخ والكراهية المعاصرة















المزيد.....

الطائفية والنكران: تحليل عابر للحدود للعلاقات العراقية الأردنية بين التاريخ والكراهية المعاصرة


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 08:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمكن اختزال التوتر الحالي بين العراقيين والأردنيين في مجرد منافسة كروية عابرة هنا وهناك ... ؛ إنه تعبير عن جروح تاريخية عميقة، وتراكم لمشاعر المرارة، وتوظيف سياسي للانقسامات الطائفية، تحولت معه الرياضة والمجال العام إلى ساحة لتصفية حسابات مركبة ومعقدة... ؛ هذا التحليل يستهدف الطبقات المتعددة لهذه الظاهرة، من جذورها الاقتصادية والتاريخية إلى تجلياتها الاجتماعية والنفسية الراهنة.
*التحليل التاريخي والاقتصادي: علاقة المنفعة والتبعية
يشكل العامل الاقتصادي حجر الزاوية في فهم هذه العلاقة... ؛ فخلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم ، تحول الأردن إلى "المتنفس الاقتصادي" الوحيد تقريباً للعراق تحت وطأة الحصار الدولي... ؛ كانت السوق الأردنية و ميناء العقبة والبنوك قنوات حيوية لتنفيذ برنامج "النفط مقابل الغذاء" ؛ مما حقق انتعاشاً اقتصادياً ملموساً للأردن... ؛ وهذا الدور ولَّد لدى قطاع كبير من الشارع الأردني والنخب نظرة مفادها أن العراق هو مصدر للإيرادات والمنفعة بل البقرة الحلوب ، سواء عبر النفط المجاني في عهد النظام السابق , أو تصدير المنتجات والبضائع الاردنية , أو طرق النقل وفرض الكمرك والضرائب ... الخ ، أو عبر رؤوس الأموال العراقية الهاربة بعد عام 2003 والتي قُدرت بعشرات المليارات وساهمت في نسب نمو أردنية مذهلة... ؛ هذه العلاقة غير المتكافئة والمنكوسة غذت لدى بعض العراقيين شعوراً بأن بلدهم كان يُستغل في أحلك ظروفه، وأن هذا الاستغلال لم يقترن بالامتنان بل أحياناً بالازدراء والاحتقار .
*التحليل الاجتماعي والسياسي: طائفية مُستورَدة ومخاوف مُستحدثة
بعد عام 2003، تحولت ديناميكية العلاقة... ؛ مع هجرة آلاف العراقيين، معظمهم من التجار وأصحاب رؤوس الأموال، إلى الأردن هرباً من العنف ... ؛ اذ برزت ظاهرة التحسس والحسد الاجتماعي والغيرة الاقتصادية... ؛ اذ اتُّهم العراقيون بـ "إشعال أسعار العقارات" ووصفوا بـ "لصوص الحروب"، في خطاب شعبي يحمل في طياته حقداً طبقياً وتمييزاً... ؛ وفي الوقت ذاته، استغلت بعض التيارات السياسية والأمنية الأردنية ذات النزعة السلفية والوهابية التغير الديموغرافي في العراق لتغذية خطاب طائفي تحذيري، صورت من خلاله اللاجئين العراقيين الشيعة كطابور خامس أو كامتداد لميليشيات طائفية... ؛ وقد وجد هذا الخطاب صدى في تصريحات رسمية رفيعة المستوى حذَّرت من "الهلال الشيعي".
أضف إلى ذلك الوجود المكثف لرموز النظام البعثي السابق ومعارضي النظام الديمقراطي الجديد من ابناء الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة في عمان، والذين وجدوا فيها منصة للإعلام والتأثير والتحشيد الطائفي ... ؛ هذا الوجود، مع التأييد العلني لبعض الأردنيين لصدام وتاريخه الاجرامي ... ؛ يُعد استفزازاً عميقاً للعراقيين الذين عانوا من حروب وقمع ذلك النظام الدموي ... ؛ كما أن افتعال مشاجرات أمام السفارة العراقية في عمان وهتافات مثل "بالروح بالدم نفديك يا صدام" في فعاليات رسمية عراقية، يعمق لدى العراقيين إحساساً بأن جزءاً كبيرا من المجتمع الأردني لا يعترف بمأساتهم بل يمجد رمزها الاجرامي .
*التحليل النفسي: تنفيس الكراهية ونكران الجميل
يمكن تفسير المظاهر العدائية في الملاعب كآلية تنفيس جماعي عن كراهية متراكمة... ؛ تتحول الرياضة إلى مسرح آمن نسبياً لتفريغ التوترات السياسية والطائفية تحت غطاء المنافسة المشروعة... ؛ إن تحويل الخصم الرياضي إلى "آخر" طائفي أو سياسي (شيعي، مؤيد لإيران، إلخ) يجرد المواجهة من طابعها الرياضي البحت ويمنح العداء شرعية هوياتية أعمق.
كما يلاحظ ظاهرة نفسية-اجتماعية مقلقة هي "نكران الجميل"... ؛ رغم الدعم العراقي التاريخي المالي والعسكري للقضية الفلسطينية والدول العربية الفقيرة، بما فيها المساعدات النفطية للأردن التي تجاوزت المليارات، فإن الخطاب العدائي يتجاهل هذا التاريخ تماماً...؛ قد يكون هذا نتيجة لتغير بؤرة التضامن العربي، أو لسيطرة الصورة النمطية الطائفية الحالية على الإرث التاريخي، أو حتى كرد فعل على حالة الضعف والانقسام التي يعيشها العراق حالياً، مما يدفع بعض الشعوب إلى ركل من يرونه "في الأسفل أو في الجانب الاخر ".
*مظاهر التصرفات الطائفية والعدائية: من المطار إلى الملعب
هذه العوامل مجتمعة تترجم إلى ممارسات يومية مؤلمة للعراقيين، منها:
• في المنافذ الحدودية والمطارات: تشير تقارير إلى تعرض العراقيين، ولاسيما من يُعتقد أنهم شيعة، لإذلال واستجوابات أمنية مهينة، بل وصل الأمر وفقاً لتقارير حقوقية إلى ترحيل بعض العراقيين من الحدود الأردنية مع علم السلطات بأن مصيرهم قد يكون القتل على يد جماعات مسلحة في مناطق عبورهم.
• في الملاعب الرياضية: تتعدى المنافسات الرياضية حدود التنافس الشريف إلى الهتافات الطائفية المسيئة... ؛ فبعد مباراة العراق وفلسطين في عمان (مارس 2025)، هتف جمهور أردني وفلسطيني بعبارات نابية وطائفية ضد العراقيين مثل "يا عراقي يا كواد... يلا روح على بغداد"... ؛ كما أن المناكفات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين المباريات غالباً ما تتحول إلى استدعاء لرموز سياسية (كصدام) أو طائفية (الشيعة وإيران) بدلاً من التركيز على الجانب الرياضي.
• في الفضاء العام: تظهر حوادث الاعتداء على سيارات ومنازل عراقية في عمان وإربد، ونصب خيام العزاء للارهابي أبو مصعب الزرقاوي، ولصق صور للمجرم صدام على السيارات في مناسبات معينة، كتعبيرات صادمة عن هذا العداء المترسخ لدى فئة كبيرة من المجتمع.
*الاستنتاج: خراب متبادل وجراح تحتاج إلى مداواة

خلاصة القول، إن العلاقة بين شريحة واسعة من العراقيين والأردنيين تعيش أزمة ثقة عميقة... ؛ و العراقيون باتوا "لا يطيقون" ما يرونه استغلالاً اقتصادياً تاريخياً وتحولاً للجارة التي استفادت من محنتهم إلى ساحة لإيواء أعدائهم وتمجيد طاغيتهم ... ؛ بينما يرى جزء كبير من الأردنيين في اللاجئين والمستثمرين العراقيين مصدراً لتشويه هويتهم ورفع أسعار معيشتهم وتمهيداً لنفوذ طائفي يُخشى منه.
الخطر الحقيقي يكمن في أن هذا الاستقطاب المسموم يخدم أجندات سياسية داخلية وإقليمية على حساب مصلحة الشعبين ... ؛ تحويل العراقي أو الأردني إلى "عدو هوياتي" يصرف الأنظار عن الملفات الداخلية الملحة لكلا البلدين ... ؛ إن كرة القدم هنا ليست سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، أو الشماعة التي تُعلَّق عليها أحقاد تاريخية واجتماعية وسياسية متراكمة... ؛ و المخرج من هذه الدائرة المغلقة يتطلب جرأة سياسية لقمع الخطاب الطائفي والسياسي الحاقد ... ؛ وجهوداً إعلامية وثقافية لاستعادة صورة الأخوة المجردة من منطق المنفعة والطائفية، والاعتراف المتبادل بالألم والتاريخ... ؛ فبدون ذلك، ستستمر الملاعب والمطارات في كونها شواهد على خراب العلاقة بين جارين جمعتهما الجغرافيا وفرقتهما السياسة والطائفية.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمالة الأجنبية والوافدون في العراق: قراءة سياسية-اجتماعية ...
- استمرارية كابوس الثعابين السبعة
- مرونة النظام العراقي الديمقراطي: آلية التصحيح الذاتي وقابلية ...
- ثروات بلا أصحاب: العمالة الأجنبية في جنوب العراق بين منطق ال ...
- تسلّل السوريين إلى بغداد عبر أربيل: مقاربة سياسية–أمنية لظاه ...
- جريمة في المنصور: انعكاس لجروح إقليمية عميقة وتحولات في طبيع ...
- العنصرية والاستغلال بحقّ السوريين في تركيا: قراءة سياسية-اجت ...
- مرثية الروح والظل
- الطفولة العراقية بين قسوة التاريخ و ميراث العنف وبنية الاستغ ...
- مرايا البعد والاغتراب وأطياف الاصدقاء القدامى
- دوامة التغيير… حين تبتلعك ذواتك المتعددة
- سيولة الشعور وهشاشة اللحظة: قراءة نفسية في زمن العاطفة المتح ...
- حين يشوي العمّ ( أبو محمد) لحمَ الذاكرة على جمر الزمن
- الكائن الذي فضحته إضاءته
- كيمياء الوجود بين صرامة القوانين ووهم الاستثناء
- الواقع المزيف: بحثًا عن الحقيقة في زمن الالتباس وطمر الوعي
- حين تدور الأسطوانة… ويستيقظ زمنٌ لم يمت
- وليمة الجوع الذي لا يُشبِع … وسراب الشِّبع الذي لا يرحم
- العابر بين ظلاله
- نارٌ تُضيء ظِلال الروح


المزيد.....




- بانكسي يفاجئ لندن بعمل فني جديد
- -الإمارات لا تسعى إلى نفوذ أو زعامة-.. أنور قرقاش يتحدث عن - ...
- فنزويلا: أنصار الحكومة ينظمون مظاهرة بالدراجات النارية في كر ...
- ماذا يحدث للجسم بعد التوقف عن حقن إنقاص الوزن؟
- هدوء حذر وتوافق على خفض التصعيد بعد أحداث العنف في حلب
- كأس الأمم الأفريقية: -قوة تونس في روح لعبها الجماعي-...-نسور ...
- شبكة -سي بي إس- تمنع عرض تقرير يكشف عمليات ترحيل جماعية نفذت ...
- روسيا تهاجم كييف وتسقط 29 مسيرة أوكرانية
- بين التحذير والتأييد.. المناورات الإيرانية تثير جدلا على منص ...
- المطر جرف كل ما تبقى لنا.. جحيم الشتاء في قطاع غزة المدمر


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - الطائفية والنكران: تحليل عابر للحدود للعلاقات العراقية الأردنية بين التاريخ والكراهية المعاصرة