أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ايت وكريم احماد بن الحسين - حين يُجرَّم العيش ويُكافأ النفاق














المزيد.....

حين يُجرَّم العيش ويُكافأ النفاق


ايت وكريم احماد بن الحسين
مدون ومراسل

(Ahmad Ait Ouakrim)


الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 02:47
المحور: المجتمع المدني
    


هذا النصّ نوع من الاعتراف الصادم بالهزيمة أمام سلطة اجتماعية تُراقب الأجساد وتُحاصر الحريات، أكثر مما تحمي الكرامة. مجرد صوتٌ يعلن الاستسلام لا لأنّه فقد الرغبة في الحياة، بل لأن الحياة صارت مشروطة، مُراقَبة، وممنوحة بالقطّارة. وهنا لا أطالب بامتيازات، بل بحقّ بدائي: أن يعيش دون أقنعة، دون نفاق جماعي، ودون خوف من عيون تتجسّس باسم الأخلاق بينما تمارس الإذلال علنًا.
إنه صراخ كل إنسان سُلب منه كل شيء، حتى معنى الكرامة، فلم يبقَ له سوى الصدق القاسي مع نفسه، والاعتراف بأن الانحطاط الحقيقي ليس في الأفعال، بل في مجتمع يدفع أفراده للعيش سرًّا، والتظاهر علنًا، ثم يعاقبهم على الاثنين معًا.

بيان الهزيمة أمام دولة الوصاية: حين يُجرَّم العيش ويُكافأ النفاق
معذرة أيها السادة… وأنتم تعرفون جيدًا من أنتم.
سادة بحكم السيطرة، لا بحكم الشرعية الأخلاقية. سادة لأن ميزان القوة في صفكم، ولأن المجتمع سلّم لكم حق المراقبة والحكم والتأديب، لا لأنكم أفضل أو أنقى أو أكثر فضيلة.
أكتب هذا النص لا لأستعطف، ولا لأبرّر، بل لأعلن هزيمة فرد أمام منظومة كاملة. هزيمة ليست أخلاقية، بل سياسية واجتماعية. هزيمة إنسان في مواجهة دولة غير مكتوبة، لكنها أشد قسوة من أي قانون: دولة الوصاية الأخلاقية.
اليوم أرفع الراية البيضاء، لا لأنني اقتنعت، بل لأنني استُهلكت. أُنهكت في معركة غير متكافئة مع مجتمع يطالبك بالطهارة العلنية، ويغض الطرف عن كل أشكال العنف والنهب والاستبداد. مجتمع يسمح بالفساد المنظم، ويشنّ حربًا بلا هوادة على الاختيارات الفردية.
لقد فقدت كل شيء تقريبًا: الاستقرار، الأمان، الحق في أن أكون ذاتي بلا خوف. ولم يتبقَّ لي سوى ما يُسمّى “الكرامة”. لكن أي كرامة هذه، حين تُفرَّغ من مضمونها، وتُختزل في مراقبة الجسد، وتوقيت الرغبة، وشكل الحياة الخاصة؟
كل ما أطالب به هو حق بديهي: أن أعيش حياة طبيعية.
أن أمارس اختياراتي دون أن أتحوّل إلى مشتبه فيه أخلاقيًا.
أن لا أُجبر على الاختباء، ولا على توزيع حياتي بين العلن الكاذب والسرّ الملوّث بالخوف.
في هذا البلد، لا يُمنع الفعل لأنه مؤذٍ للغير، بل لأنه يجرح “الذوق العام” كما يحدده حراس الفضيلة. لذلك نمارس حياتنا في الهوامش الزمنية: خارج الأضواء، أثناء انشغال الجماعة بطقوسها العلنية، في لحظات يُعلَّق فيها الحكم الأخلاقي مؤقتًا لأن الجميع مشغول بإثبات طهره أمام الجميع.
هذه ليست صدفة، بل نتيجة مباشرة لمنظومة تشجّع النفاق باعتباره شرطًا للاندماج. منظومة تقول لك: افعل ما تشاء، لكن لا تجرؤ على أن تكون صريحًا. كن منافقًا، تعِش. كن صادقًا، تُقصى.
لقد فاتني القطار، نعم.
قطار الاندماج، قطار “الاحترام”، قطار الحياة المستقيمة كما يريدها المجتمع. لم أعد أطلب سوى الفتات: حياة في الحد الأدنى، بلا تطلعات كبرى، بلا أوهام إصلاح، بلا أمل في العدالة.
وهذا الفتات لا يُعاش وحده. يقتسمه المهمّشون، المنبوذون، أولئك الذين قبلوا بالقليل لأن الكثير كان مشروطًا بالخضوع الكامل. علاقات بلا أفق، متع رديئة، لذّات مستعجلة، ليست احتفالًا بالحياة، بل تعويضًا بائسًا عن حياة حُرموا منها.
لا أحد هنا بريء، لكن البعض محميّون.
من ينهب المال العام محصَّن،
من يدمّر الأسر باسم السلطة محمي،
من يكذب ويشهد زورًا باسم الوطن مُكرَّم،
أما من يطالب بحقه في الجسد والاختيار، فهو خطر على “القيم”.
هذه المفارقة هي جوهر الأزمة:
نظام أخلاقي لا يعاقب الأذى، بل يعاقب الحرية.
لا يحاسب الجريمة، بل يحاسب الاختلاف.
لا يخاف من الفساد، بل من الصراحة.
هذا النص ليس دعوة للفوضى، ولا ترويجًا للانحلال، ولا بطولة زائفة.
إنه تشريح لواقع يدفع الناس إلى العيش في القاع، ثم يلومهم على اتساخ أيديهم.
حين يُصادر الحق في الاختيار، لا تبقى الأخلاق.
يبقى فقط الخوف… والنفاق… والعيش في الظل.
وأمام هذا كله، لا أملك سوى أن أكون واضحًا.
واضحًا إلى أبعد الحدود.



#ايت_وكريم_احماد_بن_الحسين (هاشتاغ)       Ahmad_Ait_Ouakrim#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يشيخ الجسد وتضيق الروح
- أزمة ضمير كوكب بأكمله
- أبو الزفازف … آخر الرواة في ساحة سوق حمورابي البغدادي
- إشكالية الزمن القضائي في الممارسة المغربية: قراءة في مفارقات ...
- الاولويات المختلة
- مذكرة قانونية حول مشروعية النقاش بشأن إعلان حالة الاستثناء ف ...
- ترهات سياسية… وأوجاع عدلية
- حماية المال العام من الاخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف الموظفي ...
- إعتدار لصاحبة الجلالة
- فضيحة من العيار الثقيل بالمحكمة الابتدائية بالصويرة المغربية
- خرافة القضاء الاكتروني في المغرب
- القضاء على القضاء في زمن الاعلامية
- مجرد رسالة
- رسالة إلى التاريخ المحترم
- الحياة الحلوة التي دنستها بعض الكائنات الحية
- اليوم ينعي المغاربة الرفيق احمد بنجلون
- vرضينا بالهم والهم ما رضا بنا
- كم صافع صفعة
- حين تغتصب الورود في وضح النهار
- خانها ذراعها قالت سحروني


المزيد.....




- القضاء التونسي يرفض الإفراج عن الناشطة المناهضة للعنصرية سعد ...
- في سوريا الجديدة.. سجون الأسد تكتظ من جديد بمعتقلين وتعذيب و ...
- مئات المغاربة يتظاهرون رفضا للتطبيع مع إسرائيل وتضامنا مع فل ...
- فصائل فلسطينية تندد بقرار السلطة قطع رواتب عائلات الشهداء وا ...
- فصائل فلسطينية تدين قرار السلطة قطع رواتب الشهداء والأسرى
- حياة معلقة للاجئين أفغان على الحدود الإيرانية في انتظار العب ...
- الداخلية: اعتقال 4 مطلوبين دوليين وضبط 200 ألف حبة كبتاجون ب ...
- نطاق المجاعة ينحسر في غزة لكن شبح الجوع يهدد مستقبل القطاع
- ترامب يطارد المهاجرين بتمويل ضخم ومداهمات مثيرة للجدل
- 10 إصابات في الضفة والقدس.. والاحتلال يدشن -سياسة الإعدام ال ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ايت وكريم احماد بن الحسين - حين يُجرَّم العيش ويُكافأ النفاق