أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - لا تطلب من الذكاء الاصطناعي ما لاتستحق














المزيد.....

لا تطلب من الذكاء الاصطناعي ما لاتستحق


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 23:32
المحور: الادب والفن
    


اقتبس الروائي النمساوي كليمنس ج. سيتز في مقال رائع حكاية السمكة الذهبية من الأساطير الألمانية من أجل أن يصل الى حكمة لايبدو أن جيل ما بعد الرقمية سيعتد بها! وهي ألا نطلب من الذكاء الاصطناعي ما لانستحق، لأننا سنصل إلى نفس الحال الذي أوصلت فيه زوجة الصياد العالم، بعد أن اصطاد سمكة ذهبية تحقق له كل ما يطلب!
الرغبة الفاحشة جعلت زوجة الصياد تطلب من السمكة الذهبية كل ما يخطر ببالها، فبعد الأموال والحلي، طلبت أن تصبح بابا الفاتيكان! ولكنها لم تكتف بذلك عندما طلبت أن تكون آلهة! عندها اختل كل شيء وحل الدمار على الأرض!
وهكذا إذا أردت أن تفهم كيف سيعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الإنسانية، عليك أن تبدأ من تلك الحكاية الخرافية، فما نظنه مجرد أدوات رقمية ليس إلا قوة أسطورية جديدة، تستعير مكان الخيال الجماعي لتعيد تشكيله.
يذهب سيتز أبعد من ذلك، عندما يحذر الإنسان من أن يطلب من الذكاء الاصطناعي أن يحقق كل رغباته. فإذا كان بإمكان أي شخص أن يصبح بابا بسهولة، فإن جاذبية هذا المنصب تتلاشى. لأن الأمور لا تصبح مثيرة للاهتمام ومرغوبة إلا عندما تتطلب قدرًا معينًا من المقاومة، أو عقبة، للتغلب عليها. أما جيل ما بعد الرقمية، فلا يعرف هذا النوع من المقاومة الجذابة إلا من خلال التعلم بالحَثّ من خلال التمني الدقيق باستمرار.
هذه الفقرة تفتح الباب لفهم أكثر عمقًا: الإنسان لا ينجذب إلى ما يُعطى له مجانًا، بل إلى ما يضطره إلى الصراع والتجربة والمكابدة. الرغبة تستمد معناها من العقبة التي تواجهها. الذكاء الاصطناعي حين يحوّل الرغبة إلى خدمة فورية، ينزع عنها معناها ويجعلها مجرد استهلاك.
حتى المواقع الرمزية والروحية هنا ستفقد هيبتها لو تحولت بفعل الذكاء الاصطناعي إلى أمنية قابلة للتحقيق عند الطلب؟ كما فعلت السمكة الذهبية لزوجة الصياد وجعلت منها بابا بصولجانه الذهبي.
المفارقة أن الذكاء الاصطناعي، وهو يُشبع كل رغبة، يقودنا إلى فراغ أكبر. يتركنا أمام عالم بلا مقاومة، بلا عقبة تمنح للحلم قيمته. نحن أبناء الخرافة التي كانت تعلّمنا أن الطريق إلى الكنز يمر بالمتاهة والمخاطر، لا بمجرد تفعيل خوارزمية. والآن، حين تختفي العقبات، يختفي معها المعنى.
أليست هذه الخرافة الجديدة التي نصنعها اليوم؟ ذكاء اصطناعي يعدنا بكل شيء، لكنه يسلبنا جوهر الرغبة نفسها.
المقال الذي كتبه كليمنس ج. سيتز يذهب إلى ما هو أبعد من السجال التقني حول الذكاء الاصطناعي. هو يستخدم الحكاية الخرافية الألمانية كمرآة لفهم التحولات المقبلة في علاقة الإنسان بالتقنية. الفكرة الأساسية عنده أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة، بل عامل يعيد تشكيل الوعي الإنساني، ويغير الطريقة التي ندرك بها أنفسنا والآخرين.
لذلك لايجب الحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه تهديدًا مباشرًا أو خلاصًا موعودًا، بل كقوة سردية جديدة، شيء يتسلل إلى الذاكرة الجماعية كما فعلت الأساطير قديمًا. فالمستقبل ليس في قدرة الآلة على التفكير مثل الإنسان، بل في قدرتها على تغيير لغة الحكي ذاتها، أي الطريقة التي نحكي بها عن أنفسنا وعن العالم. مثلما انتقد نعوم تشومسكي مع نخبة من الباحثين في مقال “الوعد الزائف” فكرة أن الذكاء الاصطناعي يفهم اللغة كما يفهمها البشر.
لذلك يبدو الربط بين الخرافة وبين الذكاء الاصطناعي ليس عبثيا. الخرافة كانت دائمًا محاولة بشرية لفهم ما يتجاوز حدود العقل في زمنها، واليوم يقوم الذكاء الاصطناعي بالدور نفسه: يفتح أمامنا فضاءً جديدًا، لكنه يثير أيضًا قلقًا وجوديًا. وكأننا نعيش لحظة إعادة أسطرة للعالم، ولكن بأدوات رقمية.
وهكذا فأن الذكاء الاصطناعي لن يغيّر حياتنا اليومية فقط، بل سيعيد تشكيل مخيالنا الجمعي، أي عمق الوعي الإنساني ذاته. وهذه قراءة مستقبلية خطيرة، لأن من يسيطر على الخيال يسيطر على المعنى.
من يجرؤ اليوم على إعادة فتح أبواب ألف ليلة وليلة ليفهم ما يفعله الذكاء الاصطناعي بوعينا؟ الحكايات التي كانت تبني خيال العرب، تمامًا كما بنت الحكايات الجرمانية خيال الغرب، ليست بعيدة عن هذه اللحظة. فالخرافة لم تكن يومًا للهروب، بل كانت محاولة للقبض على ما يتجاوز العقل.
الخرافة في ألف ليلة وليلة لم تكن تَعِد البطل بالنجاة مجانًا. شهريار لم يكن ليستمع إلى شهرزاد لو لم تكن حكاياتها تقاوم الموت كل ليلة. السندباد لم يكن ليغدو رمزًا للسفر والمغامرة لو لم يتعثر بالوحوش والبحار والأهوال. جوهر الحكاية لم يكن في الوصول إلى الكنز، بل في المشقة التي جعلت الكنز ذا قيمة.
وحين يحقق الذكاء الاصطناعي كل الرغبات دون مقاومة، فإنه يمحو جاذبية الرغبة نفسها. المنصب، الرمز، الحلم، كلها تفقد معناها حين تتحول إلى نتيجة فورية بلا مشقة، فإننا نكون قد دخلنا عصرًا بلا ندرة، عصرًا بلا جاذبية.
المفارقة أن الوفرة المطلقة ليست خلاصًا، بل نوع من العدم. مثلما أن الكنز إذا وضع على قارعة الطريق لم يعد كنزًا، كذلك السلطة أو المكانة حين تصبح متاحة بلا مقاومة تتحول إلى فراغ.
الذكاء الاصطناعي، وهو يَعِدنا بكل شيء، يختصر الحكاية ويختزل الطريق. لكنه بذلك يقطع الخيط السحري الذي ربط الخرافة بوعينا لقرون. إنه يقدم لنا النهاية بلا بداية، النتيجة بلا صراع، وهذا بالضبط ما يجعلنا نقف أمام مستقبل مفرغ من المعنى.
ربما هذه هي الخرافة الجديدة التي لم نحسن بعدُ روايتها: أن الآلة تعِدنا بسلطان بلا جهد، وبقداسة بلا تضحية، وبأحلام بلا معاناة. لكنها تنسينا أن ما منح لهذه الأشياء معناها عبر التاريخ كان دائمًا المقاومة، والعقبة، والندرة. فهل نملك بعدُ القدرة على الحلم، حين تُصبح كل الأحلام قابلة للتنفيذ؟



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تُفتي الآلة ويصمت الفقيه
- صندوق أكاذيب البصرة
- مكابرة دنزل واشنطن على السنين والثراء
- من يملك الإعلام العراقي؟ الجواب سهل!
- الملهم غوارديولا.. أخلاقي عندما يتعلق الأمر بفلسطين
- إحسان الإمام يعيد نبض القلوب
- عفيفة إسكندر وشهد الراوي
- المعادل الطائفي في العراق
- الحقيقة المؤجلة عند الشريان وقطيش
- زمن النسيان العام
- باب انتخابي دوّار لا يفضي إلى وطن
- المستقبلية في ألحان كاظم الساهر
- بغداد تتفوق على برافدا في الخيال السياسي
- تونس مختبر الذاكرة
- أينتصر القلم على محفظة النقود؟
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين


المزيد.....




- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل
- موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع ...
- فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل ...
- أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا ...
- العرض المسرحي “قبل الشمس”
- اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. احتفال باللغة وال ...
- المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية ...
- يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية.. إطلاق معجم الدوحة التاريخي
- رحيل الممثل الأميركي جيمس رانسون منتحرا عن 46 عاما


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - لا تطلب من الذكاء الاصطناعي ما لاتستحق