أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - حين تُفتي الآلة ويصمت الفقيه














المزيد.....

حين تُفتي الآلة ويصمت الفقيه


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 22:36
المحور: الادب والفن
    


أدارت الكاتبة في صحيفة فايننشيال تايمز رانا فوروهار، مؤلفة كتاب “لا تكن شريرًا: كيف خانت شركات التكنولوجيا الكبرى مبادئها التأسيسية وجميعنا” حوارًا جماعيًا تناقش فيه كيف يتفاعل المسيحيون، خصوصًا الكاثوليك، مع صعود الذكاء الاصطناعي. لكن الحوار لا يناقش التقنية بحد ذاتها، بل رد فعل المؤمنين عليها. وهذا بحد ذاته انحياز: الآلة لا تُسائل، بل يُسائل من يخاف منها.
الكاثوليك، كما تقول الكاتبة، يشكّلون الكتلة التصويتية الأكبر في الولايات المتحدة. البابا فرنسيس دعا إلى “تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان”. ويُقال إن البابا الجديد، ليو الرابع عشر، يجهّز أول رسالة بابوية حول الذكاء الاصطناعي. مراكز بحثية دينية تناقش تأثير التقنية على الأسرة، العمل، والإيمان. هناك دعوات لتقنين استخدام الذكاء الاصطناعي مع الأطفال، وحتى فرض قيود على “الرفقاء الآليين”.
لكن السؤال الأهم غائب: هل الإيمان نفسه يتغير حين تتكلم الآلة؟
نجد شيئًا من الإجابة والتحذير فيما يقوله الدكتور سيميون شو مدير مركز اللاهوت في كامبريدج: “على اللاهوتيين أن يواجهوا التداعيات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي على الممارسة الدينية، لأن الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف الوكالة الأخلاقية نفسها.” لكن المسؤولية في الفكر الديني ليست مجرد اتخاذ قرار، بل إدراك تبعاته. الآلة لا تشعر بالذنب، ولا تتوب، ولا تخاف من الحساب. فهل يمكن أن تُعامل كفاعل أخلاقي؟ هنا يبدأ التصدع بين التقنية والإيمان.
فيما يكتب ماريوس دوروبانتو أستاذ المعتقدات الدينية والأخلاق: “الأسئلة اللاهوتية التي تثيرها الآلات الذكية ليست تقنية، بل وجودية: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشارك في الخلق؟ وهل له مكان في قصة الخلاص؟” الإبداع في اللاهوت المسيحي فعل إلهي، والخلق ليس مجرد إنتاج. حين تكتب الآلة قصيدة، أو ترسم لوحة، أو تؤلف موسيقى، فهي لا تخلق، بل تحاكي. لكن هل تكفي المحاكاة لزعزعة فكرة الإنسان كخليفة؟ ربما لا، لكن القلق مشروع.
ويحذر مارك غريفز الذي تركز أبحاثه على التقاطع بين الذكاء الاصطناعي والأخلاق والروحانية، من أن التحدي الإبداعي الذي يفرضه الذكاء الاصطناعي يطرح تحديًا لاهوتيًا: هل الإبداع حكر على الإنسان؟
في الفكر الديني، الإبداع مرتبط بالنية، والنية فعل روحي. الآلة لا تنوي، لكنها تنتج. فهل هذا يكفي لتقويض فكرة “النية” في الإيمان؟ ربما لا، لكن السؤال لم يعد نظريًا.
نعلم أيضًا أن منح الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا الكبرى هذه السلطة علينا هو بمثابة جعلهم أشبه بالآلهة؛ ومن الواضح تمامًا أن هؤلاء الآلهة لا يمثلون مستقبلنا نحن. لذا، يجد الكثيرون أنفسهم فجأة في حيرة من انفتاحهم على مجموعة من الآلهة الأقدم الذين ظنوا أنهم تجاوزوهم تمامًا. الآن، وبعد كل هذا الوقت، يبدو أن هذه المعتقدات القديمة تُتيح إمكانية وجود شيء أكثر تفاؤلًا، ولكنه في الوقت نفسه إلهي لا يُقهر.
لا أتوصل إلى هذه الأسئلة باستخفاف، ولا أقصد التغاضي عن المخاطر الكامنة في مثل هذه التطورات. ولكن عند مقارنتها بالبديل (أي الذكاء الاصطناعي غير المحكوم سياسيًا وغير المقيد روحيًا)، فإن جماهير غفيرة من الناس، متجاوزة الانقسامات الراسخة، ستدرك أن الدين الموجه للجمهور والسياسات النشطة التي تحميه من الذكاء الاصطناعي هما الخياران الأقل خطورة، بل والأكثر توحيدًا.
والسؤال العربي والاسلامي المؤجل: هل تناقش المراكز الإسلامية الكبرى، الأزهر، المجامع الفقهية، أو المؤسسات الدعوية، علاقة المسلم المؤمن بهذه التقنية؟ لا تزال الفتاوى تدور حول استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم أو الدعوة، لكنها لا تلامس جوهر السؤال: هل يمكن للآلة أن تُفتي؟
في التراث الإسلامي، العقل ليس مجرد أداة، بل شرط للتكليف. والنية ليست تفصيلًا، بل جوهر العمل. والاجتهاد فعل بشري، لا خوارزمي. فهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُجتهد؟ أن يُفتي؟ أن يُعلّم؟ هل يمكن أن يُستخدم في كتابة خطبة الجمعة؟ هل يجوز أن يُستشار في مسائل عقائدية؟ وهل يربك العلاقة بين الإنسان وربه حين يتحدث بلسان الآلة؟
هذه الأسئلة لا تُطرح كثيرًا، لا لأن المسلمين لا يفكرون، بل لأن المؤسسات الدينية لم تدخل بعد في حوار جاد مع التقنية. الذكاء الاصطناعي يُستخدم في التعليم، في الدعوة، في الترجمة، وفي إدارة المحتوى الديني. لكن هل يُناقش؟ هل يُسائل؟ هل يُفهم؟
ولا يمكن أن نتوقع إجابة مباشرة من المرجع الديني آية الله علي السيستاني مثلا، الذي يعيش في عزلة اختيارية، بعيدًا عن وسائل الإعلام والتقنية الحديثة. لكن ملايين المسلمين الشيعة ينصاعون لفتاواه، ويعتبرونها مرجعية نهائية في شؤون الدين والدنيا. وهذا يطرح سؤالًا أوسع: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعامل مع هذا النوع من السلطة الروحية؟ هل يمكنه أن يُحاكيها؟ أن يُنافسها؟ أن يُعيد تشكيلها؟
السيستاني ليس وحده. يمكن أن ندرج قائمة طويلة من رجال الدين من مختلف الطوائف الإسلامية، ممن يشكلون مرجعيات حية، لكنها صامتة أمام التقنية.
مع ذلك يبقى السؤال قائما: من يُفكر نيابة عن الإيمان؟
الذكاء الاصطناعي لا يهدد الإيمان لأنه آلة، بل لأنه يُفكر نيابة عن الإنسان. وحين يُفكر الذكاء الاصطناعي نيابة عن المؤمن، تبدأ الأسئلة التي لا تُطرح: هل ما زال الإيمان فعلًا حرًا؟ هل ما زال الاجتهاد بشريًا؟ هل ما زالت العلاقة بين الإنسان وربه تمر عبر العقل، أم عبر الخوارزميات؟
في الغرب، بدأ اللاهوت يتحرك. في الشرق، لا يزال الصمت سيد الموقف. لكن الصمت لا يحمي الإيمان، بل يتركه مكشوفًا أمام آلة لا تؤمن، ولا تكفر، لكنها تُقنع.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صندوق أكاذيب البصرة
- مكابرة دنزل واشنطن على السنين والثراء
- من يملك الإعلام العراقي؟ الجواب سهل!
- الملهم غوارديولا.. أخلاقي عندما يتعلق الأمر بفلسطين
- إحسان الإمام يعيد نبض القلوب
- عفيفة إسكندر وشهد الراوي
- المعادل الطائفي في العراق
- الحقيقة المؤجلة عند الشريان وقطيش
- زمن النسيان العام
- باب انتخابي دوّار لا يفضي إلى وطن
- المستقبلية في ألحان كاظم الساهر
- بغداد تتفوق على برافدا في الخيال السياسي
- تونس مختبر الذاكرة
- أينتصر القلم على محفظة النقود؟
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم


المزيد.....




- قصة قصيرة: ما بعد الحادية عشرة ليلا
- لم يتراجع شغفه بالكوميديا والأداء.. الممثل ديك فان دايك أتمّ ...
- سوريا تنعى وزير ثقافتها الأسبق رياض نعسان آغا
- -إعلان باكو- يعزز الصناعات الإبداعية في العالم الإسلامي
- -بين الطين والماء-.. معرض تركي بالقدس عن القرى الفلسطينية ال ...
- هل حُلت أزمة صلاح وليفربول بعد فيديو الفنان أحمد السقا؟
- من الديناصورات للتماسيح: حُماة العظام في النيجر يحافظون على ...
- انطلاق الدورة الـ36 من أيام قرطاج السينمائية بفيلم فلسطيني
- أيام قرطاج السينمائية تنطلق بعرض فيلم -فلسطين 36-
- بعد تجربة تمثيلية فاشلة بإسرائيل.. رونالدو يتأهب للمشاركة في ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - حين تُفتي الآلة ويصمت الفقيه