أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - صندوق أكاذيب البصرة














المزيد.....

صندوق أكاذيب البصرة


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 18:14
المحور: الادب والفن
    


منذ عام 2003 يتضخم صندوق الأكاذيب في العراق المزيف بذريعة الحرية والديمقراطية. كلما كبر، طُلي بأصباغ واهنة تنقشع أمام دمعة طفل منهك أو عرق كادح مهدور الكرامة تحت حكم الأوليغارشية ولصوص الدولة في ما يسمى “العراق الديمقراطي”.
وعندما يتعلق الأمر بالبصرة، مدينة المدن، لا يصمد هذا الصندوق أمام كل ركلة من أبنائها الذين يتحملون جورًا لم تعرفه في تاريخها الحديث. كل شارع، كل سوق، كل حي ينطق بالمرارة والحقائق المغيبة.
مع بطولة كأس الخليج العربي عام 2022، انكشف الصندوق أمام العالم. فقد قدمت وسائل الإعلام صورة تلفزيونية ملونة لمدينة وهمية، بينما بقيت الأحياء العشوائية الغاطسة في وحل المجاري وبيوت الصفيح والطين محجوبة بجدار من أموال الفقراء، في مدينة ترقد على أضخم ثروة نفطية في العراق. دع عنك صراع الميليشيات المستعر على تجارة تهريب النفط والمخدرات، حيث المسافة لا تمتد كثيرًا صوب إيران.
كلما حاول الكذابون الكبار ترقيع هذا الصندوق، ظل يتدحرج تحت أقدام العراقيين في المدينة التي كانت يومًا “فينيسيا الشرق”. لا تكفي الألوان الباهتة ولا اللوحات الإعلانية الرخيصة لتغطية الحقيقة؛ فالبصرة تقاوم، والحقائق فيها تتفجر مهما حاولوا كتم صوتها.
آخر الأكاذيب أن البصرة مدينة لا تسمح بإقامة حفلات غنائية بذريعة رجال الطوائف، كما حدث مع منع العقل القبوري حفلة المطرب محمد عبدالجبار. ضحك يشبه البكاء، في مدينة ولدت لتكون ترنيمة غنائية. البصرة التي عشت فيها سنوات قليلة خلال دراستي الجامعية كانت أشبه بأنشودة، حيث كان عوض دوخي يأتي من الكويت ليغني من شغاف القلب، فيما كان عبدالكريم عبدالقادر يذوب ولهًا كلما هبت عليه رياح البصرة. فؤاد سالم غادرها إلى الكويت، لكنه لم يغنِ إلا بروح بصرية هائمة بجمل موسيقية من ذياب خليل وطارق الشبلي، وبقصائد طاهر سلمان وداود الغنام. رياض أحمد لم يكن يغني إلا عندما تكون بوصلة قلبه نحو البصرة، هل يمكن أن ننسى قصيدة عباس جيجان "لا عل البال ولا عل الخاطر" وكيف صنع منها ذياب خليل جوهرة في الغناء العراقي البصري وغناها رياض وكأنه لم يغن من قبل؟ وسيتا هوكبيان غنت في مدن العراق كلها، لكنها بقيت قطعة من حلاوة بصرية، بينما كانت الأرواح تهيم مع صوت أمل خضير فلا يخطر بالبال غير البصرة.
هل انتهت قصة الغناء في البصرة لأن حثالات الطوائف يريدون منعها من الغناء؟ البصرة ولدت لتكون مدينة الإيقاعات والأغاني، وأناشيد لا يستكين البحر من دونها. هل يمكن أن تنسى أنشودة “ما قصرتوا” التي كتبها جبار النجدي ولحنها ذياب خليل؟
شط العرب يؤرخ لسيرته بالغناء وحده، فكيف تُقطع أوتار صوت المدينة التي بقيت تغني منذ أن بناها عتبة بن غزوان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب؟ وكيف تُلقم حنجرتها بالغبار كما يريد العقل القبوري وأذرع إيران في العراق؟
ليست البصرة وحدها. العراق الحقيقي أسطورة غناء منذ أن رثى السومري ابنته القتيلة وظل يغني في وداعها. هل يدرك العقل القبوري أن العراق بلا غناء يفقد مواصفاته الأزلية؟ وأن البصرة لا معنى لها بلا الأغاني الهائمة من أبو الخصيب والعشار، من شارع بشار بن برد حتى الزبير والكويت؟
العراق المزيف، الذي يراد قتل الغناء فيه وإبقاء العويل مع المراثي الطائفية، كان فيه نوري السعيد يشارك أستاذ المقام هاشم الرجب في أداء المقام في لقاءات بمنزله. ويعود له الفضل في المحافظة على المقام العراقي بعد هجرة الفنان العراقي صالح الكويتي إلى إسرائيل، بينما يُسحق اليوم المقام عمدًا وبشكل بغيض، ويُحوَّل إلى ركام نسيان.
المدينة التي كانت تهتز مع كل نغمة، وتنبض بالقصيدة والمقام، أصبحت رهينة قرارات الطوائف وفساد السلطة، لكنها لم تفقد روحها. فالشارع البصري، حتى في أحلك لحظات الحصار، كان يردد الأغاني بين الحقول المهجورة والأرصفة الطينية، كأن البحر لا يمكن أن يصمت، كأن صوت شط العرب أقوى من كل الصناديق المليئة بالكذب.
البصرة ليست مجرد ميناء أو مدينة نفطية، بل ذاكرة عراقية حية، مختزلة في الأصوات والأغاني والوجد. من أبو الخصيب إلى الزبير، ومن الأسواق القديمة إلى أحياء العشوائيات، يتردد صدى الغناء كحقيقة لا تموت، كصرخة في وجه كل من أراد تزويرها.
فأي بصرة هذه من دون غناء؟ وأي عراق هذا الذي يُحاول طمسه بصناديق الأكاذيب الواهنة، ويمنع أبناءه من الغناء بينما تُغتال ذاكرتهم الموسيقية أمام أعين العالم؟ قد يكبر الصندوق، وقد يُطلى بأصباغ شاحبة، لكنه ينهار أمام كل نغمة، أمام كل قلب بصري ينبض بالحقيقة. قبل أن يهزم الغناء، ستنتصر البصرة، وستظل تغني رغم كل الأكاذيب.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابرة دنزل واشنطن على السنين والثراء
- من يملك الإعلام العراقي؟ الجواب سهل!
- الملهم غوارديولا.. أخلاقي عندما يتعلق الأمر بفلسطين
- إحسان الإمام يعيد نبض القلوب
- عفيفة إسكندر وشهد الراوي
- المعادل الطائفي في العراق
- الحقيقة المؤجلة عند الشريان وقطيش
- زمن النسيان العام
- باب انتخابي دوّار لا يفضي إلى وطن
- المستقبلية في ألحان كاظم الساهر
- بغداد تتفوق على برافدا في الخيال السياسي
- تونس مختبر الذاكرة
- أينتصر القلم على محفظة النقود؟
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري


المزيد.....




- زينة زجاجية بلغارية من إبداع فنانين من ذوي الاحتياجات الخاصة ...
- إطلاق مؤشر الإيسيسكو للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي
- مهرجان كرامة السينمائي يعيد قضية الطفلة هند رجب إلى الواجهة ...
- هند رجب.. من صوت طفلة إلى رسالة سينمائية في مهرجان كرامة
- الإعلان عن الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ...
- تتويج الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...
- فنانون سوريون يحيون ذكرى التحرير الأولى برسائل مؤثرة على موا ...
- -تاريخ العطش- لزهير أبو شايب.. عزلة الكائن والظمأ الكوني
- 66 فنا وحرفة تتنافس على قوائم التراث الثقافي باليونسكو


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - صندوق أكاذيب البصرة