محمد الزيري
صحفي مهني وكاتب و باحث حاصل على شهادة الدكتوراه
(Ezziri Mohammed)
الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 16:18
المحور:
الصحافة والاعلام
ليست الصحافة المغربية اليوم في أزمة نقص أخبار، ولا في فقر مواضيع، ولا حتى في غياب أقلام قادرة على الكتابة والتحليل. أزمتها الحقيقية أعمق من ذلك: أزمة معنى، وأزمة أخلاق مهنية، وأزمة وعي بالفرق بين الصحافة كرسالة، و«التفاهة» كمنتوج سريع الاستهلاك.
ما نشهده يوميا من تراشق بالألقاب، وتبادل للتخوين، وتصفية حسابات شخصية على حساب المهنة، لا يمت بصلة إلى تقاليد الصحافة ولا إلى قيمها المؤسسة. فالصحافي ليس قاضيا يوزع صكوك البراءة أو الإدانة، ولا واعظا يحتكر الحقيقة، ولا مؤثرا يبحث عن نسب المشاهدة ولو على أنقاض المصداقية. لقد اختلط الحابل بالنابل. صار كل من يمتلك هاتفا ذكيا ومنصة رقمية «صحافيا»، وكل من يرفع صوته أكثر يصنف جريئا، وكل من يسيء أكثر يكافأ بالانتشار. في هذا المناخ، تراجعت الصحافة الجادة، وغابت الحدود الفاصلة بين الخبر والتحريض، بين النقد والتشهير، وبين حرية التعبير واغتيال السمعة.
التفاهة ليست في بساطة اللغة ولا في قرب الصحافي من الناس، بل في الفراغ المعرفي، وفي استسهال الإثارة، وفي تحويل القضايا المعقدة إلى «فرجة» رخيصة. أما الصحافة، فهي فعل مسؤول، يقوم على التحقق، والتوازن، واحترام كرامة الأشخاص، والوعي بأن الكلمة قد تبني وقد تدمر.
المؤلم أن معارك اليوم لا تُخاض دفاعاً عن حرية الصحافة، ولا عن حق المواطن في المعلومة، بل حول من هو «الأكثر شرعية»، ومن يملك «الصفة»، ومن يستحق «اللقب». وكأن الأزمة في الأسماء، لا في المحتوى. في حين أن التاريخ لا يتذكر الألقاب، بل يتذكر المواقف.
إن واقع الصحافة بالمغرب يعكس أيضا اختلالات بنيوية: هشاشة اقتصادية للمقاولات، غياب حماية اجتماعية حقيقية للصحافيين، تراجع التكوين المستمر، وتداخل السياسي بالمهني. لكن أخطر ما فيه هو قبول بعض أبناء المهنة بالانزلاق نحو الرداءة، ثم تبريرها باسم «الواقع الرقمي» أو «ذوق الجمهور». الصحافة ليست ضد الترفيه، لكنها ضد الابتذال. ليست ضد الاختلاف، لكنها ضد التسفيه. وليست ضد النقد، لكنها ضد تحويله إلى أداة تصفية وتشهير. الفرق بين الصحافة والتفاهة هو فرق في النية، في المنهج، وفي احترام العقل الجماعي.
يا معشر الصحافيين، كفاكم تنابزاً بالألقاب فالمهنة لا تحتاج إلى أبطال ورقيين، بل إلى ضمير حي. لا تحتاج إلى صراخ، بل إلى مصداقية. ولا تحتاج إلى مزيد من الانقسام، بل إلى حد أدنى من الاتفاق على أن الصحافة، إن لم تكن في خدمة الحقيقة والمجتمع، تصبح مجرد ضجيج… والضجيج لا لا يصنع تاريخا.
#محمد_الزيري (هاشتاغ)
Ezziri_Mohammed#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟