محمد الزيري
الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 22:49
المحور:
الصحافة والاعلام
تعيش الصحافة المغربية واحدة من أكثر مراحلها ارتباكاً، ليس بسبب قمع خارجي أو تهديدات مباشرة، بل لأن جزءا من الضربة يأتي هذه المرة من داخل الجسم المهني نفسه.
وجوه كانت تقدم لسنوات باعتبارها "حماة المهنة" أصبحت اليوم عنوانا للأزمة، بعدما تحول النقاش حول مستقبل الصحافة إلى ساحة مساومات وتبادل اتهامات، تنكشف فيها حقائق كان الكثيرون يتجنبون الحديث عنها.
ففي الوقت الذي ينتظر فيه الصحافيون مؤسسة قوية تمثلهم، تتفرغ بعض القيادات السابقة في المجلس الوطني للصحافة والنقابة إلى تبادل رسائل مبطنة، وتهديدات قانونية، واتهامات متبادلة تتعلق بالتفريط في صلاحيات المهنة والرضوخ لإملاءات ما خلف الستار.
المثير أن الصراع لا يتعلق بالدفاع عن حرية الصحافة أو صون شروط عمل الصحافيين، بل يتمحور، بكل بساطة، حول من سيجلس على الكرسي الأخير في مؤسسة فقدت جزءا كبيرا من شرعيتها منذ نهاية ولايتها، وتحولت تدريجيا إلى مؤسسة تدار بالتمديدات والتعيينات بدل الانتخاب الحر.
للاسف الشديد قيادات قبلت أن تتحول مؤسسة منتخبة إلى هيئة معينة، دون أن تعترض أو تطالب باحترام الدستور. و أطراف شاركت في تعطيل إعادة انتخاب المجلس، وفضلت البقاء في "الوضع الانتقالي" لأنه يحمي مكاسب شخصية. أصوات كانت تتحدث في السابق عن استقلالية القرار المهني، وأصبحت اليوم أقرب إلى لعب أدوار وظيفية تخدم مشاريع لا علاقة لها بالدفاع عن الصحافيين.
ما يظهر اليوم من مناوشات ليس نقاشا حول المبادئ، ولا اختلافا في الرؤى إنه ببساطة سباق على مواقع رمزية في قطاع يغرق، ومحاولة للتموقع قبل ولادة "مجلس جديد" قد لا يحمل من الاستقلالية سوى الاسم.
حين ينهار البيت الصحفي، ندرك أن الخراب لم يبدأ بالخارجين عنه… بل بالساكنين فيه.فبدل التفكير في بناء مؤسسة مهنية قوية، تحولت الطموحات إلى صراع من أجل النفوذ والتحكم في البطاقات المهنية وتحديد "من هو الصحافي ومن ليس كذلك"، بينما تتراجع شروط العمل داخل أغلب غرف التحرير، ويتقلص عدد العاملين في المهنة، وتستمر المؤسسات الإعلامية في الإغلاق أو الإفلاس.
انكسار الصحافة لم تصنعه الضربات القادمة من الخارج، بل تلك الطعنات التي جاءت من داخل جدرانها والمؤلم أن المشهد يبدو وكأن المهنة تزف إلى نهايتها بضحكات مصطنعة وصور رسمية، بينما يواصل الجيل الجديد من الصحافيين العمل وسط انعدام للأمان المهني والاجتماعي، وغياب للتمثيلية الحقيقية، وتدهور في قيمة الصحافة كسلطة رابعة.
المصيبة ليست في التسريبات ولا في تبادل التهديدات… بل في أن من ساهموا في إضعاف المهنة لا يزالون يتصدرون مشهدها، ويقدمون أنفسهم كمدافعين عنها.
فحين تتحول المؤسسات المهنية إلى ساحات للصراع بدل أن تكون حصنا للصحافيين، يصبح الدفاع عن حرية الإعلام واجبا أخلاقياً وتاريخيا.
وإذا كان البيت الصحفي ينهار اليوم، فليست العواصف من هدمه… بل الشقوق التي حفرها أهل الدار بأيديهم.
#محمد_الزيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟