أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد الزيري - المشاورات الترابية بالمغرب… طقوس تشاركية أم فرصة ضائعة؟














المزيد.....

المشاورات الترابية بالمغرب… طقوس تشاركية أم فرصة ضائعة؟


محمد الزيري

الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 15:34
المحور: المجتمع المدني
    


تعيش مختلف جهات المغرب منذ سنوات على إيقاع لقاءات تشاورية ومشاورات ترابية تهدف، نظرياً، إلى بلورة جيل جديد من البرامج التنموية المندمجة. ورغم الزخم الإعلامي المواكب لهذه اللقاءات، وحضور المنتخبين والمسؤولين والمجتمع المدني، فإن السؤال الجوهري يظل معلقاً: هل تُترجم هذه اللقاءات إلى سياسات عمومية فعّالة، أم أنها تتحول في كثير من الأحيان إلى مجرد طقوس بروتوكولية تُعيد إنتاج نفس الأعطاب القديمة؟
الإشكال الأساسي يكمن في غياب تقييم حقيقي لنتائج التشاور. فالمغرب نظم خلال العقدين الأخيرين عشرات المشاورات الوطنية والجهوية، من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى إعداد النموذج التنموي الجديد، مروراً ببرامج التهيئة الترابية والمخططات الجهوية. ومع ذلك، تتكرر نفس الخطابات، ونفس اللائحة الطويلة من الحاجيات: البنيات التحتية، التشغيل، العدالة المجالية، تجويد الخدمات الاجتماعية… وكأن الزمن متوقف، وكأن أدوات التشخيص لم تتغير رغم تراكم التجارب والخبرات.
ما يزيد من حدة هذا القصور هو غياب ربط حقيقي بين نتائج هذه اللقاءات وبين القرار العمومي الفعلي. فالكثير من التوصيات تبقى حبيسة الورق، تُلتقط في صور للمشاركة الشعبية ويُحتفى بها في ختام اللقاء، ثم تُنسى عند ساعة التنفيذ. وهنا يظهر خلل جوهري: التشاور يُنظَّم، لكن المشاركة لا تُترجَم إلى أثر ملموس، ولا تُرصد آليات لمحاسبة الفاعلين حول مدى احترام خلاصات النقاشات المحلية.
ومن مظاهر النقص أيضاً أن المشاورات لا تُشرك دائماً الفئات الأكثر تأثيراً أو الأكثر تهميشاً. ففي كثير من الاجتماعات، يغيب الشباب، والنساء، والفاعلون الاقتصاديون الصغار، والطلبة، والعاملون في القطاعات غير المهيكلة. بينما تحضر الجمعيات ذات العلاقة بالإدارة أو المقربة من مراكز القرار، فتتم إعادة تدوير نفس الرؤى، بنفس اللغة، وبنفس المقاربات التقليدية التي لا تُحدث الفرق.
كما أن الإعداد لهذه اللقاءات يطرح سؤالاً آخر يتعلق بجودة المعطيات المتوفرة. فغياب أرقام دقيقة، وضعف الإحصائيات المحلية، يجعل النقاش يدور أحياناً حول الانطباعات أكثر مما يستند إلى التشخيص العلمي. وهذا يفرغ التشاور من روحه، لأن السياسات العمومية لا تُبنى بالنوايا، بل تُبنى بالمعطيات والقياس والبرمجة والتتبع.
من جهة أخرى، يلاحظ أن المشاورات تركز على الاستماع أكثر مما تركز على تقديم بدائل وبرامج واضحة. إذ تنتهي اللقاءات بمجموعة من “الانتظارات”، دون أن تتبلور آليات للتنفيذ أو جداول زمنية أو مؤشرات للقياس. وهذا يجعل العمل الترابي أقل فعالية، ويُبقي الفاعلين المحليين في دائرة النقاش المستمر خارج أفق الإنجاز.
المغرب في حاجة فعلية إلى إصلاح عميق لمسار التشاور العمومي، يبدأ من الاعتراف بأن المشاركة ليست هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة لإعداد سياسات أكثر نجاعة وعدلاً. لذلك، يجب الانتقال من “ثقافة اللقاء” إلى “ثقافة الأثر”، ومن مقاربة شكلية إلى أخرى مبنية على الالتزام والعمل والمحاسبة. فالتنمية لن تتحقق بمراكمة الاجتماعات، بل بتفعيل توصياتها، وتحويل النقاش العمومي إلى مشاريع تنموية ملموسة يشعر المواطن بتأثيرها في حياته اليومية.
وحتى يتحقق ذلك، لا بد من إشراك حقيقي للمجتمع، وضمان شفافية المساطر، واعتماد معطيات ميدانية دقيقة، وتطوير آليات التقييم المستمر. وحدها هذه الشروط ستمنح المشاورات الترابية بالمغرب مصداقيتها، وتجعلها أداة للتغيير لا مجرد واجهة لإعادة تدوير الخطاب التنموي المعتاد.



#محمد_الزيري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجلس الوطني للصحافة... عندما تتحول مؤسسة المهنة إلى رهينة ...
- جيل Z… ضحايا فراغ لا صُنّاع فوضى-
- حينما تحولت الأحزاب المغربية إلى مقاولات والجمعيات إلى دكاكي ...
- من لا يخطئ لا يعمل-: الخطأ المهني في الصحافة السمعية البصرية ...
- برامج التنمية الترابية بالمغرب: -في حضرة العدالة المجالية... ...
- الإعفاءات تتوالى والتعليم العالي بالمغرب يغلي: أي مستقبل للد ...
- العدالة المجالية بالمغرب: بين الخطط الضخمة وإخفاقات التطبيق ...
- مقالين في قانون المجلس الوطني للصحافة تحت المجهر مقالة قصيرة ...
- خلاصة القول: هل أصبح الصحافي ضيفا في مجلسه؟
- انتداب الناشرين في المجلس الوطني للصحافة: دفاع الوزير وحقيقة ...
- إعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة: خطوة نحو تعزيز الاستقلالي ...
- لا أحد سأل، لكن... لماذا يفرض على الصحافيين ما لا يفرض على غ ...
- لماذا العنف داخل الجامعات المغربية؟ على خلفية احداث جامعة ال ...
- واقع الحركة الطلابية بالجامعات المغربية ومهام الفصائل التاري ...
- دور و مصداقية الإعلام العربي
- هل كان المغاربة واعون بهويتهم ؟
- التحديات التي واجهت الهوية المغربية
- الهوية عند الحركة الوطنية المغربية
- المسار التاريخي للجمعية المغربية للحقوق الانسان
- مفاهيم حقوق الإنسان في جدلية الكوني والخصوصي


المزيد.....




- ألمانيا تحاكم 5 متهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا
- بالسّم ودون استئناف.. نقاش إسرائيلي يكشف تفاصيل مشروع قانون ...
- بالسم ودون استئناف.. نقاش إسرائيلي يكشف تفاصيل مشروع قانون إ ...
- قصف إسرائيلي وراء الخط الأصفر والأونروا تحذر من تفاقم الأوضا ...
- الأمم المتحدة تطالب بموارد إضافية للتكفل بمئات آلاف النازحين ...
- إطلاق حملة وطنية شعبية لمواجهة ووقف إقرار الاحتلال قانون إعد ...
- أبو هولي يحذر من تداعيات أزمة -الاونروا- المالية ويطالب الدو ...
- قصف إسرائيلي وراء الخط الأصفر والأونروا تحذر من تفاقم الأوضا ...
- الأمم المتحدة تطالب بموارد إضافية للتكفل بمئات آلاف النازحين ...
- مركز فلسطيني يوثق معاناة الأسرى بسجون الاحتلال: أطرافهم تجمد ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد الزيري - المشاورات الترابية بالمغرب… طقوس تشاركية أم فرصة ضائعة؟