غيفارا معو
باحث وناشط سياسي ,واعلامي
(Ghifara Maao)
الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 17:43
المحور:
الادب والفن
لم يعد المشهد الثقافي كما كان؛ ذلك الفضاء الذي كانت فيه الكتب تولد من رحم التجربة، وتُصاغ بعرق الروح، وتُقدَّم للقارئ بوصفها ثمرة جهدٍ ومعرفةٍ وصدق. اليوم، تتكاثر الإصدارات كما تتكاثر الإعلانات التجارية، وتغزو المكتبات دواوين وروايات ومجاميع قصصية لا تمتّ إلى الأدب بصلة، سوى أنها تحمل على غلافها اسمًا يبحث عن حضورٍ سريع، أو مجدٍ ورقيٍّ لا يستند إلى أي موهبة أو ثقافة.
إنها ظاهرة مؤلمة، بل مأساوية، حين يتحول الكتاب إلى منتج بلا روح، ويُسمح لأي شخص أن يقتحم عالم الكتابة من دون أن يمتلك أدواتها، أو يمرّ بتجربة صقلٍ وتكوين. الأسوأ من ذلك أن كثيرًا من هذه الإصدارات ليست سوى تجميعٍ عشوائي، أو اقتباسٍ غير مشروع، أو سرقاتٍ نصية تُسلب من هنا وهناك، ثم تُقدَّم للقارئ على أنها “إبداع”.
المطابع… من حراس الكلمة إلى تجار الورق
في قلب هذه الفوضى تقف بعض المطابع ودور النشر التجارية التي لم تعد ترى في الكتاب قيمة معرفية أو جمالية، بل فرصة ربح سريع. فكل ما يهمّها هو قبض المبلغ المطلوب، ثم إخراج كتابٍ كيفما اتفق، من دون مراجعة، ولا تدقيق، ولا مسؤولية ثقافية. وهكذا يتحول النشر من عملية انتقاء ورعاية إلى عملية بيع وشراء، تُهدر فيها الذائقة الأدبية، ويُهان فيها القارئ.
إن هذا الانحدار لا يسيء إلى الكاتب الحقيقي فحسب، بل يهدد الوعي العام، ويشوّه صورة الأدب، ويخلق جيلًا من “المؤلفين الورقيين” الذين لا يملكون من الكتابة إلا اسمها.
الأدب… بين التزوير والنجاة
ورغم هذا المشهد القاتم، يبقى الأدب الحقيقي قادرًا على النجاة. فالنص الصادق يفرض نفسه، والموهبة الأصيلة لا تُزاحمها الضوضاء طويلًا. لكن مسؤولية المواجهة لا تقع على النقاد وحدهم، بل على القارئ أيضًا، وعلى المؤسسات الثقافية التي يجب أن تستعيد دورها في حماية الذوق العام، وتشجيع الأصوات الجادة، وفضح الزيف الذي يهدد الوعي.
خاتمة
ما يحدث اليوم ليس مجرد فوضى نشر، بل أزمة قيم. أزمة احترام للكلمة، وللثقافة، وللجهد الإنساني الذي يجعل من الكتابة فعلًا أخلاقيًا قبل أن تكون مهارة فنية. إن مواجهة هذه الظاهرة تبدأ بالوعي، وبإعادة الاعتبار للكتابة بوصفها مسؤولية لا مغنمًا، ورسالة لا وسيلة شهرة.
#غيفارا_معو (هاشتاغ)
Ghifara_Maao#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟