أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - المقال الرابع : إسرائيل كوظيفة: لماذا ليست دولة مكتملة؟ تفكيك مفهوم “الدولة الوظيفية” في البنية الجيوسياسية الحديثة















المزيد.....

المقال الرابع : إسرائيل كوظيفة: لماذا ليست دولة مكتملة؟ تفكيك مفهوم “الدولة الوظيفية” في البنية الجيوسياسية الحديثة


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 20:52
المحور: قضايا ثقافية
    


1. المدخل الإشكالي: متى تكون الدولة غاية ومتى تكون أداة؟
في النظرية السياسية الكلاسيكية، تُفهم الدولة بوصفها:
• تعبيرًا عن جماعة بشرية،
• ذات سيادة على إقليم،
• تمارس سلطة شرعية،
• وتملك مشروعًا تاريخيًا ذاتيًا (Hobbes, 1651 Weber, 1919).
لكن التاريخ الحديث أفرز نمطًا مختلفًا من الكيانات، يمكن تسميته:
الدولة الوظيفية (-function-al State)
أي الدولة التي لا تُنشأ لتحقيق مشروع مجتمعها، بل لأداء وظيفة استراتيجية داخل مشروع قوة كبرى.
وهنا يطرح السؤال الجوهري:
هل إسرائيل دولة بالمعنى التاريخي–السيادي، أم قاعدة متقدمة لوظيفة كبرى داخل النظام الغربي؟

2. مفهوم الدولة الوظيفية في النظرية الجيوسياسية
رغم أن المصطلح لا يُستخدم دائمًا حرفيًا، فإن مضمونه حاضر بقوة في أدبيات:
• الجيوبوليتيك الكلاسيكي،
• مدرسة الواقعية السياسية،
• نظرية “المناطق العازلة” (Buffer States)،
• والدول التابعة (Client States) (Wallerstein, 1974 Mearsheimer, 2001).
خصائص الدولة الوظيفية:
1. لا تنشأ من توازن داخلي عضوي.
2. تعتمد في وجودها على دعم خارجي دائم.
3. وظيفتها الأساسية:
• حماية مصالح قوة أعظم،
• أو منع تشكل قوة إقليمية مستقلة.
4. سيادتها:
• جزئية،
• مشروطة،
• قابلة للتعليق.
هذه المواصفات تنطبق على إسرائيل بدقة شبه كاملة.

3. إسرائيل ووظيفتها الأولى: القاعدة المتقدمة للغرب في الشرق الأوسط
منذ تأسيسها، أُوكل لإسرائيل دور مركزي يتمثل في:
• منع وحدة عربية فاعلة.
• ضرب أي مشروع نهضوي مستقل (مصر عبد الناصر، العراق، سوريا…).
• حماية المصالح الغربية في:
1. الطاقة،
2. الممرات البحرية،
3. التجارة العالمية.
وقد عبّر هنري كيسنجر بوضوح عن هذا المعنى حين اعتبر إسرائيل: “أعظم حاملة طائرات أمريكية في الشرق الأوسط لا يمكن إغراقها” (Kissinger, quoted in Chomsky, 1999).
وهذا التعبير ليس مجازيًا، بل توصيف دقيق لوظيفة عسكرية–استراتيجية.

4. لماذا لا تتحقق السيادة الكاملة في الدولة الوظيفية؟
السيادة، في معناها العميق، تعني:
• التحكم المستقل في القرار السياسي،
• الاستقلال في الاقتصاد،
• حرية بناء التحالفات،
• امتلاك قرار الحرب والسلم.
لكن إسرائيل:
• لا تملك استقلالًا اقتصاديًا حقيقيًا دون الدعم الأمريكي.
• لا تستطيع شن حرب كبرى دون غطاء واشنطن.
• لا تقدر على توقيع تسوية استراتيجية كبرى بمعزل عن الرعاية الأمريكية.
أي أن:
سيادتها ليست ذاتية، بل “مفوّضة”.
وهنا الفارق الجوهري بين:
• الدولة التي تمتلك قرارها،
• والدولة التي تُدار ضمن شبكة ضمانات وجودية خارجية.

5. الجيش الذي يتجاوز مفهوم الدفاع
يُفترض في الجيش الوطني أن:
• يحمي حدود الدولة،
• ويخضع للسلطة السياسية المدنية.
أما الجيش الإسرائيلي، فقد تحوّل إلى:
• مركز الهوية القومية،
• العمود الفقري للسردية،
• والمحرّك الرئيسي للاقتصاد والتكنولوجيا.
وهكذا:
• الدولة لم تعد هي من تملك الجيش،
• بل الجيش هو من يمنح الدولة وظيفتها ومعناها.
وهو ما يجعل إسرائيل أقرب إلى:
مجتمع عسكري–استيطاني دائم التعبئة
لا دولة مدنية مستقرة بالمعنى التقليدي.

6. الدولة التي لا تعرف حدودها: علامة عدم الاكتمال البنيوي
من خصائص الدولة المكتملة:
• وجود حدود معترف بها.
• تعريف قانوني للإقليم.
لكن إسرائيل:
• لا تمتلك حدودًا نهائية حتى اليوم.
• تتوسع بالتدرج:
1. استيطان،
2. ضم زاحف،
3. واقع بالقوة.
وهو ما يكشف:
أن الكيان نفسه لا يعرف أين يبدأ وأين ينتهي، لأنه لا يتحرك بمنطق الدولة، بل بمنطق الوظيفة التوسعية المفتوحة.

7. المجتمع الاستيطاني ونقص التجذّر التاريخي
الدولة الطبيعية:
• تتكوّن من تراكم زمني طويل،
• ثقافة واحدة أو مركّبة،
• ذاكرة جمعية مشتركة.
أما المجتمع الإسرائيلي فهو:
• مركَّب من مهاجرين من عشرات القوميات.
• متباين إثنيًا ولغويًا وثقافيًا.
• لا يوحّده إلا:
1. الخوف،
2. والعدو،
3. والأسطورة.
وهذا ما يجعل التماسك فيه:
• أيديولوجيًا لا عضويًا،
• قسريًا لا طبيعيًا.

8. لماذا تحتاج إسرائيل دائمًا إلى حالة طوارئ؟
الدولة المستقرة:
• تسعى إلى السلم كأفق طبيعي.
أما الدولة الوظيفية:
• تعيش على منطق التهديد،
• لأن انتهاء الخطر يهدد وظيفتها نفسها.
ولهذا:
• إسرائيل تحتاج إلى عدو دائم.
• تحتاج إلى حرب دورية.
• تحتاج إلى تهديد وجودي مستمر.
ليس لأنها مهددة فعلًا فقط،
بل لأن:
السلم الكامل يعني بداية فقدان الوظيفة.

9. إسرائيل بين الدولة والإمبراطورية الصغرى
رغم صغر مساحتها، تمارس إسرائيل:
• نفوذًا استخباراتيًا عالميًا.
• تأثيرًا في الإعلام الغربي.
• دورًا في حروب بالوكالة.
• تدخلات إلكترونية وأمنية في دول متعددة.
وهذا يضعها في موقع:
امبراطورية وظيفية مصغّرة داخل امبراطورية أكبر.

10. الخلاصة البنيوية النهائية
يمكن تلخيص نتائج هذا التفكيك في النقاط التالية:
1. إسرائيل ليست دولة مكتملة بالمعنى التاريخي–السيادي.
2. نشأت لتؤدي:
• وظيفة استراتيجية داخل المشروع الغربي.
3. سيادتها:
• مشروطة بالدعم الخارجي.
4. جيشها:
• ليس أداة الدولة، بل عمود وجودها.
5. غياب الحدود النهائية:
• دليل على عدم اكتمال الهوية الإقليمية.
6. حاجتها الدائمة للصراع:
• علامة على هشاشة بنيتها كدولة طبيعية.
________________________________________
• قائمة المراجع
• Chomsky, N. (1999). Fateful Triangle: The United States, Israel, and the Palestinians. South End Press.
• Hobbes, T. (1651). Leviathan. Cambridge University Press.
• Kissinger, H. (1979). White House Years. Little, Brown and Company.
• Mearsheimer, J. (2001). The Tragedy of Great Power Politics. Norton.
• Wallerstein, I. (1974). The Modern World-System. Academic Press.
• Weber, M. (1919). Politics as a Vocation. Hackett.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقال الثالث :الصهيونية المسيحية: حين تتحوّل النبوءة إلى سي ...
- المقال الثاني: من الهولوكوست إلى فلسطين: كيف انتقلت الضحية؟ ...
- المقال الأول :إسرائيل: دولة أم أسطورة؟ – تفكيك مفهوم الشرعية ...
- الكيان في عقول النخبة العربية والمسلمة دراسة تحليلية في تمثّ ...
- حين تنتصر اللغة قبل الدبابة: كيف صنعت «دولة إسرائيل» نفسها ف ...
- مرة أخرى الرد على مقال :ضاعت الأمة بين وهم السند وعلم الرجال ...
- تبريرات النخبة العربية المتصهينة: تفكيك البنية الذهنية والسي ...
- لماذا يخاف الغرب من إسرائيل؟ تفكيك الأسطورة من داخل بنيتها ا ...
- هل فقدت الجزائر ارتباطها العربي بسبب موقفها الداعم لفلسطين و ...
- فلسطين بين خيانة الأنظمة ووفاء الشعوب قراءة في البنية العميق ...
- تصادم البنية الحضارية بين فكر مالك بن نبي ومشروع دولة الكيان
- مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: قراءة تحليلية في البنية ا ...
- النبوءة بين التفسير الإسلامي واليهودي — بنية المعنى ووظيفة ا ...
- إسرائيل في الشرق الأوسط: بين الوظيفة الاستراتيجية والبعد الع ...
- مقاومة التغريب عند مالك بن نبي: بين فرنسا والهوية
- عبادة الزعيم وخيانة الوعي: قراءة في أثر زعماء العاطفة على ال ...
- تيه المثقف بين إرادة السلطة وإرادة الجمهور قراءة في الانحياز ...
- السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي
- فلسطين: المشكلة أم المرآة؟ إعادة التفكير في مركزية القضية دا ...
- المسألة اليهودية عند مالك بن نبي: قراءة تحليلية أكاديمية


المزيد.....




- بقيمة 34.5 مليون دولار.. واشنطن توافق على صفقة عسكرية محتملة ...
- DW تتحقق: ادعاءات كاذبة حول حادثة إطلاق النار في بوندي
- بعد فيضانات أسفي.. دعوات لرفع الاستعداد ومطالبات بتعويض المت ...
- إسرائيل تخسر خسارة فادحة على تيك توك
- مدير -الموساد-: إيران لم تتخلَّ عن طموحها لتدمير إسرائيل
- قيود جديدة من ترامب على دخول الأجانب إلى الولايات المتحدة
- بينها دول عربية.. ترامب يوقع أمراً تنفيذياً لـ-تشديد القيود- ...
- بعد نزاع الأجور.. محكمة باريس تُلزم سان جيرمان بدفع أكثر من ...
- دهس مشجعي ليفربول: المحكمة تصف ما جرى بـ-رعب غير مسبوق- وتحك ...
- -الحكم سيصدر قريبًا-.. طهران تحاكم مواطنًا يحمل الجنسية السو ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - المقال الرابع : إسرائيل كوظيفة: لماذا ليست دولة مكتملة؟ تفكيك مفهوم “الدولة الوظيفية” في البنية الجيوسياسية الحديثة