أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - المقال الأول :إسرائيل: دولة أم أسطورة؟ – تفكيك مفهوم الشرعية بين التاريخ والسردية














المزيد.....

المقال الأول :إسرائيل: دولة أم أسطورة؟ – تفكيك مفهوم الشرعية بين التاريخ والسردية


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 20:47
المحور: قضايا ثقافية
    


1. مدخل إشكالي: متى تكون الدولة تاريخًا ومتى تكون سردية؟
ليست كل الدول التي تظهر إلى الوجود نتاج سيرورة تاريخية عضوية. بعض الكيانات تنشأ بوصفها تراكمًا اجتماعيًا طويل الأمد، وبعضها يولد بوصفه مشروعًا أيديولوجيًا مُسبق الصياغة ثم يُلقى قسرًا في الجغرافيا. هذا هو الفارق الجوهري الذي يضعنا أمام سؤال إسرائيل:
هل نحن أمام دولة نشأت من رحم التاريخ؟ أم أمام كيان وُلد من رحم السردية والأسطورة والقرار الدولي؟
يُعرّف ماكس فيبر الدولة بأنها «الكيان الذي يحتكر العنف المشروع داخل إقليم محدد» (Weber, 1919). غير أنّ هذا التعريف الإجرائي لا يكفي لفهم شرعية الوجود الرمزي والأخلاقي للدولة. فليس كل من احتكر العنف صار دولةً “شرعية” بالمعنى العميق، بل لا بدّ من:
• ذاكرة تاريخية جمعية،
• اندماج اجتماعي،
• واعتراف أخلاقي متبادل بين الحاكم والمحكوم.
إسرائيل، خلافًا لذلك، وُلدت بوصفها:
• مشروعًا أيديولوجيًا (الصهيونية)،
• محمولًا على وعد ديني،
• ومدعومًا بقرار استعماري دولي (وعد بلفور 1917).
وهنا تتأسّس الإشكالية: الدولة التي لم تنبثق من اجتماع تاريخي طبيعي، بل من هندسة سياسية مسبقة.
2. من التاريخ إلى الأسطورة: الفرق بين الدولة العضوية والدولة المؤسَّسة سرديًا
الدولة العضوية –كما في تجارب أوروبا الحديثة– هي حصيلة:
• صراعات داخلية،
• توترات طبقية،
• ثورات اجتماعية،
• وتحوّل تدريجي في أنماط الإنتاج والوعي (Marx, 1867 Tilly, 1990).
أمّا إسرائيل فقد نشأت بعكس هذا المسار:
• لم تتشكّل من داخل المجتمع الفلسطيني.
• لم تنشأ من تطوّر ديمغرافي طبيعي.
• لم تمثّل تعبيرًا عن توازن قوى محلي.
بل تشكّلت عبر:
• نقل جماعات بشرية من خارج المكان إلى داخله،
• إزاحة السكان الأصليين بالقوة (نكبة 1948)،
• ثم بناء دولة فوق أنقاض مجتمع قائم.
هنا تتحوّل الدولة من كيان تاريخي إلى:
كيان سردي يستمد وجوده من قصة مؤسِّسة لا من واقع اجتماعي طبيعي.
3. وعد بلفور: لحظة ميلاد الأسطورة السياسية
وعد بلفور (1917) ليس مجرد وثيقة سياسية، بل هو لحظة تشكُّل الأسطورة في اللغة الرسمية الغربية. فهو وعد من لا يملك (بريطانيا) لمن لا يستحق (الحركة الصهيونية) بأرض من يملك فعليًا (الشعب الفلسطيني).
نص الوعد ذاته يقوم على:
• تجاهل كامل للوجود العربي،
• اختزال السكان الأصليين في عبارة «الطوائف غير اليهودية»،
• تحويل الأرض إلى مساحة فارغة تنتظر “وعد الخلاص” (Khalidi, 1997).
هكذا تُصنع الأسطورة السياسية حين تُلغى الواقعية السكانية من اللغة الرسمية.
4. الهولوكوست بوصفه مولّدًا أخلاقيًا للأسطورة
الهولوكوست لعب دورًا مركزيًا في نقل إسرائيل من مشروع استيطاني مثير للجدل إلى كيان محصّن أخلاقيًا ضد أي نقد. لقد تحوّل اليهودي –في الوعي الغربي– إلى:
• ضحية مطلقة،
• خارج كل تصنيف سياسي عادي،
• وفوق كل مساءلة تاريخية.
وبهذا:
• تحوّل نقد إسرائيل إلى مساس بـ«قدسية الضحية»،
• وصار الفلسطيني –رمزيًا– في موضع المذنب بدل الضحية (Finkelstein, 2000).
إننا هنا أمام ما يمكن تسميته:
أسطرة الضحية وتحويلها إلى حصانة سياسية دائمة.
5. الدولة–القرار مقابل الدولة–السيرورة
يمكن التمييز نظريًا بين نموذجين:
الدولة التاريخية الدولة القرارية :
تنشأ من الداخل تُفرض من الخارج
تتكوّن تدريجيًا تُعلن بقرار دولي
تعبّر عن توازن اجتماعي تعبّر عن هندسة جيوسياسية
شرعيتها قابلة للنقد الداخلي شرعيتها محصّنة بسردية دولية
إسرائيل تنتمي بوضوح إلى النموذج الثاني. فهي:
• نتاج قرار تقسيم (الأمم المتحدة 1947)،
• محمية بقوة المنتصرين بعد الحرب العالمية الثانية،
• مربوطة عضويًا بمصالح الغرب الاستراتيجية في الشرق الأوسط (Chomsky, 1999).
6. لماذا تحتاج إسرائيل دائمًا إلى الاعتراف الخارجي؟
الدولة الطبيعية تبحث عن شرعيتها داخل مجتمعها أولًا.
أمّا إسرائيل، فهي تبحث عنها في:
• واشنطن،
• باريس،
• لندن،
• وبرلين.
وهذا ليس تفصيلًا نفسيًا، بل علامة بنيوية على:
هشاشة الشرعية الداخلية أمام فائض الشرعية الخارجية.
• ولهذا:
• كل نقد دولي يُعد تهديدًا وجوديًا.
• كل اعتراف دبلوماسي يُعد مصدرًا للحياة الرمزية.
• كل مقاطعة تُرى كإنذار “نهاية العالم”.
الدولة التي تثق بذاتها لا تتصرّف هكذا.
7. الأسطورة بوصفها درعًا وجوديًا
الأسطورة ليست مجرد قصة، بل هي:
• درع نفسي،
• ونظام معنى،
• وآلية حماية من الانهيار الأخلاقي.
إسرائيل ليست فقط دولة تحت الاحتلال، بل:
دولة تحيا داخل قبة رمزية من الأسطورة الدينية والتاريخية والسياسية.
وحين تسقط الأسطورة:
• لا يسقط الجيش فورًا،
• بل يسقط المعنى أولًا،
• ثم تتآكل الشرعية،
• ثم يبدأ التفكك البطيء من الداخل.
8. خلاصات
يمكن تلخيص النتائج الأساسية في النقاط التالية:
1. إسرائيل ليست دولة تاريخية بالمعنى العضوي، بل دولة سردية–قرارية.
2. نشأتها قامت على:
3. الوعد الاستعماري،
4. والهندسة الديمغرافية القسرية،
5. وأسطرة الضحية بعد الهولوكوست.
6. حاجتها الدائمة للاعتراف الخارجي علامة على هشاشة شرعيتها الداخلية.
7. أسطورتها ليست زينة أيديولوجية، بل شرط وجود بنيوي لبقائها.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكيان في عقول النخبة العربية والمسلمة دراسة تحليلية في تمثّ ...
- حين تنتصر اللغة قبل الدبابة: كيف صنعت «دولة إسرائيل» نفسها ف ...
- مرة أخرى الرد على مقال :ضاعت الأمة بين وهم السند وعلم الرجال ...
- تبريرات النخبة العربية المتصهينة: تفكيك البنية الذهنية والسي ...
- لماذا يخاف الغرب من إسرائيل؟ تفكيك الأسطورة من داخل بنيتها ا ...
- هل فقدت الجزائر ارتباطها العربي بسبب موقفها الداعم لفلسطين و ...
- فلسطين بين خيانة الأنظمة ووفاء الشعوب قراءة في البنية العميق ...
- تصادم البنية الحضارية بين فكر مالك بن نبي ومشروع دولة الكيان
- مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: قراءة تحليلية في البنية ا ...
- النبوءة بين التفسير الإسلامي واليهودي — بنية المعنى ووظيفة ا ...
- إسرائيل في الشرق الأوسط: بين الوظيفة الاستراتيجية والبعد الع ...
- مقاومة التغريب عند مالك بن نبي: بين فرنسا والهوية
- عبادة الزعيم وخيانة الوعي: قراءة في أثر زعماء العاطفة على ال ...
- تيه المثقف بين إرادة السلطة وإرادة الجمهور قراءة في الانحياز ...
- السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي
- فلسطين: المشكلة أم المرآة؟ إعادة التفكير في مركزية القضية دا ...
- المسألة اليهودية عند مالك بن نبي: قراءة تحليلية أكاديمية
- العفن كآلية داخلية لتراجع المجتمعات – قراءة تحليلية في فكر م ...
- الخلاف الفكري بين مالك بن نبي وجمعية العلماء المسلمين الجزائ ...
- سيد قطب ومالك بن نبي: مقارنة موسعة بين الفكر والإيديولوجيا و ...


المزيد.....




- أول تعليق لترامب بعد هجوم مميت استهدف قوات أمريكية في سوريا ...
- بعد ساعات من إعلان ترامب وقف إطلاق النار.. مواجهات دامية وإغ ...
- سوريا ـ مقتل 3 وإصابة ثلاثة آخرين من الجيش الأمريكي في هجوم ...
- دعوة إلى حضور ندوة عمومية: “الهجوم على الحريات وآفاق المقاوم ...
- خبير عسكري: هجوم تدمر سيسرع الدعم العسكري الأميركي لسوريا
- في حضرة الجبال.. كيف تحولت متسلقة مغربية إلى أسطورة عالمية؟ ...
- الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كتابة السيرة الذاتية قد يحر ...
- من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟ ...
- غوتيريش يعلن من بغداد انتهاء مهمة البعثة الأممية في العراق
- فلسطين ترد على السفير الأميركي في إسرائيل: الاستيطان جميعه غ ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - المقال الأول :إسرائيل: دولة أم أسطورة؟ – تفكيك مفهوم الشرعية بين التاريخ والسردية