أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يحي عباسي بن أحمد - مرة أخرى الرد على مقال :ضاعت الأمة بين وهم السند وعلم الرجال مصطفى راشد منهج نقد الحديث بين التوثيق التاريخي والخلل المنهجي















المزيد.....

مرة أخرى الرد على مقال :ضاعت الأمة بين وهم السند وعلم الرجال مصطفى راشد منهج نقد الحديث بين التوثيق التاريخي والخلل المنهجي


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 22:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الملخص
يعالج هذا البحث بالنقد والتحليل مقالًا يُنكر علم السند وعلم الرجال ويعدّه سببًا في ضياع الأمة، مدّعيًا أنّه “علم القيل والقال” وأنه قائم على الظن وتزكية البشر للبشر، وأنّ غياب المخطوطات القديمة للمصنّفات الحديثية يُسقط حجّيتها. يعتمد المقال محلّ النقد على مغالطات منهجية وتاريخية ومعرفية، كما يخلط بين منهج نقد الرواية ومجال السياسة، ويستند إلى فهم غير دقيق لمفهوم التواتر والتدوين وطبقات الرواة. يثبت البحث أنّ علم الحديث يمثل أحد أكثر المناهج التاريخية دقة في الحضارات الإنسانية، وأن دعوى الاكتفاء بالقرآن دون السنة تتناقض مع القرآن نفسه، وتُفضي إلى انهيار البنية التشريعية. كما يعرض البحث لتاريخ المخطوطات الحديثية، ويبيّن أن دعوى “فراغ 500 سنة” لا أصل لها. ويخلص إلى أن المقال محلّ الدراسة يفتقر إلى الموضوعية العلمية والانضباط البحثي.

الكلمات المفتاحية: علم الحديث، علم الرجال، السند، التدوين، نقد المتن، التواتر، القرآنيون، التاريخ الإسلامي.
1. مقدّمة
برزت في العقود الأخيرة موجة من الكتابات التي تطعن في التراث الحديثي، وتصفه بأنه قائم على "الظن"، أو أنه بناء تاريخي مفصول عن الوحي. ومن بين هذه الكتابات المقال المعنون: ضاعت الأمة بين السند وعلم الرجال. هذا المقال يزعم أنّ علم الحديث مبني على "القيل والقال"، وأن غياب المخطوطات القديمة ينسف صحة كل السنة، وأن الاعتماد على السند تزكيةٌ بشرية لا معنى لها، وأن القرآن وحده مصدر التشريع.
تسعى هذه الدراسة إلى تقديم معالجة أكاديمية منهجية لهذا الخطاب، مع بيان مواقع الخلل المعرفي والتاريخي، وذلك ضمن إطار نقد علمي يعتمد قواعد البحث التاريخي الحديث (Historical Criticism)، ويستفيد من مناهج علم الحديث كما تشكّلت عبر القرون.
2. الخلفية النظرية: ماهية علم السند وعلم الرجال
يُعدّ علم السند أحد أبرز إنجازات العقل الإسلامي في مجال توثيق المعرفة. ويقوم على فكرة بسيطة وعميقة: لا يُقبل خبرٌ ديني أو تاريخي بلا معرفة دقيقة بناقليه. وقد طوّر العلماء منهجًا شاملاً لتمييز الدقة في النقل، يعتمد على:
دراسة تواريخ الميلاد والوفاة للتأكد من إمكان اللقاء.
التحقق من ضبط الراوي من خلال مقارنة رواياته.
نقد المتن وفق قواعد لغوية وعقلية وقرآنية.
التواتر كآلية تضمن استحالة التواطؤ على الكذب.
وقد اعتبر المستشرق جوزيف شاخت Joseph Schacht أن علم الحديث “نظام نقد النصوص الأكثر تعقيدًا في التاريخ قبل العصر الحديث”.
3. تحليل نقدي لادعاءات المقال
3.1 الادعاء الأول: “علم الرجال علم القيل والقال”
يُصوّر المقال علم الرجال كأنه ثرثرة اجتماعية، بينما هو علم تاريخي نقدي، يمكن مقارنته بالدراسات الوثائقية في علم التاريخ الحديث.
ويعتمد على:
جمع آلاف التراجم من مصادر متعددة.
مقارنة الروايات عبر طبقات زمنية.
نقد الرواة نقدًا منهجيًا.
وهي منهجية ليست ظنية بمعنى الارتجال، بل “ظن راجح” منضبط بضوابط الاستقراء العلمي.
3.2 الادعاء الثاني: “لا وجود لمخطوطات للبخاري ومسلم إلا بعد 500 سنة”
هذه دعوى غير صحيحة، وقد دحضها الباحثون في علم المخطوطات.
من المخطوطات القديمة:
مخطوطة البخاري برواية الفربري (ت 320هـ)، الموجود بعضها في تركيا وإيران.
نسخ بخط القرن الرابع والخامس للهجرة لصحيح مسلم.
أقدم نسخ سنن الترمذي وأبي داود تعود للقرن السادس الهجري.
إضافة إلى ذلك، لم يكن التدوين وحده هو معيار النقل، بل السماع المباشر، والإجازات، والمقابلة، وهي أدوات تحقق لا توجد حتى في حفظ التوراة أو الإنجيل.
وبالتالي فلا يوجد "فراغ 500 سنة" كما يذكر الكاتب.
3.3 الادعاء الثالث: “النقل يسبق العقل عند أهل الحديث”
يخلط المقال بين المنهج العلمي وبين التقليد الأعمى.
أهل الحديث مارسوا نقدًا عقليًا صارمًا، ومن نماذجهم:
نقد الشافعي للرواة المخالفين للأصول.
نقد ابن الجوزي للأحاديث الموضوعة.
نقد الدارقطني لصحيح البخاري ومسلم.
بل إن نقد المتون أحد الأسس التي لم يفهمها الكاتب، وهو عنصر عقلي خالص.
3.4 الادعاء الرابع: “كل الصحابة قتلوا بعضهم فلا عدالة لهم”
هذا مغالطة، إذ العدالة هنا ليست “عصمة سياسية”، بل استقامة في نقل الدين.
وقد ميّز علماء الحديث بين السلوك السياسي للصحابي، واجتهاده، وبين صدقه في الرواية.
ولا يتصور عاقل أن كذب صحابي على رسول الله ﷺ سيظل بلا كشف في مجتمع قائم على حفظ الدين.
3.5 الادعاء الخامس: “لا يمكن معرفة الصادق من الكاذب”
هذا إنكار لأساس الحياة الاجتماعية، إذ كل:
المحاكم،
التاريخ،
الصحافة،
شهادات الطب الشرعي،
كلها تستند إلى تحليل الشهادات وتمييز الصادق من الكاذب.
وقد بيّن القرآن نفسه هذا الأصل بقوله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ الحجرات: 6
هذه الآية هي الأساس الشرعي لعلم الجرح والتعديل.
3.6 الادعاء السادس: “القرآن وحده مصدر التشريع”
القرآن يثبت عكس هذا الادعاء:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ (الحشر: 7)
﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ (النساء: 59)
كما أن القرآن يأمر بالصلاة، لكنه لا يذكر:
عدد ركعاتها،
صفتها،
شروطها.
فمن أين نعرفها؟
إذا رفضنا السنة، وقع التشريع في فراغ.
4. منهجية نقد الحديث مقارنة بالمناهج الغربية
أثبتت الدراسات الغربية الحديثة أن علوم الحديث:
تحتوي على آليات نقد داخلي وخارجي.
تعتمد على “التعدد النصي” الذي يزيد من موثوقية النقل.
تمتلك “سيرة نصية” قابلة للتتبع (Textual History)، بخلاف معظم النصوص القديمة.
وبهذا تتحول السنة إلى سجل تاريخي موثّق يمكن تحليله وفق أدوات علمية.
5. النتائج
المقال محلّ الدراسة يفتقر إلى أساس علمي، ويعتمد على معلومات غير دقيقة تاريخيًا.
علم الحديث ليس “ظنًا” بالمعنى السلبي، بل هو مجموعة ضخمة من قواعد النقد العلمي.
ادعاء “غياب المخطوطات” يخالف الحقائق الوثائقية.
إسقاط علم الحديث يؤدي بالضرورة إلى إسقاط نقل القرآن نفسه، لأنه وصل عبر الرجال والتواتر أيضًا.
الدعوة إلى “القرآن وحده” تتجاهل أن القرآن لا يقدّم نظامًا تشريعيًا عمليًا دون السنة.
النقد الفكري مطلوب، لكنه يجب أن يكون منضبطًا، لا قائمًا على مغالطات.
6. الخاتمة
تؤكد هذه الدراسة أن المقال الذي زعم ضياع الأمة بسبب السند وعلم الرجال لا يستند إلى منهج علمي أو تاريخي.
علم الحديث أحد أبرز إنجازات العقل الإسلامي، وقد سبق العلوم التاريخية المعاصرة بقرون في آليات النقد والتحري. كما أنّ النص القرآني نفسه لا يمكن تطبيقه دون السنة، وأن السنة لا يمكن إسقاطها إلا بإسقاط القرآن ذاته، لأن مصدرهما واحد ومنهج النقل واحد.
إن نقد التراث مطلوب، ولكن النقد الحقيقي لا يقوم على الانطباعات، بل على التحقيق العلمي.
المراجع

ابن حجر العسقلاني. (1379هـ). تهذيب التهذيب. القاهرة: المطبعة السلفية.
الدارقطني. (1345هـ). الإلزامات والتتبع. القاهرة: دار الكتب.
الشافعي. (1980). الرسالة. تحقيق أحمد شاكر. القاهرة: دار التراث.

Brown, J. A. C. (2009). Hadith: Muhammad s Legacy in the Medieval and Modern World. Oneworld Publications.
Donner, F. M. (1998). Narratives of Islamic Origins. Darwin Press.
Ess, J. van. (2012). The Flowering of Muslim Theology. Harvard University Press.
Görke, A., & Schoeler, G. (2011). The Historical and Contemporary Study of Hadith Literature. University of Chicago Press.
Motzki, H. (1991). The Origins of Islamic Jurisprudence. Brill.
Schacht, J. (1950). The Origins of Muhammadan Jurisprudence. Oxford University Press.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تبريرات النخبة العربية المتصهينة: تفكيك البنية الذهنية والسي ...
- لماذا يخاف الغرب من إسرائيل؟ تفكيك الأسطورة من داخل بنيتها ا ...
- هل فقدت الجزائر ارتباطها العربي بسبب موقفها الداعم لفلسطين و ...
- فلسطين بين خيانة الأنظمة ووفاء الشعوب قراءة في البنية العميق ...
- تصادم البنية الحضارية بين فكر مالك بن نبي ومشروع دولة الكيان
- مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: قراءة تحليلية في البنية ا ...
- النبوءة بين التفسير الإسلامي واليهودي — بنية المعنى ووظيفة ا ...
- إسرائيل في الشرق الأوسط: بين الوظيفة الاستراتيجية والبعد الع ...
- مقاومة التغريب عند مالك بن نبي: بين فرنسا والهوية
- عبادة الزعيم وخيانة الوعي: قراءة في أثر زعماء العاطفة على ال ...
- تيه المثقف بين إرادة السلطة وإرادة الجمهور قراءة في الانحياز ...
- السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي
- فلسطين: المشكلة أم المرآة؟ إعادة التفكير في مركزية القضية دا ...
- المسألة اليهودية عند مالك بن نبي: قراءة تحليلية أكاديمية
- العفن كآلية داخلية لتراجع المجتمعات – قراءة تحليلية في فكر م ...
- الخلاف الفكري بين مالك بن نبي وجمعية العلماء المسلمين الجزائ ...
- سيد قطب ومالك بن نبي: مقارنة موسعة بين الفكر والإيديولوجيا و ...
- العلمانية والتطرف: جدلية الردود المتبادلة ونقاط الالتقاء مع ...
- التوتر بين المطلق والتأويل قراءة في جدلية النص الإلهي والعقل ...
- الأسس المحورية في فكر مالك بن نبي وإعادة توجيه العقل العربي ...


المزيد.....




- اعتراضات عربية وإسلامية تُبعد توني بلير عن دائرة المرشحين لع ...
- نبيذ برائحة الكلور ومعكرونة بطعم -العطر-.. مربية متهمة بتسمي ...
- الشرع يكشف تفاصيل الصندوق الأخضر في الجامع الأموي بعد تساؤلا ...
- حماس: تجريف الاحتلال 61 دونما شمال سلفيت تصعيد استيطاني خطير ...
- دراسة: 154 رجل دين بألمانيا مارسوا عنفا أو اعتداء جنسيا منذ ...
- الشرع من المسجد الأموي: سنعيد بناء سوريا قوية من شرقها إلى غ ...
- ظهور الرئيس السوري في المسجد الأموي يعيد إحياء ذكرى تحرير دم ...
- استُقبل بـ-التكبيرات-.. تفاعل على لحظة دخول أحمد الشرع إلى ا ...
- احتفالات في سوريا بذكرى سقوط الأسد وتكبيرات في المساجد
- كشف عن هدية ولي العهد السعودي.. أحمد الشرع يظهر بـ-زي التحري ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يحي عباسي بن أحمد - مرة أخرى الرد على مقال :ضاعت الأمة بين وهم السند وعلم الرجال مصطفى راشد منهج نقد الحديث بين التوثيق التاريخي والخلل المنهجي