أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يحي عباسي بن أحمد - تبريرات النخبة العربية المتصهينة: تفكيك البنية الذهنية والسياسية لخطاب الخضوع














المزيد.....

تبريرات النخبة العربية المتصهينة: تفكيك البنية الذهنية والسياسية لخطاب الخضوع


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 22:13
المحور: القضية الفلسطينية
    


لم يعد التصهين العربي مجرد موقف سياسي عابر، بل أصبح منظومة فكرية تتأسس على تبريرات دقيقة ومتشابكة تعمل على إعادة تشكيل الوعي الجمعي تجاه فلسطين والاحتلال الإسرائيلي. ما نسمّيه اليوم “النخبة المتصهينة” ليس جماعة أفراد معزولين، وإنما خطاب كامل يعيد تعريف الواقع، ويُهندِس المجالات الثلاثة: الإدراك، والمعنى، والمصلحة.
هذا المقال يحاول تفكيك هذا الخطاب على أربع مستويات: البنية السياسية، البنية الخطابية، البنية النفسية، والبنية المصلحية.

أولًا: البنية السياسية للتبرير – تحويل الاحتلال إلى “واقعٍ طبيعي”

التمهيد الأساسي لهذا الخطاب يقوم على الدعوة إلى “الواقعية السياسية”، أي القبول بنتائج ميزان القوة الدولي. وفق هذه الرؤية، إسرائيل ليست احتلالًا قائمًا بالقوة، بل قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، وبالتالي:
التطبيع يصبح خيارًا اضطراريًا لا مفر منه.
المقاومة تتحوّل إلى “رومانسية سياسية” لا تمت للواقع بصلة.
فلسطين يُعاد تأطيرها من قضية تحرر إلى “ملف إداري” ضمن صراعات المنطقة.
هذا التبرير السياسي يشتغل على إزالة فكرة التحرّر من المعادلة، وتحويل الهزيمة المؤقتة إلى قدر تاريخي لا يُراجع.

ثانيًا: البنية الخطابية – صناعة “المنطق الزائف”
النخبة المتصهينة لا تقول “نحن نتخلى عن فلسطين”، بل تنتج معجمًا كاملاً لتبرير هذا التخلي. يمكن رصد أهم أدوات هذا الخطاب كما يلي:
1. التحايل اللغوي
تغيير مفردات الصراع:
الاحتلال يصبح “نزاعًا”.
التطبيع يصبح “سلامًا”.
المقاومة تصبح “ميليشيات”.
الاستيطان يصبح “توسعًا ديمغرافيًا”.
اللغة هنا ليست مجرد أداة بل سلاح لإعادة تشكيل الإدراك.
2. نزع الشرعية عن الضحية
يُحمّل الفلسطيني مسؤولية الاحتلال، عبر سرديات مثل:
“الفلسطينيون أضاعوا فرص السلام”.
“الانقسام الفلسطيني يجعل الصراع بلا معنى”.
وبذلك تتحول الجريمة إلى خطأ الضحية.
3. “تمدين” إسرائيل وتبخيس الذات
الحديث المتكرر عن:
“نجاح إسرائيل العلمي”.
“حداثتها السياسية”.
“ديمقراطيتها المستقرة”.
في مقابل تصوير العرب والعالم الإسلامي كفضاءٍ للعجز والاضطراب، فيصبح القبول بإسرائيل استثمارًا في الحداثة لا خضوعًا سياسيًا.
ثالثًا: البنية النفسية – صناعة قابلية التصهين
لا تكفي السياسة والخطاب؛ يجب أن تحصل عملية تغيّر نفسي عميق تنتج ثلاثة أنماط:
1. عقدة الدونية الحضارية
إعادة إنتاج الإحساس بأن العرب “متخلفون”، بينما إسرائيل تنتمي إلى “العالم المتقدم”، مما يجعل القبول بها جزءًا من “الخروج من التخلف”.
2. تحويل الهزيمة إلى شرعية
بدلًا من رفض الهزيمة، يتم اعتبار تقبّلها قاعدة للتعامل مع العالم، وكأن الهزيمة ليست حالة يجب تجاوزها، بل واقعًا يجب البناء عليه.
3. تصنيع الخوف بوصفه عقلانية
يتم تسويق فكرة أن مواجهة إسرائيل مغامرة كارثية، وأن الأمان القومي لن يتحقق إلا عبر الانضواء في مظلتها أو مظلة حلفائها الغربيين.
بهذا تتحول الخيانة إلى “حكمة”، والصمود إلى “طيش”.
رابعًا: البنية المصلحية – من التبرير إلى الاستثمار
جزء من النخبة المتصهينة ليس فقط مبرِّرًا نظريًا، بل مستفيدًا مباشرًا من القبول بإسرائيل:
حماية الأنظمة
بعض الأنظمة ترى في إسرائيل قناة مباشرة لتسهيل الدعم الغربي، وهو ما ينعكس على شبكات السلطة داخل الدولة.
الاستفادة الشخصية
مثقفون وإعلاميون وأصحاب أعمال يحصلون على:
فرص سفر.
تمويل أبحاث.
دعم إعلامي دولي.
صفقات اقتصادية.
إعادة هندسة المشهد الثقافي
مؤسسات ثقافية وفنية وإعلامية تُعاد صياغتها نحو رؤية تقبل إسرائيل “فاعلًا طبيعيًا”، مما يجعل “التصهين” رأس مال ثقافي جديد.
خامسًا: تبرير ما بعد الحداثة – قتل الحقيقة ونزع الأخلاق من الصراع
آخر وأخطر أشكال التبرير يلبس جبة التفكير الفلسفي:
لا وجود لحق مطلق.
كل السرديات نسبية.
الاحتلال مجرد “رواية مضادة لرواية أخرى”.
الهوية اختراع، والقومية خيال، والتحرر سردية رومانسية.
هذا الخطاب يسعى إلى تفكيك الفكرة المؤسسة للقضية: أن هناك مظلومًا ومظالمًا، وأن هناك أرضًا تُسلب وناسًا يُهجّرون.
هنا لا نرى اعترافًا بأخلاق الصراع، بل مسحًا لها كاملة.
خلاصة تحليلية
تبريرات النخبة العربية المتصهينة ليست تبريرات فردية، بل هي منظومة متكاملة تهدف إلى إعادة إنتاج علاقة جديدة بين العرب وإسرائيل تقوم على أربعة مبادئ:
التسليم بالقوة بدل مواجهتها.
قتل المعنى التحرري للقضية الفلسطينية.
إعادة صياغة الهوية العربية بمعزل عن فلسطين.
تحويل الخضوع إلى عقلانية والتطبيع إلى فضيلة.
ومع ذلك، يظلّ هذا الخطاب هشًّا، لأنه يقوم على إخفاء أساس الحقيقة:
أن الاحتلال لا يمكن أن يصبح “واقعًا طبيعيًا” مهما طالت المدة، وأن الوعي العربي قادر على تجاوز لحظات الانكسار حين يستعيد معناه التاريخي.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يخاف الغرب من إسرائيل؟ تفكيك الأسطورة من داخل بنيتها ا ...
- هل فقدت الجزائر ارتباطها العربي بسبب موقفها الداعم لفلسطين و ...
- فلسطين بين خيانة الأنظمة ووفاء الشعوب قراءة في البنية العميق ...
- تصادم البنية الحضارية بين فكر مالك بن نبي ومشروع دولة الكيان
- مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: قراءة تحليلية في البنية ا ...
- النبوءة بين التفسير الإسلامي واليهودي — بنية المعنى ووظيفة ا ...
- إسرائيل في الشرق الأوسط: بين الوظيفة الاستراتيجية والبعد الع ...
- مقاومة التغريب عند مالك بن نبي: بين فرنسا والهوية
- عبادة الزعيم وخيانة الوعي: قراءة في أثر زعماء العاطفة على ال ...
- تيه المثقف بين إرادة السلطة وإرادة الجمهور قراءة في الانحياز ...
- السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي
- فلسطين: المشكلة أم المرآة؟ إعادة التفكير في مركزية القضية دا ...
- المسألة اليهودية عند مالك بن نبي: قراءة تحليلية أكاديمية
- العفن كآلية داخلية لتراجع المجتمعات – قراءة تحليلية في فكر م ...
- الخلاف الفكري بين مالك بن نبي وجمعية العلماء المسلمين الجزائ ...
- سيد قطب ومالك بن نبي: مقارنة موسعة بين الفكر والإيديولوجيا و ...
- العلمانية والتطرف: جدلية الردود المتبادلة ونقاط الالتقاء مع ...
- التوتر بين المطلق والتأويل قراءة في جدلية النص الإلهي والعقل ...
- الأسس المحورية في فكر مالك بن نبي وإعادة توجيه العقل العربي ...
- من الثورة إلى التوريث: الشرعية التاريخية في الجزائر بين الذا ...


المزيد.....




- مسؤول كبير في حماس: مستعدون لبحث -تخزين أو تجميد- الأسلحة
- زعماء أوروبيون يؤكدون دعمهم لزيلينسكي.. وميرتس يشكك في الخطة ...
- هل تنجح واشنطن في كسر الجمود في العلاقات الإسرائيلية المصرية ...
- ما هو مستقبل مسار -العدالة الانتقالية- في سوريا ما بعد الأسد ...
- شاهد.. أحدث الروبوتات البشرية اليابانية تطفئ النيران وتنقذ ا ...
- ما موقف ألمانيا من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في ...
- عام على سقوط الأسد.. صحفيو سوريا يتمتعون بحريتهم بعد 50 عاما ...
- لماذا يشعر صحفيو -سي إن إن- بالارتياح إزاء استحواذ نتفليكس ع ...
- إلباييس: كيف أصبحت أوروبا مركزا عالميا لتجارة الكوكايين؟
- باراماونت تقدم عرضًا مضادًا للاستحواذ على وارنر براذرز ديسكف ...


المزيد.....

- قراءة في وثائق وقف الحرب في قطاع غزة / معتصم حمادة
- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يحي عباسي بن أحمد - تبريرات النخبة العربية المتصهينة: تفكيك البنية الذهنية والسياسية لخطاب الخضوع