أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يحي عباسي بن أحمد - حين تنتصر اللغة قبل الدبابة: كيف صنعت «دولة إسرائيل» نفسها في الوعي قبل الجغرافيا؟














المزيد.....

حين تنتصر اللغة قبل الدبابة: كيف صنعت «دولة إسرائيل» نفسها في الوعي قبل الجغرافيا؟


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 20:50
المحور: القضية الفلسطينية
    


ليست أخطر المعارك تلك التي تُخاض بالسلاح وحده، بل تلك التي تُخاض على مستوى المصطلح؛ لأن من ينجح في تسمية الأشياء ينجح في توجيه الوعي بها، ومن يوجّه الوعي يربح نصف الصراع دون إطلاق رصاصة واحدة. من هذا المنظور، لا يمكن فهم ترسّخ عبارة «دولة إسرائيل» في الخطاب العربي والإسلامي بوصفه حدثًا سياسيًا عابرًا، بل يجب قراءته كتحوّلٍ أنطولوجي في تمثّل العدو: من كيان استيطاني مغتصِب إلى «دولة طبيعية» في النظام الدولي.
المصطلح بوصفه سلطة لا وصفًا
الدولة، في الفلسفة السياسية الحديثة، ليست مجرد إدارة وسلطات وجيش، بل هي تمثيل رمزي للشرعية والاستقرار والسيادة. حين يتحوّل الكيان الصهيوني في الوعي العربي من «الاحتلال» إلى «الدولة»، فإننا نكون قد نقلناه من خانة المشروع غير المشروع – أخلاقيًا وتاريخيًا – إلى خانة الواقع السياسي القابل للتفاوض والتعايش.
هنا لا يعمل المصطلح كأداة لغوية، بل كـقوة معرفية تعيد تشكيل بنية الإدراك. فقولنا «دولة إسرائيل» لا يصف فقط واقعًا مفروضًا، بل يشارك – من حيث لا نشعر – في إعادة إنتاج شرعيته الرمزية. وهكذا تصبح اللغة نفسها إحدى أدوات التطبيع الأعمق.
كيف ترسّخ المصطلح في الوعي العربي؟
لم يدخل هذا المصطلح دفعة واحدة، بل تسلل عبر مسارات متداخلة:
1. الشرعية الدولية: قرار التقسيم سنة 1947 نقل الصراع من وضعية «الاغتصاب الاستعماري» إلى إطار «حل قانوني دولي»، فانتقل الكيان من حالة العصابات المسلحة إلى حالة الدولة المنتظرة اعترافًا.
2. اتفاقيات السلام: مع كامب ديفيد وأوسلو، تحوّل الاعتراف من ضغط خارجي إلى خيار سياسي عربي رسمي، فدخل المصطلح إلى الوثائق والخرائط والمناهج.
3. الإعلام: تبنّي وكالات الأنباء العربية للمفردات الغربية («الجيش الإسرائيلي»، «الحكومة الإسرائيلية») صنع تكييفًا لاواعيًا مع صورة الدولة.
4. النخب والمناهج: أُعيد إنتاج المصطلح داخل الجامعات والكتب المدرسية، فتحوّلت فلسطين في المخيلة الجديدة من أرض مغتصبة بالكامل إلى «أراضٍ متنازع عليها بين دولتين».
1. بهذا التراكم، وقعت الهزيمة الرمزية قبل الهزيمة السياسية؛ إذ خسر العقل العربي معركة التسمية قبل أن يخسر معركة القوة.
هل «إسرائيل» دولة بالمعنى الفلسفي الحديث؟
إذا انتقلنا من تحليل المصطلح إلى فحص الواقع البنيوي، فإن السؤال الجوهري هو:
هل يحمل هذا الكيان بالفعل مقومات الدولة الحديثة كما صاغتها الفلسفة السياسية؟
5. الشعب
الدولة الحديثة تقوم على شعب متجذّر تاريخيًا في الإقليم. بينما يقوم الكيان الإسرائيلي على تجميع استيطاني متعدد الأصول والثقافات، موحّد بعقيدة دينية-عرقية لا بتجربة تاريخية وطنية واحدة. نحن هنا أمام «تركيب استيطاني» لا «أمة عضوية».
2. الإقليم
الدولة الحديثة ذات حدود مستقرة. أما إسرائيل فحدودها متحركة، نابعة من القوة لا من التحديد القانوني النهائي: توسّع، ضم، جدار، مستوطنات. الحدود هنا وظيفة أمنية لا إطار سيادي مستقر.
3. السيادة
السيادة تفترض استقلال القرار. لكن اعتماد الكيان جذريًا على الدعم العسكري والسياسي الغربي، خصوصًا الأمريكي، يجعل سيادته وظيفية لا ذاتية بالكامل.
4. المواطنة
الدولة الحديثة تقوم على المساواة القانونية بين مواطنيها. بينما تقوم إسرائيل على «يهودية الدولة»، أي على أولوية عرقية/دينية في المواطنة، وهو ما يُخرجها من نموذج الدولة المدنية إلى نموذج الدولة العرقية.
5. العنف
الدولة تحتكر العنف داخل حدودها لضبط النظام. أما الكيان الإسرائيلي فيُنتج العنف خارج حدوده باستمرار بوصفه جزءًا من استراتيجيته الوجودية، لا بوصفه استثناءً دفاعيًا.
النتيجة الفلسفية
من هنا يمكن القول إن إسرائيل تشبه الدولة مؤسسيًا، لكنها لا تطابقها وجوديًا وأخلاقيًا وفلسفيًا. هي دولة في الشكل، كيان استيطاني في الجوهر، ووظيفة متقدمة في منظومة الهيمنة الغربية في المنطقة.
ولذلك، فإن أعظم إنجاز استراتيجي للصهيونية لم يكن فقط احتلال الأرض، بل احتلال الوعي عبر المصطلح. حين قبلنا أن نصف ما يجري على أنه «نزاع بين دولتين»، طُمس البُعد الاستعماري الإحلالي للصراع، وتحولت الجريمة إلى «خلاف سياسي»، والاقتلاع إلى «إشكال حدود».
خاتمة: استعادة الوعي تبدأ من استعادة اللغة
لا يمكن لأي مشروع تحرري أن ينهض بلغة مهزومة. فالمعركة على المصطلح ليست ترفًا لغويًا، بل هي معركة على طبيعة الواقع ذاته. ما لم يُستعد وصف الصراع باعتباره صراعًا مع مشروع استيطاني عنصري، لا مع «دولة طبيعية»، سيظل الوعي العربي يدور داخل الأسوار المفاهيمية التي بناها له خصمه.
إن أخطر أشكال الهزيمة هي تلك التي لا نشعر بها لأنها تستقر داخل كلماتنا اليومية. وحين تصبح اللغة محايدة زائفة، يصبح الوعي نفسه مشلولًا وهو يظن أنه موضوعي.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرة أخرى الرد على مقال :ضاعت الأمة بين وهم السند وعلم الرجال ...
- تبريرات النخبة العربية المتصهينة: تفكيك البنية الذهنية والسي ...
- لماذا يخاف الغرب من إسرائيل؟ تفكيك الأسطورة من داخل بنيتها ا ...
- هل فقدت الجزائر ارتباطها العربي بسبب موقفها الداعم لفلسطين و ...
- فلسطين بين خيانة الأنظمة ووفاء الشعوب قراءة في البنية العميق ...
- تصادم البنية الحضارية بين فكر مالك بن نبي ومشروع دولة الكيان
- مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: قراءة تحليلية في البنية ا ...
- النبوءة بين التفسير الإسلامي واليهودي — بنية المعنى ووظيفة ا ...
- إسرائيل في الشرق الأوسط: بين الوظيفة الاستراتيجية والبعد الع ...
- مقاومة التغريب عند مالك بن نبي: بين فرنسا والهوية
- عبادة الزعيم وخيانة الوعي: قراءة في أثر زعماء العاطفة على ال ...
- تيه المثقف بين إرادة السلطة وإرادة الجمهور قراءة في الانحياز ...
- السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي
- فلسطين: المشكلة أم المرآة؟ إعادة التفكير في مركزية القضية دا ...
- المسألة اليهودية عند مالك بن نبي: قراءة تحليلية أكاديمية
- العفن كآلية داخلية لتراجع المجتمعات – قراءة تحليلية في فكر م ...
- الخلاف الفكري بين مالك بن نبي وجمعية العلماء المسلمين الجزائ ...
- سيد قطب ومالك بن نبي: مقارنة موسعة بين الفكر والإيديولوجيا و ...
- العلمانية والتطرف: جدلية الردود المتبادلة ونقاط الالتقاء مع ...
- التوتر بين المطلق والتأويل قراءة في جدلية النص الإلهي والعقل ...


المزيد.....




- فيديو يوثق لحظة اصطدام قطار ركاب بسيارة اعترضت طريقه في أمري ...
- نجيب ساويرس ينفي صحة تقارير حول زيارته إسرائيل.. ماذا قال؟
- رأي.. بارعة الأحمر تكتب: خطوة سياسية في ملف عالق بين الدولة ...
- صراع نتفليكس وباراماونت على شراء وارنر براذرز.. ما الذي نعرف ...
- زلزال بقوة 7.5 يضرب اليابان ويعيد شبح -تسونامي- للواجهة
- اليوتيوبر السوري وارف كاتبي يتحدث عن صناعة المحتوى قبل وبعد ...
- ما هي الاشتباكات الدائرة على الحدود بين تايلاند وكمبوديا، ول ...
- وسط معارضة إسرائيلية.. تركيا تعلن جاهزيتها لإرسال قواتها إل ...
- السلطات الألمانية تضبط ورشة لتزوير العملات وتعتقل رجلين
- -شبكات- يتناول تفاعل السوريين مع الذكرى الأولى لسقوط الأسد و ...


المزيد.....

- قراءة في وثائق وقف الحرب في قطاع غزة / معتصم حمادة
- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يحي عباسي بن أحمد - حين تنتصر اللغة قبل الدبابة: كيف صنعت «دولة إسرائيل» نفسها في الوعي قبل الجغرافيا؟