أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - المقال الثاني: من الهولوكوست إلى فلسطين: كيف انتقلت الضحية؟ تفكيك آلية تدوير الألم من الذاكرة الأوروبية إلى الجغرافيا العربية














المزيد.....

المقال الثاني: من الهولوكوست إلى فلسطين: كيف انتقلت الضحية؟ تفكيك آلية تدوير الألم من الذاكرة الأوروبية إلى الجغرافيا العربية


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 21:57
المحور: قضايا ثقافية
    


1. الإشكال المركزي: متى تتحول الضحية إلى قوة استعمارية؟
في الوعي الأخلاقي الإنساني التقليدي، الضحية هي الطرف الذي يُنْصَتُ إلى ألمه، وتُستعاد له حقوقه، وتُحفظ كرامته. غير أنّ التاريخ الحديث قدّم نموذجًا مقلقًا: ضحية تتحول إلى مشروع قوة، وإلى كيان يمارس القهر باسم الذاكرة.
الهولوكوست بوصفه أكبر جريمة إبادة جماعية في القرن العشرين (Bauman, 1989)، لم يبقَ واقعة تاريخية مغلقة، بل تحوّل إلى رأسمال رمزي وأخلاقي وسياسي عابر للزمن. ومن هنا يبدأ السؤال الفلسفي الخطير:
كيف انتقل موقع “الضحية” من اليهود في أوروبا إلى الفلسطينيين في الشرق الأوسط، دون أن يعترف النظام العالمي بهذا التحوّل؟

2. الهولوكوست: من الجريمة إلى “الهوية الأخلاقية المغلقة”
لم يتعامل الغرب مع الهولوكوست بوصفه:
• جريمة نازية ضد الإنسانية،
• أو انحرافًا حضاريًا داخل البنية الأوروبية الحديثة (Arendt, 1963)،
بل حوّله تدريجيًا إلى:
هوية أخلاقية حصرية لليهود، لا سياقًا تاريخيًا أوروبيًا ينبغي تحمُّله جماعيًا.
وبهذا الانتقال الخطير:
• خرجت أوروبا أخلاقيًا من دائرة الاتهام.
• وأُلقي بثقل الذنب على الجغرافيا العربية.
• وصار “تعويض اليهود” يتمّ بأرض ليست أرض الجريمة.
ما يسميه نورمان فنكلشتاين (2000) بـ:
“صناعة الهولوكوست”
حيث يتحول الألم إلى نظام سياسي متكامل يُنتج:
• سلطة،
• وحصانة،
• وابتزازًا أخلاقيًا دائمًا.

3. الآلية النفسية الغربية: تحويل الذنب إلى مشروع خارجي
في علم النفس الجمعي، الذنب غير المعالَج يتحول إلى:
• إسقاط (Projection)،
• أو تعويض قهري (Compensation).
أوروبا، بدل أن:
• تفكك جذور النازية داخل بنيتها الحضارية،
• وتعيد مساءلة الذات الحديثة عقلانيًا وأخلاقيًا،
اختارت الطريق الأسهل:
إزاحة الذنب نحو الخارج الجغرافي والسياسي.
أي:
• بدل علاج المرض في الداخل،
• جرى تصدير “الحل” إلى فلسطين.
وهكذا تحوّل الفلسطيني إلى:
ضحية بديلة لذنب لم يرتكبه.

4. من ضحية النازية إلى ضحية الضحية
هنا يبلغ التناقض ذروته الأخلاقية:
• اليهود كانوا ضحية الإبادة.
• الفلسطينيون صاروا ضحية تعويض هذه الإبادة.
لكن النظام العالمي لم يعترف بهذا الانزلاق الأخلاقي، لأن الاعتراف به يعني:
• سقوط السردية المؤسسة لإسرائيل.
• وعودة الذنب إلى مركزه الأوروبي الأصلي.
ولهذا حصل انقلاب في المعادلة الرمزية:
الأصل التحوّل
اليهود ضحية النازية اليهود “ضحايا دائمون”
الفلسطيني شعب قائم الفلسطيني “عقبة وجودية”
الاستعمار جريمة الاستيطان “حق تاريخي”
المقاومة دفاع المقاومة “إرهاب”
هذه ليست تحولات لغوية فقط، بل إعادة برمجة كاملة للوعي العالمي (Said, 1978).

5. الإعلام الغربي: هندسة النقل الرمزي للضحية
الدور المركزي في “نقل الضحية” لم يكن عسكريًا فقط، بل:
إعلاميًا–سرديًا–لغويًا.
فمنذ 1948:
o يُقدَّم الإسرائيلي بوصفه:
• محاطًا بالأعداء،
• مهدَّدًا بالإبادة،
• في حالة “دفاع دائم عن الوجود”.
o بينما يُقدَّم الفلسطيني بوصفه:
• عدوانيًا،
• غامض الهوية،
• فائض العنف بلا سياق.
وهكذا:
• تُسحب صورة الضحية من الفلسطيني روائيًا.
• وتُزرع في الجندي الإسرائيلي.
• فيحدث ما يمكن تسميته:
السرقة الرمزية لموقع الألم.

6. الفلسفة الأخلاقية المقلوبة: من العدالة إلى الحصانة
في الفلسفة الكانطية، تقوم العدالة على:
• مبدأ الكونية،
• وعدم استثناء أحد من المحاسبة (Kant, 1797).
لكن إسرائيل أُخرجت من هذا المبدأ عبر:
• تحويلها إلى “دولة الضحية الأبدية”.
• وبالتالي: كل نقد لها يُعدّ استهدافًا للذاكرة.
• وكل مساءلة لسلوكها تُقرأ كإحياء لمعاديـة السامية.
هكذا يحصل:
تعليق العدالة باسم الألم.
وهو أخطر انحراف أخلاقي يمكن أن يقع فيه الضمير الإنساني.

7. كيف تحوّل الفلسطيني إلى فائض ضحية بلا اعتراف؟
الفلسطيني اليوم هو:
• ضحية احتلال،
• ضحية تطهير عرقي متكرر (1948، 1967، غزة…)،
• ضحية حصار طويل الأمد،
• ضحية نزع إنسانيته إعلاميًا.
ومع ذلك:
• لا يُعترف به كضحية كاملة.
• بل يوضع دائمًا تحت شرط الإدانة المسبقة.
أي أنه:
ضحية بلا شهادة اعتراف عالمية.
وهذا أخطر ما في الأمر، لأن الضحية حين لا يُعترف بها:
• تُغتال مرتين:
1. ماديًا بالبندقية.
2. رمزيًا بالسردية.

8. الخلاصة
يمكن تلخيص البنية العميقة لانتقال الضحية في النقاط التالية:
1. الهولوكوست تحوّل من جريمة أوروبية إلى:
• هوية سياسية،
• ورأسمال رمزي عالمي.
2. أوروبا عالجت ذنبها عبر:
• تصديره إلى فلسطين.
3. الفلسطيني صار:
• ضحية لذنب لم يرتكبه،
• وضحية لسردية تنفي ضحيته.
4. إسرائيل تعيش اليوم داخل:
• حصانة أخلاقية مصنوعة من الذاكرة.
5. العدالة العالمية تعطّلت عند هذه النقطة:
• لأن الضحية الأولى صارت دولة،
• والضحية الثانية صارت “ملفًا أمنيًا”.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقال الأول :إسرائيل: دولة أم أسطورة؟ – تفكيك مفهوم الشرعية ...
- الكيان في عقول النخبة العربية والمسلمة دراسة تحليلية في تمثّ ...
- حين تنتصر اللغة قبل الدبابة: كيف صنعت «دولة إسرائيل» نفسها ف ...
- مرة أخرى الرد على مقال :ضاعت الأمة بين وهم السند وعلم الرجال ...
- تبريرات النخبة العربية المتصهينة: تفكيك البنية الذهنية والسي ...
- لماذا يخاف الغرب من إسرائيل؟ تفكيك الأسطورة من داخل بنيتها ا ...
- هل فقدت الجزائر ارتباطها العربي بسبب موقفها الداعم لفلسطين و ...
- فلسطين بين خيانة الأنظمة ووفاء الشعوب قراءة في البنية العميق ...
- تصادم البنية الحضارية بين فكر مالك بن نبي ومشروع دولة الكيان
- مستقبل الكيان بين التوراة والقرآن: قراءة تحليلية في البنية ا ...
- النبوءة بين التفسير الإسلامي واليهودي — بنية المعنى ووظيفة ا ...
- إسرائيل في الشرق الأوسط: بين الوظيفة الاستراتيجية والبعد الع ...
- مقاومة التغريب عند مالك بن نبي: بين فرنسا والهوية
- عبادة الزعيم وخيانة الوعي: قراءة في أثر زعماء العاطفة على ال ...
- تيه المثقف بين إرادة السلطة وإرادة الجمهور قراءة في الانحياز ...
- السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي
- فلسطين: المشكلة أم المرآة؟ إعادة التفكير في مركزية القضية دا ...
- المسألة اليهودية عند مالك بن نبي: قراءة تحليلية أكاديمية
- العفن كآلية داخلية لتراجع المجتمعات – قراءة تحليلية في فكر م ...
- الخلاف الفكري بين مالك بن نبي وجمعية العلماء المسلمين الجزائ ...


المزيد.....




- فيديو متداول لـ-احتفال مؤيدي الحكومة السورية- بهجوم تدمر.. ه ...
- وسط تقدم المفاوضات.. أوكرانيا تتخلى عن طموح الانضمام للناتو ...
- اكتشاف لوحة فسيفساء ضخمة شمال غربي دمشق أثناء أعمال زراعية
- مؤتمر الجزيرة للدراسات يدعو إلى رؤية أفريقية لتجاوز التبعية ...
- مصرع 14 شخصا في فيضانات مفاجئة بالمغرب
- أستراليا تكشف مفاجأة عن مطلقي النار في سيدني: أب وابنه
- المغرب.. 21 وفاة من جراء سيول آسفي
- -أب وابنه-.. أستراليا تعلن تفاصيل جديدة عن مشتبه بهما والسلا ...
- وفاة إيمان شقيقة -الزعيم- عادل إمام وأرملة الراحل مصطفى متول ...
- مسلم أعزل ولا يمتلك خبرة في الأسلحة.. من هو الرجل الذي انت ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - المقال الثاني: من الهولوكوست إلى فلسطين: كيف انتقلت الضحية؟ تفكيك آلية تدوير الألم من الذاكرة الأوروبية إلى الجغرافيا العربية