أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - الثقب الخامس.. اليقظة














المزيد.....

الثقب الخامس.. اليقظة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 16:47
المحور: الادب والفن
    


ثقوب المرايا
الثقب الخامس

استيقظ نون وهو يشعر بأن الهواء من حوله ليس هواءً، بل مادة لزجة لصمتٍ بعيد لم يصله سوى تردد صداه الخافت. وعندما فتح عينيه وجد نفسه في ممرّ طويل، جدرانه بلونٍ كالح لا يمكن تسميته، وإضاءته خافتة كأنها صادرة من ذاكرة شخص آخر. لم يكن يعرف أين هو، لكن كل شيء بدا له مألوفًا بشكلٍ مقلق: صفوف من المكاتب تمتدّ حتى تتلاشى على مرمى البصر، ملفات مفتوحة على طاولات تآكلها الزمن والغبار، تكاد لا ترى، وأصوات خطوات تأتي من اتجاهات لا يمكن تحديدها. على مقربة منه، كانت المرأة تراقبه والرجل يقف ليس بعيدا وراءها. كانا بلا ملامح واضحة، تشبهان مسودّتين لم تُعتمدا بعد، تتبادلان همسات قصيرة غير مفهومة، كأنهما تنتظران توجيهات من مصدر ما.
قالت المرأة دون أن تلتفت إليه:
ـ يبدو أنه استيقظ... لكن ليس في المكان المناسب.
فأجاب الرجل:
ـ إنه ما يزال يلهث في حلمه، إنه ما يزال يجري ولم يصل بعد. ولكن المكان المناسب بالنسبة لمن؟ نحن جميعًا في مرحلة مؤقتة، في مرحلة الترانزيت. إنه أستيقظ في حلمه فقط.
نهض نون بتثاقل من سريره الحديدي، أزاح الشرشف الأبيض وجلس على السرير المرهق وهو يحس ببرودة تسري في أطرافه. حاول أن ينهض واقفا، لكنه توقف كأنه مندهش من دهشته. كان هناك شيء أمامه، على الأرض، يبدو ككرة خيوط صغيرة تتنفس. أدرك أن هذا الكائن لن يتركه، أودرادِك رفع رأسه الخيطيّ، وبدا للحظة كأنه يتعرف على نون مثل من يلتقي انعكاسه بعد سنوات ضياع مرآته.
قال أودرادِك بصوت يحاكي ارتعاش اأجهزة الترانزستور القديمة:

ـ تأخرتَ. بل تأخرت أكثر مما كان متوقعا، كانوا ينتظرونك منذ زمن في المكتب.

رد نون وهو يتلعثم:

ـ المكتب… أي مكتب؟ لماذا أنا هنا؟، ثم لماذا تلاحقني كظلي؟

ضحك أودراديك، لكن ضحكته لم تكن ضحكة، بل خشخشة أوراق يابسة تُقلبها الريح، وقال:
.
ـ ربما لأنني ظلك، أنت نائم يا نون… لكنك استيقظت في حلم شخص آخر.
اقتربت المرأة من نون وسألته:
ـ هل أخذت رقم دورك في الطابور؟

ـ أي دور؟ أنا لا…

ـ بدون رقم لا يمكنك الدخول، وبالتالي لا يمكن تسجيلك ولا تكملة ملف القبول.

وقال الرجل:
ـ وبدون الحضور، لا يمكننا إثبات أنك موجود لا هنا ولا هناك ولا في أي مكان.
نون شعر بأن الأرض تهتزّ تحت قدميه. ليس اهتزازًا حقيقيًا… بل انتقالًا في الحالة، كأن الممرّ نفسه يتنفس ويتراجع، وكأن المكان يُعيد ترتيب الأروقة حسب أفكار نون المرتبكة.
قال أودرادِك:

ـ لا تتشبّث بالمنطق هنا
.
ـ وماذا أفعل؟

ـ أنتظر… كما يفعلون وما نفعل جميعًا.
ثم أضاف بخفة خيط:
ـ الانتظار هو الطريقة الوحيدة للتحرك وإثبات حقيقة الزمن.
أنتاب نون فجأة نوعا من الشك فيما حوله، فالتفت وسأل:

ـ هل أنت… جزء مني؟

ـ بل أنت ما تبقّى مني، يا نون
.
ـ هذا غير ممكن
.
ـ في هذا المكان، لا شيء “غير ممكن”
.
ثم اقترب منه حتى أحسّ بنَفَس خفيف يمرّ عبر جسده:

ـ أنا وعيك المهاجر، الذي وجد مكانًا آخر ليسكنه، ولكنني أعود دائما .. كما تعرف
.
ـ وهل أنا…؟

ـ أنت مجرد خطوة خلفي… كما كنت دائمًا.
تبادل الرجل والمرأة النظرات، ثم قالت المرأة:

ـ يجب أن نأخذه إلى المكتب، قبل أن يتسرب من بين أصابعنا، فالحلم بدأ يتصدع

ـ أي مكتب؟ قال نون بشبه صراخ.

فأجابه الرجل بحدة:

ـ المكتب الذي لا يعرف مكانه أحد… حتى يصل إليه.
وتحرك الجميع في مسيرة خيالية، يحركون أقدمهم بالتناوب ولكن دون أن يتقدموا أو يتأخروا خطوة واحدة، غير أن المكان كان غير مستقر على الإطلاق، كانت الممرات تتغيّر ببطء، يتحرك جدار هنا، تختفي إضاءة هناك، يُضاف باب لم يكن موجودًا. ونون يسير خلف أودرادِك الذي يشبه خيطًا يقود التائه المتردد نحو مصير لا يريد الوصول إليه.
تسائل نون
:
ـ هل سأعود؟

رد أودرادِك بلا رنين:

ـ لا أحد يعود من أحلامه يا نون…
ثم استدار وأكمل بصوت كأنه صادر من داخل نون نفسه:

ـ نحن فقط نسكنها مؤقتا.
وتابعوا السير في الممر الطويل، بينما بقي نون جالسا على حافة السرير، والممر يتوسع خلفهم كما لو كان يُكتب الآن، حرفًا بحرف، خوفًا بخوف، وعيًا بوعي، في كراسةٍ السيد نون، تسجّل كل ما يحدث… وكل ما لن يحدث. وكل ما يتبع

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقب الرابع
- عاصمة القياصرة
- عن « غباء- الذكاء الصناعي
- الذكاء الاصطناعي
- -لماذا يوجد شيء بدلًا من لاشيء؟-
- الحجرة رقم 22
- بيروقراطية المعاطف
- أودرادِك
- ثقوب المرايا
- من عبودية الإقطاع إلى عبودية الرأسمالية
- روسيا بلاد النبلاء والعبيد
- مرايا الزمن
- بلاد الثلج والقياصرة والفودكا
- معرض -تكوين- التشكيلي
- أفول العقل المطلق
- فويرباخ والإستلاب
- نهاية هيجل
- الصيرورة في الكينونة والعدم
- هيجل وعلم المنطق
- السلب والإيجاب عند هيجل


المزيد.....




- لم يتراجع شغفه بالكوميديا والأداء.. الممثل ديك فان دايك أتمّ ...
- سوريا تنعى وزير ثقافتها الأسبق رياض نعسان آغا
- -إعلان باكو- يعزز الصناعات الإبداعية في العالم الإسلامي
- -بين الطين والماء-.. معرض تركي بالقدس عن القرى الفلسطينية ال ...
- هل حُلت أزمة صلاح وليفربول بعد فيديو الفنان أحمد السقا؟
- من الديناصورات للتماسيح: حُماة العظام في النيجر يحافظون على ...
- انطلاق الدورة الـ36 من أيام قرطاج السينمائية بفيلم فلسطيني
- أيام قرطاج السينمائية تنطلق بعرض فيلم -فلسطين 36-
- بعد تجربة تمثيلية فاشلة بإسرائيل.. رونالدو يتأهب للمشاركة في ...
- نافذة على الواقع:200قصة حقيقية تُروى في مهرجان-سينما الحقيقة ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - الثقب الخامس.. اليقظة