أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - روسيا بلاد النبلاء والعبيد















المزيد.....

روسيا بلاد النبلاء والعبيد


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 14:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


193- أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
41 - روسيا بلاد النبلاء والعبيد

هناك العديد من المحللين والمؤرخين الذين حاولوا إيجاد أسباب تخلف المجتمع الروسي، في القرن التاسع عشر، وعدم قدرته على مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي، وكذلك عجزه عن مواكبة التقدم الفكري والفلسفي والسياسي كما حدث في ألمانيا وفرنسا، دون أن يتفق هؤلاء حول سبب واحد واضح يمكن تعيينه وتحليله. غير أن الأغلبية تتفق على مساهمة طبقة النبلاء الطفيلية في إستمرار هذا التخلف وعدم رغبتهم في أي تجديد من أي نوع. فهي طبقة كسولة وعاجزة وغير منتجة، تعتمد على اليد العاملة المجانية للفلاحين، ولا تهتم سوى بمصالحها الخاصة والفورية. فهي تفتقد للخيال وبعد النظر والطموح لتغيير حياتها، ناهيك عن الرغبة في إصلاح البلاد أو المجتمع الروسي المهلهل. وفي عهد القيصر نيقولاس الثاني (1881 – 1894) شكل سلطة أوتوقراطية مطلقة، واعتمد في حكمه على طبقة كبيرة من النبلاء الروس تجاوز عددهم 900 ألف، فضلاً عن جيش من الموظفين يتجاوز 500 ألف. وطبقة النبلاء هذه، هي طبقة مدجنة خاضعة بطريقة مطلقة لسلطة القيصر وتدور في فلكه بدون إرادة ومهمتها الأساسية هي "خدمة" الدولة الممثلة في ذات القيصر وعائلته. ودرجة النبل تتعلق مباشرة بخدمة الدولة، سواء في الجيش أو الإدارة الحكومية أو الإقتصاد أو أي مجال من مجالات الحياة العامة. والغريب في الأمر أن هذه الطبقة رغم تغلغلها في الجيش والإدارة والإقتصاد، إلا أنه ليس لها أي وزن يذكر في عيون القيصر وحساباته السياسية. فلم تكن في أية لحظة من تاريخها تشكل قوة مضادة أو معارضة يمكن أن يكون لها تأثير في توازن السلطات مقابل قوة القيصر. فالحكومة ذاتها المكونة من هؤلاء النبلاء، لم تكن في حقيقة الأمر سوى حكومة صورية وهيكل فارغ بدون محتوى. فالقيصر هو من يتخذ المراسيم ويصدر القرارات المهمة وليس ملزما بالرجوع إلى الحكومة أو الوزراء. وبالإضافة إلى هذه الطبقة المدجنة والخاضعة لسلطة القيصر، حفاظا على مصالحها وامتيازاتها، كانت هناك طبقة أخرى صاعدة، هي الطبقة البرجوازية، والتي بدورها كانت أكثر ضعفا وخضوعا من طبقة النبلاء، ولم تكن لها القدرة على تنظيم نفسها أو خلق أي نوع من المؤسسات أو التجمعات أو الأحزاب للدفاع عن مصالحها، مما أدى إلى شلل المجتمع الروسي بأسره شلل شبه كامل طوال سنوات طويلة حتى نهاية القرن التاسع عشر.
فالبرجوازية هي طبقة من أصحاب الأعمال والتجار والأثرياء عمومًا، ظهرت في أواخر العصور الوسطى، وفي الأصل كـ "طبقة متوسطة" بين الفلاحين المدقعين والأرستقراطيين المتخمين. وتُقابل تقليديًا بالبروليتاريا من حيث ثروتها ونفوذها السياسي ومستوى تعليمها وتناقض مصالحها، بالإضافة إلى قدرتها على الوصول إلى رأس المال الثقافي والاجتماعي والمالي والتحكم فيه. وهي الطبقة الاجتماعية التي أصبحت تمتلك وسائل الإنتاج أثناء التصنيع الحديث والتي تهتم مجتمعيًا بقيمة الملكية الخاصة والحفاظ على رأس المال وتراكمه لضمان استمرار هيمنتها الاقتصادية في المجتمع ولذلك كان عدوها الأول في البداية هو طبقة النبلاء والأريستوقراطية المحافظة.
أما طبقة الفلاحيين والتي تشكل أكثر من 90% من مجموع السكان في بداية القرن التاسع عشر، فإنها لم تكن لها إمكانية الثورة أو التمرد، حيث كان نظام العبودية والقنانة يدير الفلاحة والفلاحين التابعين لطبقة النبلاء. وفي نهاية القرن التاسع عشر، 13% فقط من الروس كانوا يعيشون في المدن، أما بقية السكان، أي غالبية الشعب الروسي، فكان يعيش في الأرياف حياة البؤس والعبودية تحت سيطرة الإقطاع وملاك الأراضي في أنحاء روسيا الشاسعة. وكان العبيد يوفرون جميع أنواع العمالة من الزراعة والحصاد وقطع الخشب والأشجار في الغابات، وأيضا بعض الأعمال الأخرى المتعلقة بالثقافة كالمسرح والموسيقى والسرك والفنون الترفيهية .. بالإضافة إلى أنهم يشكلون النسبة الكبرى لزبائن الحانات ومستهلكي الفودكا، والتي لا يسمح بتقطيرها سوى للدولة ثم للنبلاء. كان المشروب في البداية باهظ الثمن حيث تحتكر الدولة صناعته، وفي عام 1863 ألغت حكومة روسيا القيصرية احتكارها لإنتاج الفودكا واكتفت بفرض الضرائب على منتجيها فانخفض ثمنها وأصبحت مشروبًا شعبيًا متاحًا حتى للفقراء من المواطنين، حتى أنها شكلت في عام 1911 حوالي 89٪ من إجمالي المشروبات الكحولية التي تستهلك في روسيا. أصبحت الضرائب على الفودكا مصدرًا أساسيًا للتمويل الحكومي في روسيا القيصرية، إذ ساهمت في بعض الأحيان بما يصل إلى 40٪ من دخل الدولة.
وهناك إختلاف وفروق قانونية بين نظام العبودية ونظام القنانة كما عرفه المجتمع الروسي. يعتبر العبد من الناحية القانونية ملكية شخصية للنبيل الإقطاعي، ويعتبر "سلعة" يمكن لمالكها بيعها أو شراؤها أو تبادلها أو التنازل عنها أو إعدامها دون أن يكون للشخص المعني الحق في المطالبة بأي حقوق مهما كان نوعها. أما القن، من الناحية النظرية، فكان يمتلك حقوقًا قانونية، تُحددها العادات أو تُدون في القوانين. لم يكن القن ملكًا لسيد، بل تابعا لقطعة ألأرض التي يخدمها، وبالتالي كان تحت سيطرة سيد تلك الأرض. بدأت القنانة، التي انتشرت في الغرب طوال العصور الوسطى، في نهاية الإمبراطورية الرومانية، ودُوّنت منذ عام 322 بموجب مرسوم قسطنطين. وغالبًا ما كانت تنشأ في البداية عن عقد مع عمال الزراعة الفقراء. كان الأقنان عمالًا زراعيين مرتبطين قانونيًا بقطعة أرض واستغلالها، مع التزامهم بزراعة أراضٍ إقطاعية (تابعة للنبلاء أو للكنيسة). في المقابل، كان بإمكانهم زراعة قطعة أرض لمعيشتهم وأسرهم ولحسابهم الخاص، بشرط أن يدفعوا للسيد رسومًا عينية أو نقدية كل عام. ورغم أن نطاق عملهم ظل محدودًا للغاية، إلا أنهم كانوا يتمتعون بحقوق قانونية: فلا يجوز بيعهم أو طردهم، ولا زيادة أجر السخرة، وإلى حد ما، كان بإمكانهم أن يرثوا ويورثوا لأحفادهم القليل مما يمكن تملكه، مما ضمن لهم، مقابل حرمانهم من الحرية نوعا من الحماية.
على عكس أوروبا الغربية، ظهر نظام العبودية في وقت متأخر من التاريخ الروسي، في نهاية القرن الخامس عشر فقط، بينما كان الفلاحون الروس خلال العصور الوسطى يتمتعون بالحرية، بل وأكثر تحررًا نسبيًا من نظرائهم في الغرب. وقد تزامن ظهور العبودية في روسيا مع اندثارها في الغرب. ومن اللافت للنظر أن هذه الفترة، على العكس مما حدث في أوروبا، شهدت ظهور سلطة مركزية ونشأة دولة مركزية حول إمارة موسكو. من ناحية أخرى، مع ترسيخ هذه السلطة الإمبريالية الاستبدادية لنفسها، انتشر نظام العبودية وتعزز. وكلما اقتربنا من العصر الحديث، ازداد انتشار هذا النظام في روسيا بمرور الوقت، وساءت ظروف الأقنان. علاوة على ذلك، كانت الظروف القانونية للأقنان الروس مختلفة عن تلك الموجودة في الغرب، بل إنها، في بعض النواحي، كانت تقترب إلى حد بعيد من العبودية المطلقة.
منذ القرن الرابع عشر، عانت روسيا من غزوات عنيفة من قبل التتار والمغول، مما أدى إلى نزوح الفلاحين من المناطق الأكثر انكشافًا والأكثر تعرضا للغزوات. ومع ترسيخ روسيا لسيادتها وتنظيمها حول إمارة موسكو، سمح أميرها إيفان الثالث، في عام 1497، لملاك الأراضي بإجبار الفلاحين على البقاء في أراضيهم على مدار السنة، حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة والعنف. تعزز هذا التوجه في القرن السابع عشر مع حكم بوريس غودونوف، مما زاد من عدد سكان الريف الخاضعين لهذا الالتزام. بعد ذلك، وفي مواجهة العدد المتزايد من حالات فرار الفلاحين من الأراضي ومزارع النبلاء نظرا لسوء المعاملة والتعذيب والتجويع، تم تنظيم وتدوين نظام القنانة في عام 1649 من قبل القيصر ألكسندر الأول. ووسعت هذه التدابير الجديدة نطاق نظام القنانة بشكل أكبر، ليشمل جميع الأراضي الزراعية في روسيا تقريبًا، وخاصةً أكثرها خصوبة. وقد أظهر التعداد السكاني الذي أمر به بطرس الأكبر في عام 1719 أن 80% من الفلاحين كانوا أقنانًا. وعمليًا، أصبح جميع الفلاحين مطالبين بالخضوع الدائم لمالك الأرض، مع منعهم هم وأحفادهم من مغادرة العقار. وكنتيجة قانونية، حافظ النبلاء على حق بيع الأرض وما يتبعها من الفلاحين الذين يعيشون عليها. علاوة على ذلك، خلال القرن الثامن عشر، تطور الأمر بحيث أصبح متاحا للإقطاعيين بيع الأقنان بدون بيع الأرض، وأحيانًا حتى في مزاد علني، وهي ممارسة لم تكن مصرحًا بها قانونا ولكنها في نفس الوقت لم تكن محظورة. تدهورت أوضاع الفلاحين أكثر في عهد كاترين الثانية، على الرغم من كونها "نموذجًا للاستبداد المستنير" كما يدعي البعض، الذي يُزعم أنه مستوحى من أفكار عصر التنوير. اضطرت القيصرة إلى التصالح مع النبلاء وإعفائهم من الخدمة العسكرية، فعززت نفوذهم في الريف بمنحهم حق ترحيل الأقنان إلى سيبيريا (1765). ثم فرضت نظام القنانة في أوكرانيا التي احتلتها حديثًا، حيث لم يكن موجودًا حتى ذلك الحين (1783). أثارت هذه السياسة، التي تفاقمت فيها القنانة، ثورات فلاحية عديدة، وانضم الفلاحون أيضًا إلى الثورة الكبرى التي قادها المتمرد القوزاقي بوغاتشيف (1773-1775)، والتي تعتبر العنصر المحوري في رواية بوشكين "ابنة الكابتن" المنشورة سنة 1836.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا الزمن
- بلاد الثلج والقياصرة والفودكا
- معرض -تكوين- التشكيلي
- أفول العقل المطلق
- فويرباخ والإستلاب
- نهاية هيجل
- الصيرورة في الكينونة والعدم
- هيجل وعلم المنطق
- السلب والإيجاب عند هيجل
- هيجل
- الجسد معبد اللغة
- تفتت الأنا
- ميلاد الموتى
- دهاليز الروح
- سبينوزا ونهاية المغامرة
- سبينوزا وفكرة السلب
- حرية الحجر
- الجسد المثقوب
- الرصاصة والثقب
- المعطف المثقوب


المزيد.....




- إما التراجع أو مليار دولار.. ترامب يُهدد بمقاضاة BBC بسبب تع ...
- باكستان: عشرات القتلى والجرحى بانفجار خارج محكمة في إسلام آب ...
- تشابل روان تخطف الأنظار بتنورة من قصاصات الصحف الورقية
- لقاء أحمد الشرع بترامب بعدما كان مطلوبًا.. خبيران يوضحان لـC ...
- عاجل: هجوم انتحاري خارج محكمة في إسلام آباد يودي بحياة 12 شخ ...
- الدلفين ميمو يبهر البندقية لكنه يواجه خطرا في بحيرتها
- أمريكا: مجلس الشيوخ يمرّر حزمة تمويل لإنهاء الإغلاق الحكومي ...
- هل أوقف الحوثيون هجماتهم على إسرائيل والسفن بالبحر الأحمر؟
- سوريا: توازياً مع لقاء واشنطن عمل دؤوب على ملف العشائر من قب ...
- الانتخابات التشريعية في العراق، امتحان للشرعية في ظل مقاطعة ...


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - روسيا بلاد النبلاء والعبيد