أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نهاية هيجل















المزيد.....

نهاية هيجل


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 13:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


289 - أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
37 - نهاية الفلسفة وبداية الثورة

الأشياء الحقيقية والتي ندركها في حياتنا اليومية، أي الكائنات المتعينة فإن ماهيتها، هي علاقتها ببعضها البعض وهو ما يحدد هويتها وموقعها في خريطة العالم وبقية الأشياء. ويأتي هيجل بمثال ذرة الغبار التي لو أتلفت أو دُمّرت بطريقة كاملة بحيث تصبح عدما مطلقا، فإنه بالضرورة ينتج عن ذلك إنهيار العالم برمته. "الكائن المُتعين، الكائن المحدود، هو كائن يرتبط بشيء آخر؛ إنه محتوى يرتبط بالضرورة بمحتوى آخر، بالعالم ككل. وانطلاقًا من هذا الارتباط بين التحديد المتبادل للكل، استطاعت الميتافيزيقيا أن تُنتج هذا التأكيد، التوتولوجي في جوهره، بأنه إذا دُمرت حبة غبار واحدة، سينهار الكون بأكمله".. ولكن عندما "نعزل" هذه الذرة من الغبار عن العالم نظريا في معادلة منطقية، فإن إلغائها وتعديمها لن يحدث أي خلل في الوجود الفعلي للكون، سيبقى الأمر كما هو سواء كانت هذه الذرة كائنة أو معدومة.
ويذكر هيجل في "الملاحظات" أنه في بعض المجتمعات والفلسفات الشرقية، يمكن أن نلاحظ بذور هذا النوع من التحول المتبادل بين الكينونة والعدم، حيث كل ما يكون وما يوجد يحمل في طياته ومنذ ميلاده بذرة فنائه، وبالمقابل، الموت ليس نهاية وإنما مدخلا لبداية حلقة جديدة من الحياة. ويري هيجل أن هذه المعتقدات الشعبية، لا تحمل في قلبها وحدة الكينونة والعدم، أي ما يسميه بالصيرورة، أي تحول أحدهما إلى الآخر، لأن الكينونة والعدم في هذه النظرة المبسطة، يبقى كل منهما مستقل عن الآخر وكل منهما يبقى خارج الآخر، بمعنى أنهما يتتابعان أو يأتي أحدهما بعد الآخر في الزمان والمكان. ويذكر بأن بارمينيدس هو أول من ذكر الفكرة البسيطة وهي الكينونة كمطلق وكحقيقة وحيدة، وفي الشذرات المتبقية من نصه، وفي خضم حماسة الفكر الذي يدرك ذاته ويكتشف قدراته لأول مرة في تجريد مطلق، يعلن بأن "الكينونة فقط تكون والعدم لا يكون مطلقا". ولهذا السبب ربما أصبح ممكنا إعتبار بارمينيدس مؤسس الفلسفة، لأنه أرسى قواعد الكينونة بإحكام وجدية بالغة، وقوله بأن ألعدم لا يكون، كان بلا شك الخطوة الأولى لميلاد الصيرورة وإنفجار الكينونة ووتلاشيها في العدم. هذه الكينونة المطلقة المنغلقة على ذاتها والغير قادرة على أن تصير أي شيء آخر عدا ذاتها المجوفة. وكان بالضرورة أن تتحول إلى عدم ليتكون الكون والظواهر ويتمكن الفكر من ممارسة حركته التي بدونها لا يمكن للعقل إلا أن يضمر ويموت. وقول هيجل بأن الكينونة والعدم هما شيء واحد، يمكن إعتباره بداية ثانية للفلسفة، والتي لم تنته من البداية في كل مرة بداية جديدة. فلا شك أن كينونة بارمينيدس الساكنة والمطلقة كانت بداية لحركة العقل الأولية، الخطوة الأولى في الطريق الطويل نحو الوعي ثم الوجود ثم الحرية ثم المسؤولية الإنسانيه تجاه الكينونة عموما والوجود البشري بصفة خاصة، ولذلك كان لهذه الكينونة الأولية أن تغمرها الصيرورة وتتحول إلى هذا الخواء الكلي والعدم المطلق والذي بمجرد ما ينبثق يتحول مباشرة بدوره إلى نقيضه. والصيروره هي هذه الوحدة المجردة التي تحتويهما معا، والسلب والنفي والعدم الذي تتحول فيه وإليه الكينونة، ليس عاملا أو إضافة خارجية أو لأسباب خارجية، ولكنه ينبع من صميم الكينونة ذاتها، وينخرها من الداخل كضرورة أنطولوجية، أو كما قال بيكيت "أنت تعيش .. لا دواء لذلك". والفكر ذاته ينمو ويتطور بواسطة هذا السلب العدمي المتغلغل في شرايينه حسب هذا الديالكتيك الطبيعي والروحي حسب المنطق الهيجلي. فهناك حقائق مطلقة في هذا الكون كما أسماها، يعمل العقل البشري على محاولة إدراكها وفهمها، ومن هذه الحقائق الأولية، كل من المادة والوعي والعلاقة المركبة بينهما، ويحاول العقل الديالكتيكي اكتشاف تلك الحقائق والنواميس والعلاقات التي تجتاز في حقيقتها وماهيتها حدود المادة القاصرة نفسها على تفسير مثل تلك الظواهر إذا ما حاولنا فهمها بمادية مجردة. لقد رأى هيجل ان الوصول إلى الوعي من خلال المادة كما يرى الماديون هو أمر مستحيل، كما أن استخلاص المادة من الوعي، كما تقول الأديان، مستحيل بدروه. لذا نظر إلى الوعي بوصفه نتيجة للتطور السابق لجوهر أولي مطلق، كالصيرورة، يشكل وحدة مطلقة للذاتي والموضوعي مع الإحتفاظ بالتمايز بينهما. وعليه فالوحدة الأولية التي تشكل الأساس الجوهري للعالم هي وحدة الكينونة والفكر أو المادة والروح، حيث يتمايز الذاتي والموضوعي، فكريا فقط. والعدم ذاته ندركه من خلال الوعي، وما قاله بارمينيدس عن علاقة الفكر بالمادة " نفس الشيء هو الفكر والكينونة .." نجد هذه الفكرة تتجسد جدليا في حركة العقل المستمرة مرورا بمراحل فكرية وتاريخية متعددة مستعينا بوسائط لا حدود لها، حتى يتعرف "المطلق" في لحظة تاريخية معينة على نفسه كجوهر - والذي هو ذاته الموضوع في نفس الوقت. فالروح المطلقة التي تفكر وتعي ذاتها، لا يمكن أن تكون مغايرة في نهاية التطور الجدلي للكينونة المطلقة، فهي ما هو أكثر واقعية في كل الواقع، والأكثر حقيقية من كل حقيقة، فهي المطلق أو الجوهر أو الله. وهذه المثالية المطلقة والمتطرفة هي التي جعلت النظام الهيجلي برمته ينهار تحت ضربات الهيجليين أنفسهم ثم فويرباخ وماركس، حتى لينين نفسه الذي قال في تحليله لعلم المنطق " بطريقة عامة، أجبر نفسي على قراءة هيجل كمادي، هيجل هو المادية مقلوبة رأسا على عقب - حسب أنجلزـ بمعنى يجب التخلص بجزء كبير، من الله، الفكرة المحضة ومن المطلق".
أنتهت هذه المغامرة العقلية الفريدة وذلك بإنتهاء حياة هيجل ضحيةً للكوليرا. حيث بدأ وباء الكوليرا الرهيب هذا في الهند عام 1826، ثم مر عبر روسيا وبولندا وعبر ألمانيا قبل أن يجتاح باريس عام 1832 - حيث أودى بحياة شامبليون وكازيمير بيرييه وسادي كارنو، من بين آخرين - ثم عبر المانش وانتشر في المملكة المتحدة. وكان قد وصل قبل ذلك إلى بروسيا في صيف عام 1831. فشعرت برلين بالخوف، فأغلقت جميع الأماكن العامة من الأسواق والمسارح والمدارس والجامعات. ثم بدا أن العدوى قد بدأت تخف وتتراجع، فاستُعيدت الثقة، واستُؤنفت الاتصالات، وفُتحت الكنائس والمسارح. غادر شوبنهاور إلى فرانكفورت، أما هيغل، فقد بقي في برلين، مبتعدًا عن المركز كإجراء احترازي، استقر هو وعائلته بأكملها في كروزبرغ لقضاء الصيف، في حدائق غرونوف، التي كانت لا تزال خارج المدينة آنذاك، كانت الفيلا التي يسكنها ساحرة ومريحة. ومع تعليق الدروس في الجامة، مرّ وقتٌ على هيجل الذي تربّع على عرش الفلسفة الألمانية، يستمتع بوقته بين جولات التمشي، ولعب الشطرنج مع أبنائه، والكتابة والإستمتاع بالحياة الرتيبة بعيدا عن ضوضاء المدينة. وكان يعمل على وجه الخصوص، في أعداد طبعة جديدة من كتابه "المنطق". ، وفي بداية نوفمبر فتحت الجامعة وعاد إلى محاضراته، وألقي محاضرةً نموذجيةً في جامعة برلين في بداية شهر نوفمبر، وانهار بعد أربعة أيام، يوم الإثنين 14 نوفمبر 1831 حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر في بيته في برلين في الواحد والستين من عمرة. ويقال بأنه قبل موته صرح لأحد معارفه بأنه هناك شخص واحد فقط في ألمانيا تمكن من فهم فلسفته، وحتى هذا الشخص لم يفهمها فهما كاملا.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصيرورة في الكينونة والعدم
- هيجل وعلم المنطق
- السلب والإيجاب عند هيجل
- هيجل
- الجسد معبد اللغة
- تفتت الأنا
- ميلاد الموتى
- دهاليز الروح
- سبينوزا ونهاية المغامرة
- سبينوزا وفكرة السلب
- حرية الحجر
- الجسد المثقوب
- الرصاصة والثقب
- المعطف المثقوب
- اليهودي الملعون
- فيخته بين العقل والأخلاق
- إما الثورة وإما العبودية ..
- فلسفة القفزة القاتلة
- الله والذكاء الإصطناعي
- رسالة جاكوبي ضد العدمية


المزيد.....




- ستتألق مدخنتا هذه السفينة الأمريكية الأيقونية في متحف جديد ي ...
- -ضربة للجهود-.. الحكومة السورية تدين مؤتمر قسد حول اللامركزي ...
- قلق بين مستخدمي إنستاغرام من ميزة جديدة للمنصة تكشف مواقعهم ...
- القضاء الأوغندي يرفض الإفراج عن المعارض كيزا بيسيجي المعتقل ...
- -واتساب- تستحدث أدوات لحماية مستخدميها من الاحتيال
- ماذا قال الذين صوروا غزة المنكوبة من داخل طائرات المساعدات؟ ...
- تحقيق: معارضون إيرانيون دربتهم إسرائيل عطلوا دفاعات طهران ال ...
- أكسيوس: قطر وأميركا تعدان مقترحا جديدا بشأن وقف حرب غزة
- الرئاسة الفلسطينية: إسرائيل ستقضي على أمن المنطقة والعالم إذ ...
- ما يجب أن نعرفه عن القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين؟


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نهاية هيجل