أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - فويرباخ والإستلاب















المزيد.....

فويرباخ والإستلاب


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 14:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ولا شك أن الثورة الفرنسية، وكلوتز خصوصا، ساهمت مساهمة كبيرة في إندلاع حركة النقد الجذري للدين والمؤسسات الدينية ووإظهار خطورتها على المجتمع. وهي الحركة التي أنتشرت في منتصف القرن التاسع عشر كمشروع نقدي لواحد من أهم أسس الإستلاب والإغتراب للإنسان وأكبرها وهو "الدين" ونتائجه وصوره المتعددة. ويعتبر لودفيغ فويرباخ (1804-1872) من أهم هؤلاء "المخربين" للأفكار الدينية بواسطة كتابه "جوهر المسيحية" الذي حرره سنة 1839 ونشره في سنة 1841، ليساهم به في المشروع النقدي الكبير للدين والذي بدأه ديفيد شتراوس David Strauss في كتابه عن حياة يسوع La Vie de Jésus الصادر سنة 1835، وبرونو باور Bruno Bauer في نقده للاناجيل 1840 ثم ماكس شترنر Max Stirner في كتابه L Unique et sa propriété - الاوحد وخاصته - الذي نشره سنه 1844، والذي اكمل هذه السلسلة من الضربات لتقويض الفكر الديني. الذي كان حاضرا في اذهان هؤلاء الفلاسفة والمفكرين على ان الدين هو المساهم الاكبر في تدمير وتفكيك المجتمعات وإشعال الحروب وعزل المواطن وسلبه إرادته ورغبته في الحياة. ذلك أن الموضوع لم يعد ما إذا كان هذا الدين صالحا أو غيرصالح، أو البحث في ذات الله أو في التدليل على وجوده أو عدمه، بل أن المسألة هي أن هذا الوهم يجب أن يفكك ويجب أن يتحرر الإنسان من هذا الأفيون كما قال ماركس فيما بعد. فلقد كان تاريخ الاديان ماثلا امامهم بشكل عام ومسيحية القرون الوسطى المتوحشة بشكل خاص.
وتاريخ الفلسفة السياسية في هذه الفترة أثبت صحة توجهات روبسبيير "الواقعية" ضد تصورات كلوتز "النظرية" المجردة. فرغم أن فويرباخ Ludwig Feuerbach في كتابه الكبير جوهر المسيحية The Essence of Christianity -1854، كان قريبا من تصور كلوتز، حيث عمد إلى معالجة الواقع الإنساني من خلال مقولة "الاستلاب" أو الإغتراب، وانتهى إلى أن الدين بشكل عام هو إسقاط الإنسان لواقعة، لقواه الذاتية واكسابها صفة خارقة أو ميتافيزيقية، وأثبت أن الدين في النهاية هو استلاب لماهية الإنسان. وقد استخلص فيورباخ من نقده المزدوج للهيجلية وللديانة المسيحية مذهبا اجتماعيا إنسانيا يقترب من الديانة الجديدة التي دعا لها كلوتز، قوامها الغيرية والدفاع عن العلاقات الاجتماعية والإرادة وحب الإنسانية، ديانة تحقق الماهية الحقيقية للإنسان التي تتشكل من العقل ومن الإرادة. غير أن ماركس وضع الأمور في نصابها وأعطى الحق، ولو نسبيا، لروبسبيير، مركزا على نقاط الضعف في فلسفة فويرباخ المادية الذي كان يشكل ذروة اليسار الهيجلي في ذلك الوقت.
نقد فويرباخ لفلسفة هيغل أساسه نقد فكرة المطلق وتجريد العالم من واقعيته، فقد اعتبر فويرباخ ان فلسفة هيغل تركز على الماوارء المجرد، بدلا من تركيزها على العالم الواقعي الحسي. وكان هدف فويرباخ هو تحرير الفلسفة من الدوارن في حلقة مغلقة، بإعتبار ان فلسفة هيغل كانت تمر بمرحلة خداع ذاتي، لأنها اكتفت بالفكر الخالص المجرد، والغت الوجود الواقعي الحسي. فالدين كما يتصوره هيجل يمر في مساره التاريخي الجدلي بعدة مراحل، تبدأ بالديانات الشرقية القديمة مثل البوذية والزرادشتية، ومن ثم الديانة اليهودية، مرورا بالديانة اليونانية والرومانية، الى ان يصل الى الدين المطلق، والذي هو الديانة المسيحية. ويري أن الإنسان في جميع الديانات السابقة للمسيحية، يصورعلى انه مخلوق متناه ومحدود، في مقابل الله اللامتناهي واللامحدود، فهذه الديانات قامت بفصل الإنسان عن الله، اي عن المطلق، وجعلت الوصول إليه مستحيلا، مما أنتج إغتراب الإنسان عن ذاته، واستحالة وصوله للمطلق. بينما في المسيحّية، يعتبر المسيح الهاً وانساناً في نفس الوقت، فاللامتناهي المتعالي ينزل من عرشه السماوي ويدخل في منطقة المتناهي الأرضية، فيحيا حياة البشر ويتألم ويموت ثم يبعث فيعود الاها مرة أخري. أما فويرباخ فيرى ان مهمة الفلسفة في العصر الحديث، هي التخلص من المطلق المتعالي والعودة للبشر، وإدراك الله كإسقاط للفكر البشري وأنسنته، اي تحويل اللاهوت الى انثروبولوجيا وإيجاد مصدر الدين والإله في الإنسان نفسه.
يتفق ماركس مع فويرباخ في تفسيره لظاهرة اللإستلاب الديني بارجاعها الى اصل دنيوي، أي الإنسان بوصفه كائنا ارضياً مادياً. ولكنه يرى أن فويرباخ يجعل هذا الإنسان يتخارج عن ذاته ويتعالى بنفسه في عالم مثالي وهو عالم "الدين"، وذلك انطلاقاً من عالم افكاره وخياله، وليس من واقعه المادي والإجتماعي المحسوس. وهذا في نظر ماركس لدليل على ان هذا الأساس الدنيوي يحمل بداخله تناقضاً يجب حله. اذ يقول: "ينطلق فويرباخ من واقع ان الدين يجعل الإنسان غريباً عن نفسه ويشطر العالم الى عالم ديني موضوع للتمثيل، وعالم واقعي دنيوي، وأن عمله يقوم على جر العالم الديني الى قاعدته الدنيوية، وهو لا يرى أنه بعد انجاز هذا العمل يبقى الأمر الرئيسي الذي ينبغي انجازه. ذلك ان كون الأساس الدنيوي ينفصل عن ذاته ويقيم نفسه في الُسُحب كمملكة مستقلة لا يمكن تفسيره فعلا، إلا بالتمزق والتناقض الداخليين لهذا الأساس الدنيوي، يجب اذاً ان نفهم هذا الأساس الدنيوي في تناقضه". ما يمكن إستنتاجه من خلال هذا النقد هو أن ماركس يرفض ان يربط فكرة الإستلاب بعالم غيرالعالم المادي المحسوس، فما دام الإغتراب دنيوياً في الأصل فلماذا لا يبقى كذلك، إذ لا داعي لربطه باله يفوق الإنسان وقدراته المادية.
وقد كتب كارل ماركس نص قصير بعنوان "أطروحات حول فيورباخ - Theses on Feuerbach" وهو عبارة عن أحد عشر أطروحة كان اغلبها موجها لنقد فلسفه فيورباخ بغرض بناء مادية جدلية تتجاوز المثالية والمادية التجريدية. اعتبر ماركس أن كل التيارات المادية في الفلسفة، وضمنها مادية فيورباخ، كانت قاصرة بطبيعتها، إذ لم تكن تتجاوز التصور الاختباري الذي يعتبر الواقع مجرد موضوع معطى للمشاهدة المباشرة، أي أنها كانت تقيم انفصالا مطلقا بين الذات والموضوع في عملية المعرفة، ولا تعتبر "الحسية" فعالية انسانية، أي ممارسة موضوعية. رغم أن فيورباخ يعطي أهمية للحواس والتجربة المعاشة ويؤكد أهمية الموضوعات المستقلة عن الذات العارفة، لكنه توقف عند هذا الحد، ولم يتمكن من اعتبار النشاط الإنساني فاعلية عملية تشكل جوهر الإنسان الحقيقي، وانتهى به الأمر إلى اعتبار التخلص من الاستلاب مسالة نظرية، أي تغيير أفكار بأخرى، تغيير وعي بوعي أخر.
ففي الأطروحة السادسة، يقول ماركس بأن فويرباخ يختزل الجوهر الديني إلى الجوهر الإنساني. لكن الجوهر الإنساني ليس مجرد تجريد كامن في كل فرد، وإنما هو مجمل علاقاته الإقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولأنه لا ينتقد هذا الجوهر الحقيقي، فإن فويرباخ يلجأ إلى التجريد بعيداً عن السيرورة التاريخية، ويعرف الشعور الديني بمعزل عن أرضيته الاجتماعية. ومن ثم يؤكد ماركس في الأطروحة السابعة، بأن فويرباخ لا يدرك أن الشعور الديني هو تركيب اجتماعي ناتج عن العلاقات الإجتماعية المعقدة، وأن الفرد التجريدي الذي يحلله ينتمي إلى بنية اجتماعية معينة. الخلاصة، أنه لمحاربة الأفكار الدينية والقضاء على الإستلاب، لا يكفي تغيير القوانين أو الأفكار التي تسيّر المجتمع، وإنما تغيير هذا المجتمع عمليا.
«أطروحات حول فيورباخ» هي أحد عشر ملاحظة فلسفية قصيرة كتبها كارل ماركس كخطوط رئيسية للفصل الأول من كتاب الأيديولوجية الألمانية في عام 1845، ولا شك أن ماركس كان على علم بالأزمة التي مرت بالثورة الفرنسية بخصول موقفها من الكنيسة والدين عموما.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية هيجل
- الصيرورة في الكينونة والعدم
- هيجل وعلم المنطق
- السلب والإيجاب عند هيجل
- هيجل
- الجسد معبد اللغة
- تفتت الأنا
- ميلاد الموتى
- دهاليز الروح
- سبينوزا ونهاية المغامرة
- سبينوزا وفكرة السلب
- حرية الحجر
- الجسد المثقوب
- الرصاصة والثقب
- المعطف المثقوب
- اليهودي الملعون
- فيخته بين العقل والأخلاق
- إما الثورة وإما العبودية ..
- فلسفة القفزة القاتلة
- الله والذكاء الإصطناعي


المزيد.....




- أزياء جريئة وأسرار خلف الكواليس.. تايلور سويفت تحيي أسلوب را ...
- قبيل ساعات على لقاء ترامب وبوتين.. خريطة أوكرانيا وتوزيع الس ...
- عشرات النسور تجتمع على أغصان شجرة قاحلة.. ما السبب؟
- فساتين صيفيّة وشورتات مخططة وألوان حياديّة: أناقة بسيطة لميغ ...
- فيديو متداول لما حدث مع لاريجاني في لبنان.. هذه حقيقته
- أمين عام حزب الله يُلوّح بـ-معركة كربلائية- ويُحمّل الحكومة ...
- زيارة الأربعين: لماذا يتوافد الملايين إلى كربلاء؟
- ماذا نعرف عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي الذي ظهر من مع ...
- 1700 راقص يسحرون الجمهور بعروض سو-أودوري المبهرة في غرب اليا ...
- إطلاق نار واقتلاع أشجار.. هجمات واسعة للمستوطنين بالضفة تُسف ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - فويرباخ والإستلاب