نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 14:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فخامة الرئيس أحمد الشرع، رئيس الجمهورية العربية السورية:
تحية طيبة وبعد:
نتوجّه إليكم بهذه الرسالة بكل حب واحترام وحرص، ونيّة صادقة في إبداء الرأي البنّاء والنصيحة الواقعية، مستندين إلى خبرتنا الطويلة في متابعة أحداث الصراع على سوريا بشكل عام، والصراع على الساحل في أعقاب سقوط سلطة النظام البائد، و إيماننا العميق بصدق سعيكم لبناء أسس مشروع وطني سوري، و بقدرتكم على القيادة الحكيمة للشعب السوري، الذي نأمل جميعًا أن يعيش في دولة تسودها العدالة والمساواة والقانون...
سيادة الرئيس :
إذ نرحّب بزيارتكم المباركة المأمولة لمدن الساحل السوري، وسعيكم الحثيث للتواصل والتفاعل البنّاء مع جميع السوريين، أصحاب المصلحة في وحدة واستقرار سوريا ونهضتها الاقتصادية،
وإذ نعتقد أنّ حوارات السلم الأهلي والوطني الفعّالة يجب أن تُبنى على معرفة واقعية بأسباب التحدّيات الحقيقية وعلى وضع آليات ناجعة لمواجهتها،
نرجو أنّ تأخذ رؤيتكم بعين الاعتبار الوقائع والاستنتاجات التالية:
أوّلا، مقدّمة عامّة:
١ إنّ الهدف الرئيسي لقيام حوار وطني فعّال في الساحل السوري يجب أن يستهدف العلويين، ويبحث بموضوعية في أسباب المأزق التاريخي وعوامل السياق الراهنة التي وضعت رأيا عاما علويا كبيرا في تعارض مع سياسات الدولة السورية الجديدة، ويسعى لمعالجتها في إطار استراتيجية وطنية، تركّز جهودها على توفير الشروط الوطنية - الأمنية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية- لتطمين قطاع واسع من الرأي العام، يُظهر اختلاط مشاعر أبناء الطائفة بين الخوف والارتباك والتشكيك، وصلت عند البعض إلى درجة العداء، والبحث عن بدائل لا وطنية، خاصة على صعيد الشرائح المهمّشة تاريخيا وراهنا، الأكثر تضررا من سياسات سلطة الأسد اللاوطنية ومن إسقاطها، وعجزا عن إدراك حقائق الصراع على سوريا الجديدة والساحل السوري خارج منظومة الثقافة الطائفية المسيطرة!
٢ إن المجتمع العلوي جزء أصيل من الشعب السوري، وتتقاطع وتتشارك مصالح العلويين مع مصالح السوريين الوطنية في الحفاظ على مقوّمات الدولة السورية الموحّدة التي ترسّخت بعد الاستقلال السياسي.
٣ إنّ مواجهة تحدّيات السلم الأهلي المرتبطة خاصة بالمجتمعات العلوية لا تخرج عن سياق وإجراءات مواجهة التحدّيات الناتجة عن جهود قوى مشروع التقسيم، الساعية لاستغلال جميع التحدّيات التي تواجه العلويين تاريخيّا وراهنا من أجل تفشيل سياسات وجهود السلطة الجديدة، وقد كان أخطرها ما وضعته قيادات مشروع التقسيم السورية والخارجية من خطط، وما مارسته من خطوات وإجراءات لتجيير بقايا "الطائفة الأسدية" و مخاوف العلويين التي ظهرت في أعقاب التحرير، لتجييش نزاعات إنفصالية على صعيد الرأي العام، ودعم أدوات سياسية وأذرع ميليشاوية من أجل إقامة كانتون لامركزي "علوي" في الساحل السوري، وقد تكاملت مجموعة عوامل في وضع رأي عام علوي مسيطر في مواجهة السلطة، وفاقمت مشاعر العداء والتحريض السياسي والتجييش الطائفي.
٤ إنّ غالبية أبناء الطائفة، كانوا، على غرار جميع السوريين وعلى جميع الصعد والمستويات، ضحايا سياسات شبكة السيطرة الاسدية الإيرانية اللاوطنية قبل ٢٠١١، وبعده، خاصة عندما وضعت سياسات السلطة المجرمة الطائفة بكاملها في مواجهة تطلّعات السوريين الوطنية المشتركة، وحوّلت أعدادا كبيرة من شبابهم إلى ضحايا، أو أدوات قتل وتشبيح وتمزيق للنسيج الوطني السوري، وكان القاتل والقتيل ضحايا عقلية إجرامية سلطوية لا وطنية واحدة!
٥ لقد كان من الطبيعي في عواقب سياسات تحشيد طائفية انتهجتها السلطة الساقطة طيلة عقود كوسيلة للحكم، وفي ضوء المتغيرات النوعية التي أعقبت إسقاط سلطة الأسد، أن يكون " العلويون" المتضرر الأكبر على الصعيد المادّي والمعنوي، وقد خلقت عندهم ظروف إسقاط السلطة مخاوف ترتبط بأمن الطائفة ومستقبل أبنائها، وتركت عشرات الألاف من المدنيين والعسكريين دون مصدر رزق، وتحت شبح الاعتقال أو السجن أو حتى القتل في ظل غياب شروط وقوانين وإجراءات واضحة للعدالة الانتقالية وسيطرة لغة ومنطق "الانتقام" وربط الهجمات والاعتداءات الإجرامية التي شنّها بشكل علني أو غير مُعلن بقايا شبيحة سلطة الأسد، المرتبطة بقوى مشروع التقسيم ضد عناصر مؤسسات الدولة أو تستهدف مدنيين، خطفا وقتلا واغتصابا)، وتعرّض العلويون لهجمات انتقام من أفراد ومجموعات طائفية، ربطت "فلول النظام" بالطائفة، وحمّلت العلويين وزر الجرائم رغم تأكيد خطاب وتعليمات القيادة السياسية على الرحمة، وتغليب منطق الدولة، وهو ما سهّل جهود تجييش الرأي العام العلوي طائفيا من قبل جميع القوى المعادية المتضررة من نجاح مشروع السلطة الجديدة الوطني، الساعي لتوحيد البلاد ونهضتها، كهدف رئيسي بعد تحريرها.
ثانيا ، بعض المطالب:
في ضوء الوقائع السابقة، التساؤل الذي يطرح نفسه:
كيف يمكن طمأنة الرأي العام العلوي وسحب البساط من تحت أقدام فلول مشروع التقسيم؟ الإجابة على هذا التساؤل، تطرح تساؤلا إضافيا:
ماذا يريد الرأي العام العلوي؟
أغلب المطالب التي يتداولها الرأي العام العلوي بشكل عام ترتبط بقضايا إقتصادية وأمنية، وشراكة في الإدارة المحلية.
١حاجة غالبية شعبية كبيرة لتوفير متطلّبات حياة كريمة، خالية من مسببات مشاعر الخوف من الحاضر، والقلق على المستقبل، وما يرتبط بتوفير فرص عمل و طبابة....
٢ معالجة فعّالة لظروف عشرات الآلاف من عناصر وضباط مؤسسات سلطة الأسد العسكرية، الذين باتوا مهددين بسلامتهم الشخصية ولقمة عيش أسرهم، وفقدوا مصادر الدخل الحكومية، وبطاقات الهوية المدنية، رغم خضوع معظمهم لشروط التسويات الحكومية .
٣ معالجة وطنية وإنسانية لقضية "سجناء" عناصر وضباط جيش الأسد، الذين تمّ احتجازهم في أعقاب تفكيك الجيش، وفي ظل ظروف غير قتالية.
٤ مشاركة حقيقية في جميع مؤسسات الحَوكمة المحلية، الإدارية والاقتصادية والقانونية والسياسية، بما يرفع تدريجيا مشاعر الغبن والاقصاء.
ثالثا ، إجراءات في استراتيجية شاملة:
غنيّ عن البيان القول أنّ طبيعة وسائل المواجهة تفرضها شروط الصراع الراهنة.
١ إنّ استمرار ابواق التحريض السياسي ضد السلطة الجديدة والتجييش الطائفي والمكوّناتي في إطار أجندات قوى مشروع التقسيم بات يتطلّب استراتيجية مواجهة شاملة وفعالة، يساهم فيها مؤسسات الدولة الجديدة، السياسية والاعلامية والقضائية والامنية، وتعمل على كشف هويّة قواه على الصعيد السوري والخارجي ، وأدواته على صعيد الساحل ، وكيفيّة تفشيل جهودها، وما ينبغي أن تلعبه وسائل الإعلام والمراكز الثقافية والإدارات السياسية لتحشيد رأي عام علوي وطني....
٢ في ظلّ حالة التّفكّك والشعور بالخطر والعزلة التي وجدت فيها الطائفة نفسها بعد سقوط سلطة النظام البائد، قفز الكثيرون ليتنطّحوا لمهمّة التّمثيل، وكان بعض الذين اعتادوا التسلّق على ظهرها بدعم لوجستي من شبكة السيطرة الأسدية، وكان البعض عميلا لأجهزة السلطة أو صعلوكاً مقيماً في الخارج مستغلّاً آلام النّاس ومخاطباً إيّاهم بطريقة فوقية، وفي إطار أجندات قوى مشروع التقسيم الخارجية والداخلية، وقد فاقم مخاطر قضية التمثيل عدم نجاح جهود مؤسسات وأجهزة الدولة الجديدة في بلورة نخب سياسية وثقافية ومرجعية دينية، وطنية علوية، تكون عونا حقيقيا، ورافعة لجهود تعزيز شروط السلم الأهلي والأمن القومي السوري، وقد كان إشراك و الاعتماد على نخب طائفية و إنفصالية، ارتبطت بأشكال مختلفة بشبكة سيطرة سلطة الأسد الساقطة، و بأدوات مشروع التقسيم، بأنشطة الحوارات السابقة تاثيرات سلبية واضحة، شكّلت عقبات أمام جهود تشكيل رؤية وطنية لمعالجة القضايا الرئيسية!
لقد ساهم في تعزيز المشاعر المعادية للدولة الجديدة عند أبناء قرى ومدن الساحل السوري تصاعد وتائر خطاب تحريض طائفي معاد للعلويين ،ويحمّلهم وزر جرائم النظام الساقط، ومسؤولية هجمات "فلول التقسيم"، استغلّته أبواق التحريض السياسي والتجييش الطائفي ، وما حصل من مجازر في معارك السيطرة على الساحل، في ظل غياب إعلام حكومي وأصوات وطنية فاعلة، لإقناع الرأي العام العلوي بأنّهم مستهدفون لدوافع طائفية والتشكيك بصدق جهود الحكومة للتحقيق والمحاسبة ،وهو ما طرحَ تساؤلات عميقة حول المصير، وفتحَ أبواب البحث عن مظلّة حماية سياسية بديلة!
في نفس الإطار، بعد مضي أشهر عديدة، يفاقم مشاعر الخوف الجماعي والتحشيد الطائفي استمرار جرائم خطف وقتل مدنيين من الطائفة، بات الرأي العام الخاضع لوسائل التحريض يضعها في إطار سياسات طائفية ممنهجة، ويحمّل مؤسسات الدولة مسؤولية ارتكابها ، وتنجح أبواق مرتزقته في إقناع الرأي العام بخلاف ما تشير إليه طبيعة أهداف ودوافع الجرائم السياسية، وعكس ما تكشفه نتائج التحقيق الحكومية!
٤ لا يجد الحريص على السلم الأهلي صعوبة في رؤية مخاطر ضعف الثقة المتبادل بين عناصر مؤسسات السلطة الجديدة والمواطنين، او على صعيد استمرار القتلة المأجورين في ارتكاب جرائمهم دون آليات ردع حقيقية، كما حصل مؤخرا في جريمة قتل شاب على خلفية مشاركته في احتفالات النصر، وتحميل السلطة المسؤولية.
رابعا ،
اخيراً:
وكرسالة صادقة اقول:
فخامة الرئيس، غالبية العلويين لايريدون أكثر مما يتوافق مع مصالح السوريين الوطنية المشتركة، ومرجعية الإعلان الدستوري، الذي ينص على أن سورية دولة موحّدة وذات سيادة، ويؤكّد على
فصل السلطات وضمان الحريات والكرامة و مساواة المواطنين بغض النظر عن الدين أو المذهب،
و قضاء مستقل، و مجلس شعب و محكمة دستورية عليا....
ويأملون أن يشاركوا في مسارات بناء مؤسسات الدولة السورية الوطنية الموحّدة والعادلة.
عشتم، وعاشت سوريا حرّة أبية .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟