نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 13:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أكثر أخبار الأمس تفاؤلا للشعب السوري تحدّثت عن تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية سبعة وسبعين صوتا ضد اثنين وعشرين صوتا على مادّة ضمن مسودة مشروع ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية للعام ألفين وستة وعشرين تقضي بإلغاء قانون قيصر دون قيد أو شرط مع نهاية العام الحالي. لقد أوضح بعض نشطاء "المجلس السوري الأمريكي" عن تضمين القرار بندا غير ملزم، ينصّ على أنّ الكونغرس سيناقش مسألة إعادة فرض العقوبات في حال لم تحرز الحكومة السورية تقدّما في بعض البنود، لمدّة اثني عشر شهرا متتالية.
في الخطوات التالية لطي تلك الصفحة السوداء في العلاقات بين سوريا والولايات المتّحدة، سيعرض المشروع على مجلس النوّاب لاحقا، ثمّ يُحال إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوقيع عليه، ويصبح نافذا مع نهاية العام الحالي...
قبل هذه اللحظة التاريخية الفارقة بسنوات، عندما كان البعض يعمل لفرض قانون قيصر، كنتُ أرى أنّ جهودهم تضرّ بالشعب والاقتصاد السوري، لأنّ فرض عقوبات اقتصادية لم يكن ليحدّ من وسائل وأدوات نهب سلطة القتل والإجرام الأسدية، ناهيكم عن إسقاطها، و أنّ الغاية السياسية من تطبيق العقوبات لم تكن لردع سلطة الأسد عن ممارساته الإجرامية ضد السوريين بقدر ما كانت ترتبط بحاجة السلطات الأمريكية لاستخدام بعض أوراق الضغط من أجل فرض التجاوب مع سياسات الولايات المتّحدة التي كانت حينئذ تتناقض مع مصالح السوريين الوطنية المشتركة، وتسعى بشكل رئيسي بعد ٢٠١٩ لتثبيت سلطات تقسيم سوريا، عبر توفير شروط استقرار عسكري وتكامل اقتصادي بين سلطات الأمر الواقع التي كانت تتقاسم الجسد السوري ، خاصة بين سلطتي الأسد و قسد...
اليوم، وفي سياق متغيّرات نوعيّة في استراتيجية السيطرة الإقليمية الأمريكية، وفي مسارات بناء سوريا ما بعد الأسد ، وسعي السلطة السورية الناشئة لتوفير شروط نهضة اقتصادية في إطار إعادة توحيد الجغرافيا السورية و وحدة السلطة و السيادة، و الحرص على بناء علاقات خارجية متوازنة في توافق مع منظومة العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، تتغيّر طبيعة العلاقات السياسية بين الحكومتين السورية و الأمريكية، ويتراجع نهج "أوراق الضغط" لصالح تقاطع المصالح، وتكامل السياسات، وتصبح عقوبات قيصر عائقا أمام تطبيع العلاقات بين الدولتين. ضمن هذا الإطار العام، أدّى تكامل جهود الحكومة السورية الجديدة وشركائها في المنظمات السورية الأمريكية، مع الإدارة الأمريكية و أعضاء بارزين في قيادات الكونغرس إلى تحقيق الخطوة الأولى و الرئيسية على طريق طوي تلك الصفحة السوداء في العلاقات بين البلدين.
مما لاشك فيه أنّه من حقّ السوريين أن يشعروا بالسعادة، والتفاؤل، وقد أُزيح عبء ثقيل عن كاهل الاقتصاد السوري، كما من واجب السلطة الجديدة أن تعمل على تتويج هذا الانتصار السياسي والدبلوماسي السوري العظيم بخطوات عملية لتحسين شروط الانتقال السياسي المتوافق مع مصالح السوريين الوطنية في تعزيز و استكمال جهود بناء مؤسسات الدولة الوطنية الموحّدة على قاعدة المواطنة المتساوية، والقانون العادل.
١ في الخلفيات والدوافع :
في سياق متغيّرات نوعيّة في استراتيجية السيطرة الإقليمية الأمريكية، وفي مسارات بناء سوريا ما بعد الأسد ، وسعي السلطة السورية الناشئة لتوفير شروط نهضة اقتصادية في إطار إعادة توحيد الجغرافيا السورية و وحدة السلطة و السيادة، و الحرص على بناء علاقات خارجية متوازنة في توافق مع منظومة العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، تتغيّر طبيعة العلاقات السياسية بين الحكومتين السورية و الأمريكية، ويتراجع نهج "أوراق الضغط" لصالح تقاطع المصالح، وتكامل السياسات، وتصبح عقوبات قيصر عائقا أمام تطبيع العلاقات بين الدولتين. ضمن هذا الإطار العام، أدّى تكامل جهود الحكومة السورية الجديدة وشركائها في المنظمات السورية الأمريكية ، مع الإدارة الأمريكية و أعضاء بارزين في قيادات الكونغرس إلى تحقيق الخطوة الأولى و الرئيسية على طريق طوي تلك الصفحة السوداء في العلاقات بين البلدين.
٢في احتمالات تأثير الإنجاز ، على صعيد تقدّم مسارات العملية السياسية الانتقالية داخليا ، وعلى مستوى العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتّحدة، والعلاقات الخارجية عموما ، وجهود إعادة تموضع سوريا في شبكة العلاقات والمصالح الدولية؟.
على الصعيد السوري ، وبعد ستة عقود عجاف من سياسات سلطة البعث والأسد المستبدة، وما يتّسم به الوضع الاقتصادي والاجتماعي وحالة مؤسسات الدولة من عواقب سياسات الفساد والفوضى ، ندرك اهميّة هذه الخطوة النوعية في نجاح جهود وخطوات إعادة الإعمار ماديًا ومجتمعيًا، المرتبطة بخطط القيادة السياسية لتحقيق أولويات أجندات المرحلة الانتقالية المتمثّلة ب "تحقيق وحدة سوريا ونهضتها"(١).
غني عن البيان القول أن بقاء عقوبات قانون قيصر يشكّل عقبة كأداء أمام نجاح أهداف وآليات استراتيجية الدولة السورية الاقتصادية، الطامحة والساعية لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني ووضع أسسس مشروع اقتصادي مزدهر، يكون فيه لنهج جذب الاستثمارات الخارجية دورا رئيسًا في إعادة بناء الاقتصاد السوري في إطار المنظومات الاقتصادية العالمية، وبما يوفّر فرص عمل تحفظ كرامة الإنسان وتعيد الحياة لريفنا ومدننا ، وتخلق شروط استقرار سوريا ونهضتها الاقتصادية والمالية. ومع ذلك ، ومن منظور اقتصادي، قد لا يؤدّي الإلغاء إلى تعافي فوري ، لكنّه قد يكسر "حاجز الخوف" لدى المستثمرين والبنوك الإقليمية، ويفتح الباب تدريجياً أمام تطبيع المعاملات المالية وتسهيل استيراد المواد الأولية، مما قد ينعش قطاعات الطاقة والصناعات التحويلية التي ترتبط مباشرة بحاجات الناس اليومية وتساهم في تحسين مستوى وظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية .
٢على صعيد العلاقات السورية الأمريكية.
إذا كان نجاح جهود إعادة بناء علاقات شاملة مع الولايات المتّحدة الأمريكية يشكّل أبرز نجاحات سياسات الحكومة السورية الخارجية، بالتكامل مع جهود اعضاء بارزين في المنظمات " السورية الأمريكية"(٢)،فهو يعبّر في نفس الوقت عن حرص الرئيس ترامب وإدارته ، ومؤسسات الدولة الأمريكية التشريعية ، على نجاح جهود استقرار سوريا ونهضتها الاقتصادية، ويبيّن طبيعة المصالح الاقتصادية والسياسية التي يتطلّعون لبنائها مع سوريا الجديدة.
في جهود الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات عن سوريا، رسمت مداخلة السيد وزير الخارجية الأمريكي أمام أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي ملامح رؤية واشنطن ، وقد بذل جهودا كبيرة لإقناع المؤثّرين على تحديد مصير " قيصر " بمزايا نجاح العملية السياسية الانتقالية، ومخاطر فشلها في مواجهة تحدّيات خطيرة ، تطلّبت من الإدارة الإسراع في اتخاذ قرار وقف العقوبات ، وتحتاج جهود الكونغرس من أجل رفعها بشكل كامل ونهائي، موضحا ضروراتها في تحقيق أهداف واشنطن التكتيكية والاستراتيجية، المرتبطة بمستقبل سوريا والإقليم، وهي استراتيجية أمريكية جديدة تجاه سوريا والإقليم ، تربط جدليا بين نجاح العملية السياسية الانتقالية في توفير شروط استقرار دائم مع شروط قيام سلام و استقرار إقليمي، وقد كان الوزير مباشرا في تحديد طلب الإدارة، مؤكّدا على اهميّة رفع العقوبات بشكل نهائي على صعيد بناء اقتصاد سوري مزدهر، لأنّ إصدار الإدارة " إعفاء منه لمدّة ستّة أشهر، وفقا لصلاحيات الرئيس،" لن يقنع المستثمرين الأجانب بالاستثمار، ولذا فعلى الكونغرس في نهاية المطاف أن يقوم بذلك [إلغاء قيصر والقوانين الأخرى المشابهة] لنضمن أنه إذا ما التزمت [السلطات السورية] بتعهداتها فإن بوسعنا أن نخلق بيئة تسمح للقطاع الخاص بالنموّ وخلق فرص اقتصادية للشعب السوري". في نفس السياق ، أوضح الوزير روميو اهميّة رفع العقوبات في تعزيز سياسات ومصالح الولايات المتّحدة الإقليمية، مشيرا إلى العلاقة بين السوري، الخاص، والإقليمي، الأشمل، مبيّنا أنّ مآل الأمور في سورية سيكون له أثر عميق على ما سيحدث على الصعيد اللبناني والإقليمي، لانّ استقرار سوريا ولبنان "سيفتح فرصاً هائلة للسلام والأمن وإنهاء الحروب في المنطقة. إنّها مهمة ضخمة ولا شكّ، لكن الفرصة تاريخية وعلينا أن نستكشفها، وأن نرى ما إذا كان بوسعنا إنجاحها."!
مما لاشك فيه أنّه من حقّ السوريين أن يشعروا بالسعادة، والتفاؤل، وقد أُزيح عبء ثقيل عن كاهل الاقتصاد السوري، كما من واجب السلطة الجديدة أن تدرك إن إلغاء "قيصر" لن يكون عصا سحرية، بل هو مجرد مفتاح لباب كان مغلقاً، وأن النجاح في عبوره نحو التعافي يعتمد كلياً على وجود رؤية إصلاحية حقيقية قادرة على توجيه أي انفتاح قادم نحو تنمية مستدامة لايمكن أن تتحقق بما يلبّي طموحات السوريين خارج سياق خطط وخطوات توفير وتحسين شروط الانتقال السياسي بآفاقه الوطنية وبما يُعزز ويستكمل جهود بناء مؤسسات الدولة الوطنية الموحّدة على قاعدة المواطنة المتساوية، والقانون العادل.
(١)-
عملت نخبة من نشطاء " التحــالف الســوري الأمريكي للســلام والازدهار" طيلة أشهر بالتنسيق مع الحكومة السورية لإقناع أعضاء من الكونغرس ومجــلــس الشيوخ الأمريكي بعدالة مطالب السوريين لرفع العقوبات والمزايا الاقتصادية والسياسية لكلا البلدين، وقد نسّقت في هذا السياق زيارات هامّة لأعضاء بارزين في مجلسي الشيوخ والنواب إلى دمشق.
في نفس الإطار، قامت منظمة سوريون مسيحيون في الولايات المتحدة البارحة بإرسال رسالة من ٢٨ رجل دين مسيحي سوري من مختلف الطوائف المسيحية السورية إلى اعضاء الكونغرس الأمريكي في مجلس النواب و الشيوخ مطالبين بإلغاء قانون قيصر من دون أي شروط لآثاره السلبية على الشعب السوري و للسماح لسوريا بالنهوض إقتصاديا ، و قد قام موقع برايت بارت اليميني الأمريكي و المتابع من أعضاء الإدارة الأمريكية و الرئيس ترامب بنشر مقالة عن الرسالة و المطالبة بألغاء قانون قيصر .
(٢)- في اليوم التالي لمؤتمر النصر،٢٩ يناير، وفي خطابه الاوّل كرئيس للجمهورية العربية السورية، طرح الرئيس الشرع الخطوط العامة لبرنامجه السياسي، محددا الهدف المركزي والأهداف المرحلية وأدوات وآليات الحكم والنهج، وموضحا ترابط العوامل والجهود الاقتصادية والسياسية ، ومؤكّدا على أنّ العقوبات الأمريكية تشكّل أخطر التحدّيات:
إنّ "إقامة دعائم اقتصاد قوي يعيد لسوريا مكانتها الإقليمية والدولية ويوفر فرص عمل حقيقية كريمة لتحسين الظروف المعيشية واستعادة الخدمات الأساسية المفقودة"، والعمل على " بناء بنية اقتصادية تنموية تدعونا بإعادة تأسيس الموارد البشرية والزراعة والصناعة وقطاع الخدمات" يتطلّب " أن تستعيد سوريا مكانتها الدولية والإقليمية وأن تنشئ علاقاتها الخارجية على أسس الاحترام والسيادة والمصالح المشتركة".
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟