أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - فلسطين عبر التاريخ كانت وستبقى















المزيد.....


فلسطين عبر التاريخ كانت وستبقى


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 17:34
المحور: القضية الفلسطينية
    


شرع الاستشراق نشاطه الممهد للسيطرة الامبريالية في القرن التاسع عشر، وفي كنفه نشطت الدراسات التوراتية. الاستشراق والدراسات التوراتية ودراسات اللاهوت المسيحي جميعها اندفعت لغايات امبريالية، حيث استرشد جميع الباحثين بتوجهات امبريالية معادية للشعوب، خاصة ما بات يسمى الجنوب العالمي. روجت الدراسات التوراتية لمزاعم التوراة أصل حضارة أوروبا ولاختلاق دولة داود التي أذكت شعلة هذه الحضارة.
في سياق الانحياز للامبريالية أنكر خطاب الدراسات التوراتية التاريخ الفلسطيني، وفي أحسن الحالات وضعه تابعا للتأريخ الإسرائيلي. في كتاب كيث وايتلام "اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني " يبين كيف اخترعت إسرائيل القديمة عقيدة دينية لا تاريخية. يظهر وايتلام كيف افترضت تسمية الأرض السيطرة والامتلاك. اعتبرت الدراسات التوراتية حكايات التوراة من المسلمات، رغم الفشل في العثور على دلائل لها في التنقيبات الأثرية؛ تبين انها مجرد تخيل ديني -ادبي متأخر لا علاقة له بأي فترة معينة من تاريخ الأرض الحقيقي، جرى توظيفها بمعنى علماني سياسي في كل من الأبحاث الغربية والإسرائيلية. هذه الدراسات توفر أرضية لتاريخ إسرائيل، وبمثل حجم هذا الإغفال للتاريخ هناك أيضا تغييب لسكان البلد، الفلسطينيين الأصليين. الى جانب التطهير العرفي عمدت السلطات الإسرائيلية الى تغيير أسماء الأماكن، واتبعت أساليب خصائصها الأساسية قتل الذاكرة. مع الاستمرار في فترة ما بعد الاحتلال عام 1967تواصل هذه الأساليب الاستعمارية التهديد بتدمير تراث البلد الثقافي والتاريخي المتنوع..
يساجل وايتلام بقوة، مستلهما أعمال إدوارد سعيد، الاستشراق ومسالة قسطين، قائلا ان الاستشراق التوراتي المتركز على فلسطين بالتحديد كان جزءًا وامتدادا للسردية الاستشراقية المهيمنة وتصويرها في الغرب، وهي سردية كتبت من دون أي "شرقي" فاعل فيها. ركز وايتلام على ارتباطها بالامبريالية وسيلة لكشف حقيقتها المزيفة ولتحرير التاريخ الفلسطيني من قبضتها.
هذه المهمة نهض بها نور مصالحة في كتابه "فلسطين عبر أربعة ألف سنة "، ترجمه الى العربية فكتور سحاب وصدر ت الطبعة الأولى عام 2020 عن مركز دراسات الوحدة العربية، والثانية عام 2022.
يقدم نور مصالحة عرضا مختصرًا لموضوع الكتاب المكمل لموضوع كتاب وايتلام؛ يؤكد، خلافا لمزاعم الدراسات التوراتية، ان فِلَسطين هو الاسم الشائع المستخدم للبقعة الجغرافية ما بين فينيقيا ومصر عبر التاريخ القديم والحديث.
يقول نور مصالحة، من مواليد الجليل بفلسطين في المقدمة:
"هذا الكتاب يتحدى المقاربة الاستعمارية لفلسطين، والخرافة الخبيثة ارض بلا شعب. ويرى ان يُقرأ تاريخ فلسطين بأعين شعب فلسطين الأصلي. الفلسطينيون هم شعب فلسطين الأصلي؛ وجذورهم المحلية منغرسة بعمق في أرض فلسطين، وقد سبقت هويتهم الأصلية وميراثهم التاريخي بزمن طويل بروز (حركة تنوير أواخر العصر العثماني، مقدمة ل) حركة وطنية فلسطينية محلية مناهضة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني قبل الحرب العالمية الأولى، وبعدها.
الكتاب، كما يقدمه المؤلف، باستخدامه طيفا واسعا من الأدلة والشهادات والمصادر المعاصرة، يعتمد مقاربة من زوايا نظر متعددة لتاريخ فلسطين عبر الزمان، مع عدم الإشاحة عن حقائق البلد وشعبه الأصلي. والكتاب يتركز على أفكار عامة وملموسة، تمثل الخصائص التاريخية والسياسية والتجارب المعيشة لفلسطين وشعبها.
اسم فلسطين هو الأكثر شيوعا في الاستخدام منذ العصر البرونزي المتأخر (1300ق.م) حتى اليوم. وهو يرمي كذلك لأن يثبت ان اسم فلسطين كان الأكثر شيوعا واستخداما في الإدارات الرسمية، في التاريخ القديم.
يناقش الكتاب ان أسطورة غزو "الإسرائيليين " أرض كنعان، والروايات الأساسية الأخرى في العهد القديم هي مجموعة كتب وضعت عبر قرون متعددة-هي روايات خرافية غرضها التأسيس لوعي خاطئ، وليست تاريخا مؤسسا على أدلة تخدم الحقيقة وفهم الواقع. والكتاب يرى ان مناهج التاريخ الأكاديمية والمدرسية يجب ان تؤسس على وقائع تاريخية موضوعة في سياقها، وادلة ملموسة ومكتشفات أثرية وعلمية (19).
ان قصة التكوين التي روت ان موسى قاد "القبائل الإسرائيلية " من مصر الى "كنعان" هي نص أدبي متأخر لا يروي بالضرورة عن أي حقيقة تاريخية، أو أي تاريخ حقيقي مبني على أدلة. (45)
" في القرنين الماضيين نبشت آثار مصر القديمة علميا ومنهجيا (ربما أكثر من أي بلد آخر في العالم) ولم يكشف أي دليل عملي وأثري لتأكيد او دعم قصة العهد القديم هذه عن مصر؛ هذا لا يعني ان موسى لا وجود له؛ بل يعني ببساطة ان ليس ثمة دليل عملي او وقائع تؤيد إيجابيا نص سفر الخروج في العهد القديم." (46)
"هذا الكتاب يستكشف تمثيل فلسطين عبر الزمن بوصفها سبيكة من الحقائق المنظورة والمتصورة والمعيشة في البلد. والفكرة المشكلة لفلسطين مؤطرة ها هنا في إطار خمس فرضيات تتركز أيضا على مبادئ القوة الإنسانية والسياق والتجارب المعيشة" (20):
-"فلسطين وطن للشعب الأصلي وللمهاجرين، له ميراث متعدد العقائد الدينية والموروث الثقافي، وهوية ذات طبقات متراكبة عميقة الجذور في الماضي القديم.
-التعدد الثقافي في فلسطين والهوية متعددة الطبقات لدى الفلسطينيين (إفراديا وجماعيا) يجب إدراجها في سياقها المتطور، الاجتماعي والثقافي والسياسي، وفي إطار الظروف التاريخية.
-الأبعاد متعددة الثقافات في الشخصية الفلسطينية والنظام السياسي المقمش في فلسطين، مؤسسة هنا على التاريخ الحي والتجارب المعيشة لدى شعب فلسطين الأصلي والمهاجرين الذين اكتسبوا الصفة الفلسطينية في البلاد.
-النشوء الباكر للدولة في فلسطين والشرق الأدنى المحيط كان نتاج عمليات التمدن الحضري. وقد بدأت العمليات في العصر البرونزي الباكر (حوالي 3200 ق.م) ورافقها ظهور مراكز حضرية كبرى بفلسطين- أمداء حضرية اجتماعية منتظمة طبقيا- ظهرت الأبجدية السامية، وظهر المجتمع المنتظم طبقيا، وأنشئت المباني العامة والقصور والمعابد والأبراج ونظم الحصون.
يستدرك نور مصالحة، الأكاديمي والمؤرخ، عضو مركز دراسات فلسطين في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن، في كتابه، "مع وجوب احترام المعتقدات والمشاعر الدينية عند المسيحيين والمسلمين إلا ان الأبحاث النقدية والاكاديمية ومناهج التاريخ المدرسية والجامعية ينبغي ان تؤسس على البحث العلمي والمنهج النقدي والوقائع والأبحاث التاريخية والأثرية المستندة الى الأدلة عن فلسطين القديمة – لا على سرديات شاملة او توجهات دينية – عقائدية. اما اسم فلسطين فقد وجد باستمرار وبدون انقطاع في التواريخ القديمة والقروسطية والحديثة، وفي المصادر التاريخية بما فيها:
1-النقوش والكتابات المصرية القديمة والآشورية (بالاستو ، بالاشتو، بيليستو) ؛
2- في النصوص والآداب الإغريقية، خاصة كتابات المؤرخ هيرودوتس؛
3- في تقسيمات المنطقة الإدارية الرومانية والبيزنطية وفي المصادر(بالايستينا)؛
4- في المصادر العربية والإسلامية في القرون الوسطى عن فِلَسطين؛
5- في العبرية الحديثة (باليشتينا)
6-وفي جميع اللغات الأوروبية والمصادر الحديثة. فلسطين هو الاسم الأكثر تداولا منذ العصر البرونزي (1300 ق.م) وما يعد حتى العصر الحديث للإشارة الى المنطقة الجغرافية المتميزة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر ونهر الأردن ومناطق مجاورة مختلفة، وبين مصر وفيتيقيا.

يورد نور مصالحة في كتابه، "وانه لأمر حاسم انه بعد طيلة 150 عاما من الأحفار التوراتية في مدينة القدس انها تقاليد مخترعة. ربما ظهر قائد قبلي صغير في اليهودية يظهر في المصادر الآشورية في سياق القرنين الثامن والسادس ق.م، وعدم وجود مواد او أدلة عملية على "مملكة داود وسليمان الموحدة" امر معترف به عالميا تقريبا لدى علماء الآثار في الغرب، وكذلك لدى علماء الآثار في إسرائيل. خلال العقود الاربعة الماضية انهارت تاريخانية احداث التوراة عن مملكة داود نتيجة عاملين: الأدلة الأثرية العملية، والنقد الأدبي والنصي الانتقادي".
يضيف: حصل تحول النموذح في العقود الأخيرة من السنين على تاريخ فلسطين القديم والوسائل الجديدة التي يجب ان يقرأ بواسطتها هذا التاريخ. كتب زئيف هرتسوغ، أستاذ الآثار بجامعة تل أبيب ومدير معهد الآثار فيها (2005 - 2010) في مقالة نشرتها صحيفة هآرتس تحت عنوان "تفكيك اسوار أريحا":
" بعد سبعين عاما من الأحفار المكثفة في أرض إسرائيل وجد علماء الآثار ما يلي:
"أعمال الآباء الأولين أسطورية، والإسرائيليون لم يسكنوا مصر ولم يخرجوا منها، ولم يغزوا الأرض. وليس هناك أي ذكر لإمبراطورية داود وسليمان، ولا هناك مصدر للاعتقاد بإله إسرائيل. هذه الأمور باتت منذ سنين معروفة، لكن إسرائيل شعب عنيد ولا أحد يريد ان يسمع هذا".
يواصل هيرتسوغ سرديته: "هذا ما وجده علماء الأثار في أحفارهم في أرض إسرائيل: لم يكن الإسرائيليون يوما في مصر، ولم يتيهوا بالصحراء، ولم يغزوا الأرض في حملة عسكرية، ولم يسلموها لأسباط إسرائيل الإثني عشر؛ لعل ما يصعب حتى أكثر على البلع، ان مملكة داود وسليمان المتحدة، التي تصفها التوراة (العهد القديم) على أنها قوة إقليمية كانت على الأرجح مملكة قبلية صغيرة. وقد يكون صدمة غير سارة أن إله إسرائيل [يهوة] كانت له رفيقة أنثى، وأن الدين الإسرائيلي الباكر لم يعتنق التوحيد إلا في مرحلة انحسار الملكية، لا في جبل سيناء. ويتفق معظم هؤلاء الذين انخرطوا في عمل علمي في موضوعات التوراة وعلم الآثار وتاريخ الشعب اليهودي المتداخلة -الذين نزلوا يوما ما الى الميدان بحثا عن أدلة تؤيد قصة التوراة- يتفقون الآن على ان الأحداث التاريخية المتعلقة بمراحل ظهور الشعب اليهودي، تختلف جذريا عما ترويه القصة."
أصل اليهود انهم من سكان اليهودية، والاسم مشتق من يهودا، الذي يعود أصله الى القرن الثامن قبل الميلاد، ويحيل على منطقة في المرتفعات الجنوبية وسفوح الجبال والسهوب المجاورة في مرحلة ما بين أوائل القرن الثامن والقرن السادس قبل الميلاد. دُمج سكان اليهودية بمن صاروا فيما بعد يسمون "الإسرائيليين"، الذين ظهروا، كجماعة، في كتابات الآشوريين في وقت ما من العصر الحديد الثاني، في القرنين التاسع والثامن ق.م؛ لكن في نظر موسى بن ميمون لم يكن "الإسرائيليون جماعة عنصرا أو إثنية، بل جماعة دينية." وفي يهودية ما بعد سبي بابل، وعلى مدى قرون قبل موسى بن ميمون وبعده كان كون المرء يهوديا يعني الانتماء الى دين، هو الدين اليهودي. بدا هذا يتغير في القرن التاسع عشر بتأثير النظريات العنصرية الأوروبية والداروينية الاجتماعية حين اختراع تعريف اليهودي ليغدو عنصرية. وبعد الهولوكوست اعيد اختراع كون المرء يهوديا من جديد في إثنية مفردة، جمعت الفلاشا مع يهود العراق واليهود الروس. انتزع اليهود العراقيون وفي فلسطين من أصلهم العربي، جزءا لا يتجزأ من الشعب لتدمر العلاقة العرقية على أيدي الصهيونيين. (42)
فلسطين كانت كيانا متعدد العقائد، متعدد الآلهة آلاف السنين؛ تنوع الثقافات والأديان في فلسطين هو أحد عناصر خصائصها لفتا للانتباه. كان هيرودوتس، وهو يكتب في القرن الخامس ق.م أول مؤرخ يصف بحيوية بلدا متعدد العقائد الدينية، يقع طبيعيا، (جغرافيا) بين فينيقيا ومصر، ويلاحظ وجود منطقة جغرافية سماها بالاستينه، كانت أكبر من فلستيا القديمة. الحفريات الأثرية في فلستيا خاصة، التي هي عنصر مركزي في الطرائق التي ينظر بها لفهم التاريخ القديم وتراث فلسطين، وتدريسهما بالجامعات والمدارس الغربية، تؤكد رواية هيرودوتس عن فلسطين متعددة الآلهة، وتناقض السرديات الكبرى في العهد القديم. تدرّج الانتقال الى عقيدة التوحيد، والإيمان الصارم بإله واحد مع ظهور الإسلام.
يرى هيرتسوغ ان علم آثار فلسطين قد اتم عملية ترقى الى مستوى الثورة العلمية في حقله علم آثار -الذي صار ميدانا علميا مهنيا مستقلا له خلاصاته وملاحظاته الخاصة -يوفر لنا صورة عن حقيقة لفلسطين القديمة، مختلفة تماما عن تلك التي جاء وصفها في العهد القديم. لم يعد علم الآثار لفلسطين بعد الآن يستخدم العهد القديم مرجعا أو مصدرا تاريخيا؛ وعلم الآثار التوراتي لم يعد هو النموذج المسيطر في علم آثار فلسطين. واليوم بعد 150 عاما من التنقيبات لم يعد القليل جدا من علماء الآثار والمؤرخين في الغرب الذين يتناولون هذه القصص بحرفيتها، او على انها وقائع تاريخية حقيقية.
يقرر مصالحه:" غالبا ما يكون التاريخ والذاكرة الجماعية نسيجا من الأقاصيص حيكت على أيدي النخب الاجتماعية مع تجاهل أصوات الناس العاديين وبعيدا عن الرواية الذاتية على لسان المقموعين، المستعمَرين المحليين والمهمشين. الكثير من تواريخ فلسطين كتبها نخب نافذة ومن هم في خدمة الغزاة والمستعمرين. واليوم ثمة ثلاث أنماط من الكتابات عن فلسطين متأثرة بتقاليد ثلاثة: (36)
" جغرافيا الكتاب المقدس [التوراة والإنجيل والكتابات الإسرائيلية الاستيطانية الاستعمارية]؛ سرديات التواريخ الجديدة في إسرائيل التي يعامل فيها التاريخ الفلسطيني وكأنه مجرد ملحق بإسرائيل الحديثة؛
كتابات الباحثين المحليين وكتابات تناهض الاستعمار كما احياها تاريخ فلسطين والكتابات الكلاسيكية لإدوارد سعيد وفرانز فانون عن المستعمِر والمستعمَر؛
الكتابات الاستشراقية التوراتية والاستعمارية، الفها كنُّاب الجغرافيا الغربيون او الصهيونيون الإسرائيليون والتوراتيون عن الذاكرة الجماعية، بالوكالة عن نخب اجتماعية نافذة، بالإضافة الى حوليات الامبراطوريات والغزوات الإمبريالية او حوليات السلالات الحاكمة الرومانية والعثمانية والبريطانية.
في مقالة شهيرة تشرها إدوارد سعيد بالأهرام عام 1998 عنوانها "تاريخ جديد أفكار قديمة " تحدى "التواريخ الجديدة" للصهيونية وإسرائيل.، والتي حاولت ان تخلق توازيا مصطنعا بين المستعمِر "إسرائيل" والمستعمََر فلسطين. (37)
المسيحيون الإنجيليون والصهيونيون (لمسيحيون واليهود على السواء) يواصلون قراءة قصص التوراة حرفيا، بينما الأكاديميون في التيار الغالب اليوم الذين يدرسون العهد القديم والدراسات التوراتية في الغرب، يميلون الى تناول هذه القصص مجازيا ورمزيا، او على انها "ادب مقدس" او نصوص "مقدسة". اما المؤرخون وعلماء الآثار فيتناولونها أنثروبولوجيا، أي كونها ادب وذاكرة اجتماعية تطورت عبر قرون متعددة لا على انها تاريخ دقيق فعلي. رغم ذلك فما زال الصهيونيون وأعوانهم يتمسكون بمقولة "أرض إسرائيل."
. أطلقت اسم "أرض إسرائيل" على فلسطين، علما ان التسمية المدعاة لم تكن معروفة قبل قيام الصهيونية. على سبيل المثال لم يرد التعبير، "أرض إسرائيل"، في أنشطة صندوق اكتشاف فلسطين، الذي أسسته بريطانيا ونشط في فلسطين في القرن التاسع عشر. "كانت اهم أغراض الصندوق واضحة من نشر الأسماء والأماكن في العهدين القديم والجديد والأبوكريفا، مع تسمياتها الحديثة. أ ثناء الانتداب قررت السلطات جمع المعلومات عن أسماء الأماكن من السكان الفلسطينيين المحليين. "العودات الكثيرة" للصهيونية لم تتجسد فقط في هوس "العودة الى التاريخ" لدى المستوطنين الأوروبيين الذين جاءوا ليستردوا الأرض، بل كانت أيضا متمثلة في محو شعب فلسطين الأصلي وعدم وجوده والاقتلاع الجسدي الفعلي للفلسطينيين وفصلهم "عن التاريخ". (مصالحة (71)
بعد إنشاء الدولة باتت إعادة تسمية الأماكن سلاحا أساسيا في استراتيجيات القومية الصهيونية الاستيطانية- الاستعمارية، والتحول التوراتي والعبرنة والتهويد، التي حاولت فصل الفلسطينيين عن تاريخ البلاد. التركيز لم يقتصر على سلب الأرض والتطهير العرقي للسكان الأصليين بل في مساعي تحويل الذات الى سكان أصليين والى شعب قديم والتحول الى توراتيين وعبرانيين إضافة الى تهويد الأرض. (72)
أسماء الأماكن في فلسطين مستمدة من طيف واسع من المصادر الفينيقية والفلستية والآرامية والإغريقية والعبرية والعربية- وهي أسماء أماكن تمثل هوية فلسطين الثقافية متعددة الشرائح. (64)
اقتصار الشام على سوريا أضاف المزيد من اللبس؛ الشام تضم فلسطين وسوريا ولبنان والجزء الجنوبي من تركيا. هذا ما ركز عليه الجغرافيون العرب في القرون الوسطى. تحت الحكم العربي الإسلامي تحول الاسم الى فِلَسطين في اللغة العربية والولاية جند فلسطين، جزءًا من بلاد الشام. (23)
التمييز بين فلسطين البلد وفلسطين الوطن ينبغي ان يظل في الذهن حين نفكر في ان بعض مؤرخي الوطنية الفلسطينية المعاصرين صرفوا النظر عن الروابط بين الأرض والبلد، وهي روابط كانت واضحة في أعمال الباحثين والمؤرخين الفلسطينيين الإسلاميين بين القرنين العاشر والسابع عشر، أمثال المقدسي ومجير الدين العلمي (حوالي 1495) وخير الدين الرملي (1585- 1671) وصالح التُمرتاشي؛ وإعادة تصور فلسطين في الوطنية المحلية الفلسطينية المعاصرة. ابدى هؤلاء مفهوم الانتماء الى هوية فلسطينية محلية، وأعربوا عن الافتخار بها، مع ان ذلك كان ضمن سياق تعدد الهويات لدى الفلسطينيين في ذلك الوقت (ومنها هوية دينية ومحلية. (26)
جميع الكتاب في العصر الوسيط وضعوا لنا أدبيات غنية مع وصف موسع لمقاطعة فلسطين الإدارية العربية المحلية في القرون الوسطى. هناك تمييز بين تلك الأدبيات والهوية الوطنية الناشئة أواخر العصر العثماني على أيدي خليل بيدس وخليل السكاكيني وروحي الخالدي وغيرهم. الوعي المؤسس محليا في فلسطين بوصفها ولاية / بلاداً عربية متميزة، مع كون اللغة العربية والإسلامية علامات فارقة فيها، هو أمر واضح أيضا في اعمال المقدسي والعلمي والرملي والتمرتاسي(من غزة). (27) تبلورت الوطنية الفلسطينية في عهد الانتداب بوصفها الحيز الإقليمي للوطنية الفلسطينية. كان لجغرافيا الوطنية الفلسطينية، السياسية والثقافية، أثر كبير في تطور مفهوم فلسطين الجيوسياسي المعاصر. (28)
الوطنية والهوية الفلسطينية، كالوطنيات والهويات الأخرى ظواهر حديثة. ونظرا للبعد التاريخي لفلسطين في القدم فقد أنتج ذلك أشكالا من الوعي المستند الى المكان. نجد الوعي المستند الى المكان باديا في أعمال أربعة كتاب ومؤرخين فلسطينيين، العلمي والرملي والتمرتاشي والمقدسي، وكذلك في سجلات المحكمة الشرعية بالقدس في القرنين 18 و19. استخدم الرملي تعبير البلد او بلادنا، شأن الفلسطينيين اليوم. (29)
هوية فلسطين متعددة الأنسجة ومتنوعة التطريز لا علاقة لها البتة بالصراع الفلسطيني- الصهيوني. تاريخ فلسطين عبر آلاف السنين لا يمكن ان يعامل على انه ملحق بالصراع الفلسطيني- الصهيوني، او انه تفرع عن الجدال حول سياسات الهوية في فلسطين – إسرائيل. (31)
من الحقيقي والملموس والتاريخي والفعلي يمكن إدراك المفاهيم على نحو أفضل، من المراقبة والتجارب، الى المفهوم، من الخاص الى العام؛ كتاب الصهيونية يقزمون فلسطين (إذ يغيرون الأسماء ويشطبون تاريخ فلسطين متعدد التجارب والعلاقات مع الوسط المحيط) ويستخفون بكون التجارب المفهومية لفلسطين متجذرة عميقا في الماضي البعيد.
اسم فلسطين راسخ بعمق في الماضي القديم منذ العصر البرونزي المتأخر. يظهر الاسم في الكثير من المصادر المختلفة عن الشرق الأدنى القديم في آخر 3300 عام. استعمل الاسم قدماء المصريين والآشوريون والكتاب الكلاسيكيون الإغريق والرومان والبيزنطيون المسيحيون وعرب القرون الوسطى. ويظهر اسم فلسطين واضحا قي ما لا يحصى من الكتابات والتواريخ وخرائط العالم والتواريخ الكنسية والحوليات والرسائل والنقود والموسوعات، منذ أواخر العصور الكلاسيكية والعصور الوسطى وحتى التاريخ الحديث. اسم باليستاين الإنجليزي مشتق من الاسم الفرنسي القديم فلٍستين المستمد من اللاتينية الكلاسيكية ِ فِليستينوس الذي بدوره تفرع من الإغريقية الكلاسيكية المتأخرة فليستينوي.(34)
من زاوية التطور يتبين ان تصور الألوهية من التعدد الى التوحيد "التوحيد التعددي"(إله الآلهة) الى التوحيد الصارم قد تطور من داخل الثقافات المحلية بفلسطين القديمة والشرق الأدنى المحيط، ولكن بتأثير من أشكال التهلين في المناطق. (44) كان بالإمكان العثور على الكثير من مظاهر تعدد الآلهة والمعابد الوثنية في فلسطين في أواخر العصور القديمة – مثلا أواخر القرن الخامس – أي بعد ألف عام من زيارة هيرودوتس للبلاد. (45)
السرديات التوراتية هي تخيلات أدبية وتكييف لاهوت، وذاكرة معتمدة رسميا وليست تاريخا؛ استنبطت قصصها وسردياتها من الحكمة التقليدية التي انتجت وانتشرت بواسطة النخب المتعلمة وصناع الرأي في ذلك الزمان؛ قد تحتوي او لا تحتوي على حوادث واقعية. والكثير من الأبحاث الحديثة عن العهد القديم تركز على حكمته البابلية المعاد خلقها. لكن بوضوح كُيفت الذاكرة الدينية الإغريقية والتخيل والتصورات الهلينية في قصص العهد القديم. لا ينبغي الاستخفاف بأثر الهلينية (التهلن) في الخيال الأدبي، والتصورات في العهد القديم وتمثيل الإلهي في عصر ما بعد الاسكندر. زيوس إله الآلهة. (40)
المعتقدات المسيحية المعقدة واحد في ثلاثة او الإله ابن مريم دفعت موسى بن ميمون (ميمونيدس1138-1204) الى مناقضة حادة عند المقابلة بنقاء التوحيد بالإسلام وبساطته في العصور الوسطى. وتحت تأثير التوحيد الصارم ووحدانية الله في القرآن الكريم آمن موسى بن ميمون بأن التثليث يزعزع التوحيد الحقيقي. في العصر الحديث آمن المستشرق الإسكتلندي، مونتغمري وات، بأن "الثلاثة في واحد ليسوا "ثلاثة أشخاص مختلفين في طبيعة واحدة "، بل ثلاث صفات أو ثلاثة وجوه او أسماء لإله واحد. لما كان موسى بن ميمون يهوديا عربيا فإن لرؤيته لليهودية علاقة غير مرتبطة بفكرتي العنصر والإثنية الحديثتين. رؤيته لليهودية كانت على علاقة وثيقة بالرؤية المتعددة الثقافات في هوية فلسطين التاريخية.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اضطرابات الشرق الأوسط ومأساة تقرير لجنة كينغ-كراين
- هل ثمة آمال معلقة على مصادقة مجلس الأمن على خطة ترمب؟
- جهود محمومة لتثبيت حدود إسرائيل التوراتية
- مغالطات عن الإسلام يسوّغ الغرب بها مغامراته العدوانية -2
- مغالطات عن الإسلام يسوّغ الغرب بها مغامراته العدوانية
- كاتبة اميركية تفضح خدع إسرائيل
- مآلات وردود أفعال غير محسوبة لحروب التوسع والإلحاق
- هل إسرائيل على حافة انهيار؟ تساءل المؤرخ الإسرائيلي إيلان با ...
- إسرائيل مسلسل حروب وشواحن كراهية وتمييز عنصري
- إرادة لا تُقهر: انتصار روح غزة على عمارة الإبادة الجماعية
- ميلّر مايسترو بروباغاندا الفاشية بإدارة ترمي
- هل أجهزت حرب الإبادة على القانون الدولي كذلك؟
- دولة العدوان تكرر لفنزويلا ما اقترفته ضد العراق
- إدارة ترمب تضطهد منتقدي إسرائيل ، خاصة الأساتذة والطلبة بالج ...
- يتكئون على الدعم الأمريكي:شارون و بوش الابن مثالا
- بين نارين على طريق الآلام
- صفقة ترامب جريمة حرب
- -لن يتكرر أبدا- لشعوب المعمورة كافة
- مكائد صهيو أمبريالية لتصفية الأنروا
- استغلال الاغتيال لفرض الفاشية ممارسة هتلر وموسوليني والآن تر ...


المزيد.....




- مسؤولة إماراتية: ملتزمون بهدنة إنسانية في السودان لكن لا نري ...
- بلغاريا تغلي: احتجاجات واسعة ضد الفساد وغضب شعبي ينصبّ على ا ...
- لماذا يجب على أوروبا تطوير منظومة -قبة ذهبية- خاصة بها؟
- ميرتس: واشنطن ملتزمة بخطة نشر الصواريخ في ألمانيا
- وثائق رُفعت عنها السرية: وكالة الاستخبارات الأمريكية حاولت ت ...
- رئيس وزراء بلغاريا يقدم استقالة حكومته تحت ضغط تظاهرات حاشدة ...
- -أوبن إيه آي- تحذر: نماذجنا قد تمثل خطرا سيبرانيا كبيرا
- إريتريا تفرج عن 13 معتقلا بعد 18 عاما من الحبس
- مجلس السلام.. آلية دولية برعاية ترامب لإدارة شؤون قطاع غزة
- توم براك: أميركا لا تزال ترى دورا للجيش التركي على الأرض في ...


المزيد.....

- قراءة في وثائق وقف الحرب في قطاع غزة / معتصم حمادة
- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - فلسطين عبر التاريخ كانت وستبقى