|
|
هل إسرائيل على حافة انهيار؟ تساءل المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 09:58
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
قدر الحروب.. حتمية النصدعات والتجريف لداخلي
إسرائيل والولايات المتحدة تنسقان الجهود لتطويع المنطقة لمشيئتهما. حكومة نتنياهو مفوضة بإشعال الحروب والفتن الداخلية، ومن ثم العودة من جديد للإبادة الجماعية في غزة وربما بالضفة كذلك. فلا يمكن وقف التجاوزات العدوانية لحكومة نتنتنياهو بغير التطبيقُ الصارم للقانون الدولي، والمساءلة الحقيقية، والضغوط الدولية المستمرة وإنزال العقوبات . بالنظر إلى تاريخ الدعم الأمريكي - وبالتالي الغربي - الأعمى، طالما شعرت إسرائيل بأنها أكبر بكثير من حجمها. في الواقع، تم تحديد قوة إسرائيل المتصورة تاريخيًا من خلال الدعم غير المشروط من جانب الولايات المتحدة ودول المنظومة الامبريالية. ساهم الاتحاد الأوروبي وألمانيا على وجه الخصوص، في دعم الاحتلال الإسرائيلي، وانتهاكاته للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان، ثم الإبادة الجماعية. فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية في غزة، تدخلت الولايات المتحدة بـ"صفقة غزة"، ليس من اجل فرض السلام. خاطب ترامب نتنياهو: "كان عليه أن يتوقف لأن العالم سيوقفه"، مضيفًا: "كما تعلمون، كنت أرى ما يحدث... وكانت إسرائيل تفقد شعبيتها بشدة... بيبي، لا يمكنك محاربة العالم... العالم ضدك. وإسرائيل مكان صغير جدًا مقارنة بالعالم. الح ترامب الى إنقاذ إسرائيل من عزلتها ومن المساءلة عن جرائمها. تباطأ القصف مؤقتًا في غزة، فتصاعد العنف بالفعل في الضفة الغربية المحتلة. إدارة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة ترمي الى إبقاء مستقبل المنطقة بأيدي الائتلاف الصهيو امبريالي. غير ان تصرفات إسرائيل الراهنة من شانها ان تطلق تداعيات تفضي الى انهيارها / كما يرى المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه في كتابه الجديد بعنوان "هل إسرائيل على حافة الانهيار ؟" كما في السابق، تُحمّل الولايات المتحدة أوروبا والدول الغربية مسؤولية دفع ثمن الدمار الذي أحدثته الأسلحة الأمريكية والجنود الإسرائيليون في الأراضي المحتلة. وقد أعلنت برلين بالفعل أنها ستقدم 200 مليون يورو كمساعدات طارئة لغزة. تشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تبلغ حوالي 80 مليار دولار. لكن هذه التكلفة قد تكون أعلى بكثير. ويُشكك بشدة في إمكانية جمع هذه المبالغ ودفعها في نهاية المطاف، حتى مع تقديم وعود سخية. فالميزانيات في الدول الأوروبية والعربية محدودة للغاية، كما يواجه الاتحاد الأوروبي تكاليف إعادة إعمار هائلة تتجاوز تريليون يورو في أوكرانيا. كما أن تجارب الماضي لا تبعث على التفاؤل. فعلى وجه الخصوص، بعد الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، التي أسفرت عن مقتل 2000 فلسطيني وتدمير 17 ألف منزل، وعدت دول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي بتقديم 3.5 مليار دولار لإعادة الإعمار ونحو ملياري دولار لميزانية السلطة الفلسطينية، وذلك في مؤتمر عُقد بالقاهرة. لكن خلال الأشهر القليلة التالية، لم تصل أي أموال تقريبًا. وبعد أربع سنوات، عندما قُصِفت غزة مرة أخرى عام 2021، كان العديد من المباني التي دُمرت في الهجمات الإسرائيلية السابقة لا تزال في حالة خراب. عرض بابه النقاط الرئيسة لكتابه الجديد في حوار مع صحفي التقصي الأمريكي، كريس هيدجز. مع كريس قدم الديناميات التي تجعله يتوقع أن "المشروع الصهيوني سوف ينهار أمام أعيننا"، تقوده الى حتفه الصهيونية الدينية القابضة على زمام الأمور بالدولة الصهيونية. توقعات بابه ان السقوط المحتمل لإسرائيل قد يأتي إما على شاكلة نهاية جنوب فيتنام، أي محو دولة بالكامل، أو كجنوب أفريقيا، أي سقوط نظام أيديولوجي معين واستبداله بآخر. يقول باله، "أعتقد أنه في حالة إسرائيل، ستتكشف عناصر كلا السيناريوهين بأسرع مما يستطيع الكثيرون منا استيعابه أو الاستعداد له." يرى تعافب التداعيات غير الكمظورة حسب عمل طاولة البلياردو. بابه مؤلف كتاب " التطهير العرقي في فلسطين، وكتاب "أكبر سجن بالعالم "يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع إثر عدوان حزيران 1967، وغايته -الاحتلال- وضع الشعب الفلسطيني في سجن يحول دون الاضطلاع بدور ما في تقرير مستقبله وعزله عن بعده الاستراتيجي من خلال إحكام القبضة الصهيو أمبريالية على مقدرات المنطقة. المؤرخ والأكاديمي على يقين من ان نهج إسرائيل سوف يفضي بها الى الانهيار. يُعرّف حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة الحالية بأنها صهيونية جديدة، دولة يهودا الدينية المتعصبة، لا تعادي الفلسطينيين فقط، بل واليهود العلمانيين كذلك. تخلت هذه الدولة الصهيونية الجديدة عن النهج التدريجي، أي التطهير العرقي البطيء للفلسطينيين، الذي ميّز الحكومات الصهيونية السابقة، وتستخدم الإبادة الجماعية سلاحًا لإفراغ قطاع غزة من الفلسطينيين، وربما الضفة الغربية قريبًا. يديرها مستوطنون يهود متعصبون، يعيش 750 ألفًا منهم في الضفة الغربية، تدمج الصهيونية الدينية باليهودية الأرثوذكسية، وتسعى إلى إقامة إمبراطورية إسرائيلية تُهيمن على جيرانها العرب، وخاصة لبنان والأردن وسوريا. الى جانب تهجير الفلسطينيين تحث دولة يهودا الخطى لتهجير العلمانيين؛ وهذا، كما يتنبأ بابه، يعني أن إسرائيل ستتصدع في النهاية، مما يجعلها غير مستدامة. وفي الوقت نفسه، مع تفكك الإمبراطورية الأمريكية، وهي عملية تسارعت بسبب عدم كفاءة إدارة ترامب وفسادها، فإن الركيزة الأساسية لدعم إسرائيل ستتآكل، مما يجبر الولايات المتحدة على التقشف، بما في ذلك في الشرق الأوسط. ماذا يعني انهيار إسرائيل للإسرائيليين والفلسطينيين والشرق الأوسط؟ هل سيكون من الممكن استبدال إسرائيل بدولة علمانية، يتمتع فيها الفلسطينيون بحقوق متساوية مع الإسرائيليين، دولة الصوت الواحد للشخص الواحد؟ أم تضمر إسرائيل إلى ثيوقراطية استبدادية، مع فرار نخبتها العلمانية المتعلمة من البلاد وتفكك اقتصادها تحت وطأة الهجوم؟ الأمر لا يتعلق حتى بقيادة حماس. لقد هاجم فريق التفاوض على أمل أن يؤدي ذلك إلى وضع تصبح فيه المفاوضات غير قابلة للنجاح. فشل الهجوم نفسه. بصدد العدوان على قطر تساءل هيجز : الم يكن بالإمكان قراءة أنظمة الرادار، وتتبع اقتراب الطائرات الحربية الإسرائيلية؟ يوافقه بابه: أعتقد أن هذه محاولة للتستر على ما حدث بالفعل. ففي النهاية، الأمر لا يقتصر على وجود أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط في قطر، بل هناك أيضًا القيادة العليا للمنطقة بأكملها، القيادة العليا الأمريكية للمنطقة بأكملها في قطر. ما كان لسلاح الجو الإسرائيلي أن يرسل طائرة واحدة إلى ذلك المجال الجوي دون إبلاغ مقر القيادة في قطر على الأقل. البُعد الآخر هو الشعور المتغطرس بأنهم الآن القوة الحقيقية في المنطقة، وهو ما يتوافق تمامًا مع هذه الرؤية المسيحية الصهيونية الجديدة لإعادة بناء مملكة إسرائيل القديمة التي قرأوا عنها في العهد القديم، في الكتاب المقدس، معتقدين أنهم قادرون الآن على إعادة بنائها بنفس القوة والنفوذ. في مرحلة ما، لن يكون من السهل على الأمريكيين التوفيق بين هذا النوع من السياسة المغامرة. إنها تنجح حتى الآن بسبب ضعف الحكومات العربية، وانعدام احترام الذات والكرامة. لكنهم قد يجدون يومًا ما أن هذا الأمر يفوق قدرتهم على التحمل. ثم إن هذه اللعبة الأمريكية برمتها، المتمثلة في التوفيق بين مصلحتين مختلفتين للولايات المتحدة في المنطقة، قد لا يكون هذا التوازن ممكنًا في المستقبل.
إعادة بناء المملكة التوراتبة ..ألإيديولوجيا أولا يما نسميه حرب الأيام الستة، احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى جانب مرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء. وداخل الضفة الغربية، التي اعتبرتها مجموعة من الأيديولوجيين والجماعات السياسية الإسرائيلية اليمينية أرض إسرائيل القديمة، نشأت بنية تحتية أيديولوجية معينة. في البداية، كانت هذه البنية هامشية للغاية، ولم يكن لها تأثير يُذكر على السياسة الإسرائيلية. ولكن بمجرد أن أنهى الليكود، بقيادة مناحيم بيغن عام 1977، هيمنة أو سيطرة حزب العمال الصهيوني على السياسة الإسرائيلية والصهيونية، أصبح الليكوديون ،الأيديولوجيون، أكثر نفوذاً وبدأوا في التطور من خلال مراكز التعلم، ومن خلال كتابات حاخاماتهم ومعلميهم، وهو نوع من الأدب الذي كان أيديولوجياً للغاية في طبيعته وفسر واقع السبعينيات والثمانينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين كلحظة تاريخية ضخمة في حياة الشعب اليهودي، حيث ستعود إسرائيل التوراتية القديمة وستتم إعادة تمثيل أيام العصر الذهبي والفترة المجيدة من الماضي. الليكوديون أقرب للمحافظين الجدد بالولايات المتحدة، وإليهم، ونتنياهو بالذات، تسند مهمة إنجاز اهداف الامبريالية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. يشير هيدجز، في هذا الصدد، قال المُنظّرون، لا بد من تحقيق أمرين. أولًا، يجب أن تكون هناك سيادة على كامل إسرائيل القديمة، أي على كامل فلسطين التاريخية، إسرائيل، الضفة الغربية، وقطاع غزة. ثانيًا، يجب الحفاظ على نظام ثيوقراطي. ولذلك، لم تكن المشكلة مجرد وجود هذا العدد الكبير من الفلسطينيين في تلك المملكة الجديدة المنشودة، بل أيضًا وجود يهود علمانيين خدموا غرضًا تاريخيًا معينًا في نظرهم، لكنهم استنفدوا دورهم التاريخي بالفعل، وبالتالي، كانوا أيضًا عائقًا أمام إعادة بناء المملكة التوراتية المجيدة التي قرأوا عنها في العهد القديم. والآن، من مجموعة هامشية في السبعينيات والثمانينيات، أصبحوا قوة سياسية مؤثرة لأنهم نجحوا في تمهيد الطريق للشرائح الأكثر فقرًا في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، وخاصة بين الجيلين الثاني والثالث من يهود شمال إفريقيا والعراق الذين عاشوا في الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى، في مدن التطوير سيئة السمعة في إسرائيل، التي كانت تفتقر إلى البنى التحتية الاقتصادية والتعليمية والمهنية المناسبة. وقد تم تجنيدهم بسهولة تامة للأيديولوجيا الدينية، وكانت طريقة معيشتهم على أي حال تقليدية للغاية وأكثر تدينًا بكثير من طريقة عيش اليهود العلمانيين. هكذا أصبحوا قوة هائلة، وقد رأينا ذلك بالفعل في الانتخابات خلال فترة جائحة كورونا. ولكن جاءت لحظة ذروتهم في نوفمبر 2022 عندما قرر نتنياهو، بكل مشاكله، التحالف مع ائتلاف دولة يهودا، وكان على استعداد لمنحهم أي شيء يريدونه من أجل البقاء في السلطة. وهذا يعني منحهم وزارة الداخلية، ما سيكون في أمريكا، وزارة الأمن الداخلي، ومنصبًا قويًا داخل وزارتي الدفاع والمالية، ولكن الأهم من ذلك السماح لهم بشغل مناصب عليا ومهمة في الشرطة والجيش وجهاز الخدمة السرية. وهكذا أصبح لديهم الآن قبضة قوية جدًا على دولة إسرائيل ككل، الدولة التي ينظرون إليها، دولة يهودا تبتلع، دولة إسرائيل. من اللافت للنظر أن تلك المجموعات، التي جاء الكثير منها، كانوا يهودًا عربًا، ، قدموا من المغرب أو إثيوبيا، ومن اليمن والعراق أينما كانوا، عوملوا معاملة سيئة من قبل الأشكناز. يتفق بابه وهيدجز على ان هذا تاريخ مأساوي، وكتب عنه بإيجاز المؤرخ اليهودي آفي الذي يعيش في بريطانيا، في كتابه "ثلاثة عوالم". لقد تم جلبهم، ليس هم، أجدادهم، إذا جاز التعبير، إلى إسرائيل في أوائل الخمسينات لأن الحركة الصهيونية أو دولة إسرائيل الجديدة فشلت في إقناع ملايين اليهود الذين عاشوا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأجزاء من أوروبا بالهجرة إلى إسرائيل وعلى مضض، قررت القيادة الصهيونية استقدام من اعتبرتهم يهودًا عربًا، أي أنهم لم يكونوا يهودًا فحسب، بل كانوا عربًا أيضًا. ولكن بمساعدة مستشاريهم الأكاديميين، شرعوا فيما أسماه أحدهم عملية نزع الصفة العربية عن اليهود العرب، أي تحويلهم إلى يهود أوروبيين. ومن أفضل الطرق لقبول اليهودي العربي على قدم المساواة مع اليهودي الأوروبي إظهار الكراهية والعنصرية تجاه العربي، بل وتجاه هويته. وهذا يخلق بنية عقلية مضطربة للغاية. والآن، حدث أمر آخر لأن الحكومات لم تعالج مشاكل الرعاية الاجتماعية والاقتصادية. فقد دخلت الجماعات الدينية مكان الحكومة، وكان لها تأثير كبير على جيل الشباب. إن الأمر لا يقتصر على الصراع بين المزراحي والأشكناز، بل يشمل أيضاً جيلاً كاملاً من الشباب الإسرائيليين الذين خاضوا ما يمكن أن نطلق عليه النظام التعليمي الوطني الديني، وليس النظام الديمقراطي العلماني، والذي ينتج خريجين عنصريين، وثيوقراطيين في نظرتهم إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق المدنية، وملتزمين تماماً بالحلم الصهيوني. رأينا بعض هؤلاء الشباب في صور السيلفي التي صوروها بأنفسهم خلال الإبادة الجماعية في غزة، ومن السهل جدًا التعرف على اللغة التي يستخدمونها، والكراهية، والعنصرية، وللأسف هذه ليست ظاهرة هامشية. إنها ظاهرة واسعة الانتشار وجزء من قاعدة القوة لما أسميه دولة يهودا. ينقل هيدجز الحوار الى خطاب الدراسات المسيحية الذي ينشره مسيحيون صهاينة بالولايات المتحدة، اليمين المسيحي في الولايات المتحدة، ينْظُرون إلى السياسة من خلال عدسة الكتاب المقدس ويتحدثون عما يعنيه ذلك، وخاصة هذه الحملة لهدم المسجد الأقصى، وأعتقد أن [وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار] بن غفير هو أحد قادة هذا، وإعادة بناء الهيكل الثاني. إنها كلها، بالطبع، أساطير. هل نعرف حقًا أين كانت يهودا والسامرة بالضبط؟ لا أحد يعرف. ولكن، مثل اليمين المسيحي، فجأة يتم تصفية السياسة من خلال هذه الأساطير التوراتية. يضيف بابه: كما هو الحال مع المسيحيين الصهاينة، له جانبٌ علميٌّ زائف. قرب حائط البراق في القدس، أي قرب الحرم الشريف حيث يقع المسجد الأقصى، يوجد ما يُسمى بمعهد بناء الهيكل الثالث، وهو معهدٌ يُفترض أنه معهدٌ أكاديميٌّ يبحث في تاريخ المعابد في العصور القديمة، عندما هدم الرومان عام 70م الهيكل الثاني يشير هيدجزالى المسجد الأقصى. إنه أحد أهم الأماكن المقدسة في الإسلام، ويُصنّفه الناس ثالث أهمها، بل بالغ الأهمية، والفكرة الحقيقية هي هدمه، مما سيُشعل، بالطبع، شرارة ثورة في العالم الإسلامي. يوافقه بابيه: أجل، من سمات هذه الرؤية المسيحانية استبدال المسجدين على ما يسمى "جبل الهيكل" بالهيكل الثالث. لكن هناك جانب آخر لهذه الرؤية التبشيرية، وهي إقامة أو إعادة إقامة مملكة داود وسليمان. ليس أن هناك خريطة واضحة في الكتاب المقدس، فلا توجد خرائط، بل لديهم تصور خرائطي معيّن يمتد إلى ما هو أبعد من فلسطين التاريخية، أي إسرائيل والأراضي المحتلة، إلى الأردن وسوريا ولبنان. في الوقت الحالي، يبدو هذا ضربًا من الجنون، وليس سيناريو عمليًا أو حتى ممكنًا أو محتملًا. لكن ما أود قوله هو أنه على الرغم من أنني لا أعتقد أنهم سيتمكنون أبدًا من تحقيق هذا النوع من التوسع الجغرافي، إلا أنني لست متأكدًا من أنهم لن يحاولوا ذلك. هذا في حد ذاته سلوك استراتيجي ومستقبلي غير عقلاني، وأعتقد أنه سيساهم أيضًا في تفكك إسرائيل في المستقبل البعيد.
هروب جماعي من الثكنة الإسبارطية وكذلك الجيش الإسرائيلي والضغوط التي يتعرض لها. هناك تقاريرٌ كثيرةٌ تُفيدُ بأن أعدادًا كبيرةً من جنود الاحتياط لا يشاركون في هذه الحملة الجديدة على غزة، وأن معدلات الإصابات أعلى بكثير مما نعرف. ثم هناك بالطبع كل هذه التقديرات لعدد الإسرائيليين الذين غادروا البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل وحتى تقديراتٌ تصل إلى نصف مليون. لكن يبدو أن هناك نوعًا من الإرهاق. لم يُنشأ جيش الدفاع الإسرائيلي لخوض حرب استنزاف. إسرائيل دولةٌ صغيرة، يبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة أو نحو ذلك. لذا، تحدث فقط عن الضغوط، الضغوط العسكرية الداخلية التي قد تُسهم في هذا. يضيف بابه ان موضوع إجهاد الجيش أحد العوامل التي تطرقت اليها بالكتاب كمؤشرٍ إضافيٍّ على احتمالات التفكك. نوعان من الإرهاق في هذا المجال. الأول هو الإرهاق البشري. من الواضح جدًا أن جنود الاحتياط أصبحوا جيشًا نظاميًا لأنهم يخدمون كثيرًا منذ عام ٢٠٢٣، لدرجة أنهم يخدمون تقريبًا نفس عدد أيام الخدمة في السنة التي يخدمها جندي نظامي شاب. وهؤلاء مجموعات لا يرهقهم فقط الانخراط المتواصل بالجيش يرهقهم كذلك تعطيل الوظائف والأعمال، وهذا بالطبع له تأثير سلبي هائل على عائلاتهم وحياتهم. أ والإرهاق الثاني هو المعدات، وكما كشفت صحيفة هآرتس مؤخرًا، نشأت مشكلة في المعدات التي تمتلكها إسرائيل، لأن الاستراتيجية الإسرائيلية، والتي انعكست في المعدات التي تنتجها وتشتريها، تهدف إلى كسب الحروب بثلاثة شروط. أولًا، أن تبدأ إسرائيل الحرب، وهذا لم يحدث عام ٢٠٢٣. ثانيًا، أن تُخاض في أراضي العدو، وهو ما لم يحدث دائمًا. ثالثًا، والأهم، أن تكون الحروب قصيرة جدًا. وإلا، كما ذكرتَ بحق، فإنها تصبح حروب استنزاف. لم تتحقق هذه العناصر الثلاثة. وهذا ينعكس أيضًا في جودة المعدات، وقدرتها على خدمة الأهداف السياسية للحكومة. لا تزال قوة عسكرية هائلة. لا أريد أن يظن أحدٌ أن الفلسطينيين أو غيرهم سيتمكنون غدًا من هزيمة الجيش الإسرائيلي. لسنا هناك. لكن ثمة إرهاقًا يعكس أيضًا انعدام التماسك الاجتماعي بين من يخدمون ومن لا يخدمون. والخيار، وهو الأكثر جاذبية، هو مغادرة إسرائيل إن أمكن، إن كنت لا تريد أن يخدم أطفالك في الجيش، وهذا يحدث بأعداد كبيرة. كل هذا لا يعني أنه لا يزال هناك شباب إسرائيليون متحمسون للتطوع، ليس فقط في الجيش، بل حتى في وحدات النخبة فيه. لذا، لا يزال الجيش يملك سلطة مراقبة المدنيين وتدميرهم، وإبادتهم، وإرهابهم كما يفعل في الضفة الغربية وداخل إسرائيل. يتبع لطفا
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل مسلسل حروب وشواحن كراهية وتمييز عنصري
-
إرادة لا تُقهر: انتصار روح غزة على عمارة الإبادة الجماعية
-
ميلّر مايسترو بروباغاندا الفاشية بإدارة ترمي
-
هل أجهزت حرب الإبادة على القانون الدولي كذلك؟
-
دولة العدوان تكرر لفنزويلا ما اقترفته ضد العراق
-
إدارة ترمب تضطهد منتقدي إسرائيل ، خاصة الأساتذة والطلبة بالج
...
-
يتكئون على الدعم الأمريكي:شارون و بوش الابن مثالا
-
بين نارين على طريق الآلام
-
صفقة ترامب جريمة حرب
-
-لن يتكرر أبدا- لشعوب المعمورة كافة
-
مكائد صهيو أمبريالية لتصفية الأنروا
-
استغلال الاغتيال لفرض الفاشية ممارسة هتلر وموسوليني والآن تر
...
-
بصدد دولة إسرائيل الكبرى
-
إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2
-
إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل
-
فرادة اليهود وفرادة المحرقة النازية في صلب المشروع الصهيوني-
...
-
فرادة اليهود وفرادة المحرقة النازية في صلب المشروع الصهيوني
-
الحزب الديمقراطي: مهندسو الجبن متواطئون مع الفاشية
-
قرار -الاتحاد من أجل السلام- والجمعية العامة للأمم المتحدة
-
تسونامي زلزال نيويورك 2001 ماثل في الإبادة الجماعية وحروب ال
...
المزيد.....
-
نا ب? پ?رل?ماني ب?ه?ژارکردني ج?ماو?ر و ک?يل?کردني ژنان و س?ر
...
-
فقدان الرفيق سيون أسيدون خسارة كبيرة للحركة الديمقراطية والت
...
-
تركيا تدرس السماح بعودة مقاتلي حزب العمال الكردستاني من العر
...
-
شعب المغرب يفقد أحد أكبر مناضليه: وفاة سيون أسيدون
-
Verdict From the People: Why the Gaza Tribunal Is About Acco
...
-
Nervous Breakdown Or Getting Better: To Win Is Essential
-
Muridke To Gaza: How Pakistan’s Regime Sheds Blood To Prove
...
-
Solidarity With the People Of Sudan, Tanzania and Cameroon
-
تمديد عمل لجان الاجرة يؤكد سلق قانون طرد المستأجرين
-
تركيا تدرس السماح بعودة مقاتلي حزب العمال الكردستاني من العر
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|