أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - كيمياء الوجود بين صرامة القوانين ووهم الاستثناء














المزيد.....

كيمياء الوجود بين صرامة القوانين ووهم الاستثناء


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 19:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الحياة ـ في جوهرها الغامض ـ لا تُلقي بالاً لخرائط الأخلاق التي نرسمها نحن البشر على جدران وعينا... ؛ لا تكافئ الطيّبين لطيبتهم، ولا تُنزل العقاب على الأشرار لشرورهم، كما لو أنّ الكون قد أعفى نفسه من مهمة الفصل بين الفضيلة والرذيلة... ؛ فالعالم ليس محكمة، بل معمل كوني هائل تُجرى فيه التجارب وفق قوانين صارمة لا تحابي أحداً، أشبه بالمعادلات الرياضية التي لا تُخطئ ولا تتأثر بالعاطفة أو الرغبات أو النوايا الطيّبة.
إنّ الوجود، بهذا المعنى، آلة عظيمة تدور وفق منظومة من الأسباب والمسبّبات، ومن يتقن قراءة هذه المنظومة يمسك بطرف الخيط الذي يقوده إلى المعنى والنجاح، أما من يجهلها فيظلّ يدور في فلك العشوائية، كمَن يسبح عكس تيار جارف لا يرحم... ؛ وقد ورد في الأثر الإسلامي ما يضيء هذه الحقيقة: "أبى الله إلا أن تسير الأمور بأسبابها"؛ فالمعلول لا يوجد بلا علّة، والحصاد لا يأتي بلا زرع، والنتائج لا تُقطف دون مقدمات.
الحياة لا تعبأ بالأمنيات التي تُعلّق على مشجب السماء، ولا بالاعتقادات التي لم تُختبر بميزان الفعل، ولا بالأحلام التي تظلّ حبيسة العقول... ؛ فهي تتجاوب فقط مع من يفهم قوانينها ويجاري نبضها. من عرف قوانين الكون كان كمن يعثر على الإيقاع السري الذي يجعل خطواته متناغمة مع حركة الوجود اللامتناهية، فيمضي بثبات نحو أهدافه... ؛ أمّا من تجاهل هذه القوانين أو ظنّ أنه استثناءٌ معفىً منها، فسرعان ما يكتشف أنه يسبح في نهر لا يعترف بالنيات، بل يعترف بالقوة والاتجاه والوعي.
هكذا يتبدّى الكون: حيادٌ مطلق يربّي البشر على مسؤولية وعيهم لا على نزعة الاتكال، وعلى صرامة الفعل لا على رخاوة التمنّي. ومن أراد العبور الآمن في هذا المسرح السريالي الهائل، فعليه أن يصغي إلى موسيقى القوانين الخفيّة، وأن يفهم أن النجاح ليس هدية، بل حصيلة اتساقٍ بين الإنسان وقوانين الوجود التي لا تعرف المجاملة ولا تجامل أحداً.
إنّ هذا الموضوع يختلف اختلافًا جوهريًا عن مسألة تأثير النيّات الداخلية والطاقة الإنسانية في مجريات الحياة، كما يبتعد تمامًا عن الحديث في شأن الأعمال والسلوكيّات وما يترتّب عليها من نتائج... ؛ فلكلّ جريمةٍ عقاب، ولكلّ عملٍ ثمرة، ولكلّ سلوكٍ تداعيات، ولكلّ فعلٍ ردّة فعل. هذه سنن كونيّة ثابتة لا تتخلّف.
صحيح أنّ الكون لا يحاسب الأشرار مباشرةً في هذه الحياة، كما أنّه لا يكافئ الأخيار على نحوٍ ظاهرٍ دائم، غير أنّ للشرّ تبعاتٍ لا محالة، وللخير آثارًا تمتدّ في النفس وفي الواقع. فلا تخلط بين الأمرين، ولا تظنّ أنّ غياب العقاب الفوري يعني انعدام العاقبة، ولا أنّ تأخّر الجزاء يعني عدم وجوده... ؛ فتأمّل الصورة كاملة، وتدبّر هذه السنن مليًّا؛ فالفهم العميق لها يضيء طريقك ويمنحك بصيرة أوفى بما يجري حولك.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقع المزيف: بحثًا عن الحقيقة في زمن الالتباس وطمر الوعي
- حين تدور الأسطوانة… ويستيقظ زمنٌ لم يمت
- وليمة الجوع الذي لا يُشبِع … وسراب الشِّبع الذي لا يرحم
- العابر بين ظلاله
- نارٌ تُضيء ظِلال الروح
- النقل والرواية بوصفها ساحة للصراع: نقد تمثّلات الخصم والاخر ...
- اشكاليات مفهوم الأمة العراقية / 10 / ازدواجية المعايير وإشكا ...
- الهجرة بوصفها فعلًا اجتماعيًّا معقّدًا: بين الاستبداد السياس ...
- نحو تأسيس وعي وطني جديد: مقاربة فلسفية-سياسية في مفهوم الأمة ...
- جشع محطات الوقود الأهليّة… حين يتحوّل «القليل» إلى منظومة فس ...
- الضياع… حين تغترب النفس عن ذاتها وتصبح الحياة بلا بوصلة
- العوامل الصانعة للوعي الجمعي والثقافة العامة : بين القيادة و ...
- حين يتحول المجرم إلى وجيه .. والمجتمع إلى شريك في الجريمة..! ...
- ما بعد الفناء النووي: الإنسان حين يحترق بعقله
- سرقات في ظلال القانون — حين تتخفّى اللصوصية بثياب الفضيلة
- مقاربة سياسية لما بعد الانتخابات العراقية 2025: بين توازن ال ...
- العراق بين مطر السياسة وجفاف الرافدين ... قراءة في العقل الت ...
- سقوط القيم في الصراع السياسي والانتخابي : قراءة في التحلل ال ...
- جمر التوازن تحت مطر الفوضى والتشويش: محاولة للوجود والاتزان ...
- زعامة الفقاعات وساسة الاعلانات واللقاءات : حين يتحوّل الترشّ ...


المزيد.....




- مسؤول كبير في حماس: مستعدون لبحث -تخزين أو تجميد- الأسلحة
- زعماء أوروبيون يؤكدون دعمهم لزيلينسكي.. وميرتس يشكك في الخطة ...
- هل تنجح واشنطن في كسر الجمود في العلاقات الإسرائيلية المصرية ...
- ما هو مستقبل مسار -العدالة الانتقالية- في سوريا ما بعد الأسد ...
- شاهد.. أحدث الروبوتات البشرية اليابانية تطفئ النيران وتنقذ ا ...
- ما موقف ألمانيا من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في ...
- عام على سقوط الأسد.. صحفيو سوريا يتمتعون بحريتهم بعد 50 عاما ...
- لماذا يشعر صحفيو -سي إن إن- بالارتياح إزاء استحواذ نتفليكس ع ...
- إلباييس: كيف أصبحت أوروبا مركزا عالميا لتجارة الكوكايين؟
- باراماونت تقدم عرضًا مضادًا للاستحواذ على وارنر براذرز ديسكف ...


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - كيمياء الوجود بين صرامة القوانين ووهم الاستثناء