أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حيدر صادق صاحب - هوية ضائعة ام انقسام داخلي.. هل نحن أمام آخر أيام اليسار العراقي؟















المزيد.....

هوية ضائعة ام انقسام داخلي.. هل نحن أمام آخر أيام اليسار العراقي؟


حيدر صادق صاحب
كاتب وشاعر شعبي

(Haider Sadeq Sahib)


الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 19:11
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


يشكل اليسار العراقي حاليا نموذجاً حياً لأزمة فكرية وتنظيمية متعددة المستويات تتجاوز فكرة الانقسام البسيط أو التشتت العابر لتصل إلى حالة من التشظي الوجودي والهوية المفقودة فالانقسامات التنظيمية المتكررة ليست سوى العرض السطحي لمرض أعمق يكمن في عجز بنيوي عن إنتاج فكر يساري عراقي متجذر قادر على تفسير التحولات الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية الهائلة التي مر بها العراق خلال العقدين الماضيين إذ تتعارض النزعة الدوغمائية لبعض التيارات المرتبطة بتراث ماركسي - لينيني لم يتغير منذ سبعينيات القرن الماضي مع واقع معقد حيث لم تعد البروليتاريا الصناعية هي الفاعل الرئيسي وحيث اختلطت خطوط الصراع الطبقي بالهويات الفرعية الطائفية والقومية والدينية بشكل لا يمكن فصله بسهولة كما أن صعود حركات اجتماعية جديدة مثل انتفاضة تشرين 2019 التي قادها شباب خارج الأطر الأيديولوجية التقليدية كشف عن هوة سحيقة بين الخطاب اليساري المنمط واللغة العفوية والمطالب اليومية لهذا الجيل الذي يعاني من البطالة وفساد المليشيات وانعدام الخدمات دون أن يجد في الخطاب اليساري التقليدي إجابات مقنعة أو أدوات تنظيمية فعالة.

التشتت الفكري يتجلى في الموقف المربك من قضايا مصيرية مثل طبيعة الدولة العراقية بعد سقوط النظام الصدامي فبينما ترفض بعض الجماعات اليسارية النظام الطائفي برمته وتدعو لدولة مدنية علمانية ديمقراطية تتعامل أخرى مع هذا النظام كواقع قائم وتحاول المناورة ضمنه للحصول على مقاعد برلمانية أو مناصب وزارية هامشية ما أفقدها مصداقيتها لدى قاعدة شعبية تبحث عن بديل حقيقي كما أن الموقف من المكون الكردي والقضية القومية لا يزال يشكل انقساماً جوهرياً فهناك من يرى في المطالب القومية الكردية حقاً مشروعاً يتفق مع حق تقرير المصير بينما يرى آخرون فيها تهديداً لوحدة العراق ويعتبرونها مشروعاً استعمارياً أو برجوازياً يشتت الصراع الطبقي الرئيسي هذا الخلاف ليس تكتيكياً بل هو انعكاس لفهم مختلف لطبيعة الدولة والهوية الوطنية.

إشكالية العلاقة مع الدين والتراث يعد من اهم العوامل التي أدت الى عمل فجوة كبيرة لا يمكن احتوائها وهي تشكل عائقاً فكرياً آخر ففي مجتمع غالبيته الساحقة متدينة ومحافظة ومع وجود خطاب طائفي مسيطر فشل اليسار في إنتاج خطاب نقدي يتجاوز المواقف الإلحادية العدائية التي تنفر الجماهير أو المواقف الانتهازية التي تحاول استرضاء التيارات الدينية دون تقديم رؤية تقدمية حقيقية للدين والدولة لقد تخلى جزء من اليسار عن العلمانية الجذرية لصالح خطاب أكثر تسامحاً مع الدين لكنه لم يقدم مشروعاً ثقافياً بديلاً يجيب عن الأسئلة الوجودية والأخلاقية في مجتمع يمر بأزمات عميقة كما أن التعامل مع ظاهرة العشيرة والقبيلة وهو بنية اجتماعية لا تزال فاعلة بقوة خاصة في الريف والمناطق المهمشة ظل ساذجاً بين النظرة التي تعتبرها رجعية بالكامل يجب محوها وتلك التي تحاول استغلالها لأغراض انتخابية ما أفقد المشروع اليساري رؤيته التحويلية للمجتمع

على المستوى التنظيمي تحول التشرذم إلى سمة بنيوية فبدلاً من وجود حزب مركزي قوي هناك عشرات المجموعات والحركات والكتل الصغيرة التي تدعي كل منها تمثيل اليسار الحقيقي يعود هذا جزئياً إلى تركة القمع الشديد في عهد صدام حسين الذي دمر البنى التنظيمية وأجبر القوى على العمل السري والانعزال كما أن تجربة المنفى الطويلة خلقت قيادات منفصلة عن الواقع العراقي المتغير بسرعة وعندما عادت بعد سقوط النظام السابق وجدت نفسها في بيئة سياسية مختلفة تماماً محكومة بالهويات الفرعية والمال السياسي والميليشيات المسلحة لم تستطع هذه القيادات في كثير من الأحيان تجاوز خلافات الماضي أو الصراعات الشخصية على الزعامة فاستمرت الانشقاقات تحت مسميات جديدة كما أن الاعتماد على تمويل خارجي من أحزاب أو حكومات إقليمية أو دولية قوى النزعات الانقسامية وحول بعض الجماعات إلى أدوات في صراعات أكبر خارجية فاقدة لاستقلاليتها وشرعيتها الشعبية

التعامل مع النظام السياسي الطائفي بعد سقوط النظام السابق شكل محكاً حقيقياً لكثير من القوى اليسارية فبعضها اختار الانخراط في العملية السياسية والمشاركة في الحكومات المتعاقبة مما عرضه لاتهامات بالمشاركة في إدارة نظام فاسد وفاشل وخسارة الكثير من رصيده الأخلاقي بينما اختارت قوى أخرى المقاطعة والاعتراض من الخارج مما عزلها عن أي قدرة حقيقية على التأثير في القرار أو الوصول للجماهير كما أن التحالفات الانتخابية غالباً ما كانت تكتيكية وهشة مع قوى إسلامية أو قومية أو جهات فاعلة أخرى تتعارض في برامجها مع الحد الأدنى من المبادئ اليسارية ما أثار التساؤل عن الهوية الحقيقية لهذه القوى وأهدافها الاستراتيجية لقد خلق هذا ارتباكاً لدى القاعدة الشعبية التي لم تعد تعرف ما يميز الخطاب اليساري عن غيره في خضم وعود انتخابية متشابهة وفارغة

صعود حركة التيار الصدري كظاهرة تجمع بين الخطاب الديني والاجتماعي المعادي للنخبة والفقراء شكل تحدياً وجودياً لليسار التقليدي حيث استطاع التيار بخطابه الشعبوي وشبكته الخدمية الواسعة وتجييشه للفقراء والمهمشين أن يستقطب قطاعات واسعة كانت تعتبر قاعدة اجتماعية محتملة لليسار خاصة في المدن الجنوبية الفقيرة ووسط الشباب العاطل عن العمل في الصراع على تمثيل الطبقات الدنيا خسر اليسار المنظم أمام خطاب ديني يستخدم مفردات العدالة الاجتماعية دون أي التزام بفكر يساري مما كشف عن عجزه عن التواصل بلغة بسيطة ومباشرة مع هموم الناس اليومية وعن ضعف بنيته التنظيمية مقارنة بالتنظيم الشعبوي القوي للتيار الصدري.

أزمة اليسار العراقي اليوم هي أيضاً أزمة أجيال فالقادة التاريخيين الذين قادوا الحزب الشيوعي والحركات اليسارية في النضال ضد الدكتاتورية ما يزالون مهيمنين على الكثير من المناصب القيادية رغم تقدمهم في السن وابتعادهم عن اهتمامات الجيل الجديد بينما فشل هذا اليسار في استيعاب الشباب الذين شاركوا في انتفاضة تشرين والذين يحملون روحاً ثورية ولكن خارج الأطر الأيديولوجية التقليدية هؤلاء الشباب يتحدثون عن الفساد والميليشيات والبطالة والبيئة وحرية التعبير بلغة عصرية ومستقلة لكنهم لا يجدون في التنظيمات اليسارية القائمة بيئة ديمقراطية حقيقية ولا مرونة فكرية تسمح بخلق خطاب جديد كما أن الهوة التقنية بين جيل القادة الذين يعتمدون على الخطاب التقليدي وشباب متصل بالعالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويتأثر بحركات عالمية مثل النسوية والعدالة المناخية والدفاع عن حقوق الانسان تزيد من صعوبة الحوار

الموقف من القضايا الإقليمية والعالمية يظهر أيضاً تشتتاً واضحاً فبينما ترفض بعض الجماعات اليسارية أي تدخل إيراني أو أمريكي في الشؤون العراقية باعتباره شكلاً من أشكال الإمبريالية أو الهيمنة تأخذ أخرى مواقف أكثر تعقيداً أو حتى مؤيدة لأحد الأطراف بحسب مصالحها الضيقة كما أن قضية مثل القضية الفلسطينية التي كانت حجر الزاوية في خطاب اليسار العربي أصبحت تحتل مكانة مختلفة في أولويات اليسار العراقي الذي يواجه أزمات داخلية وجودية ما جعل خطابه يبدو متناقضاً بين التضامن الأممي مع قضايا التحرر ومعالجة الانهيار الداخلي للدولة والمجتمع

في الختام يمكن القول إن اليسار العراقي حاليا يعاني من أزمة هوية عميقة تتجاوز مجرد الانقسام التنظيمي أو التشتت الفكري لتصل إلى سؤال وجودي عن ماهيته وهدفه في ظل تحولات جذرية عاشها العراق لم يستطع معها إنتاج إجابات مقنعة فهو ليس ضحية للظروف فقط بل ساهم في أزمته بسبب جموده الفكري وصراعاته الداخلية العقيمة وابتعاده عن نبض الشارع وهموم الطبقات التي يدعي تمثيلها المستقبل قد يحتاج إلى ولادة حركات يسارية جديدة خارج الأطر التقليدية تستطيع أن تخلق خطاباً تقدمياً يتعامل مع تعقيدات العراق دون تبسيط مفرط ويتجاوز الثنائيات القديمة مثل الديني مقابل العلماني أو القومي مقابل الأممي ويقدم مشروعاً واقعياً للخروج من نظام المحاصصة والفساد والميليشيات ما لم يحدث سيستمر اليسار في التقهقر إلى هامش المشهد السياسي بينما تحتدم المعركة الحقيقية على مستقبل العراق بين قوى الإسلام السياسي والقومية والميليشيات دون حضور فاعل لقوى التغيير الديمقراطي والاجتماعي الحقيقي



#حيدر_صادق_صاحب (هاشتاغ)       Haider_Sadeq_Sahib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرد العراقي (ماضي مشرق وحاضر مضطرب ومستقبل معتم)
- التشريح السوسيولوجي أنثروبولوجي للتحولات الجذرية في النسيج ا ...
- فلسفة التعليم الآلي: كيف يقلب التعلم العميق مفاهيمنا عن المع ...
- العقل البشري العربي بين سندان التقاليد الاجتماعية ومطرقة الف ...
- مشروع الهيمنة: كيف يعيد الحزب الشيوعي كتابة قواعد اللعبة الع ...
- من بوح الجماعة إلى جنون الفرد: تشريح التحول في بنية القصيدة ...
- المحاصصة السياسية في العراق جذور عميقة وحلول غائبة
- سايكولوجية المواطن العربي - بين ثقل التاريخ وتحديات الحاضر
- السلوك الجمعي (سلوك القطيع): الآليات والتجليات والتداعيات
- الديالكتيك… حين يتكلّم العالم بلغته السرّية (نسخة موسّعة مع ...
- البطالة في العراق: تشخيص الواقع واستشراف الحلول المستقبلية ت ...
- حقوق الأقليات في العراق، من جميع الجوانب التاريخية والدستوري ...
- التصحر في العراق: أزمة تهدد الهوية وماهي الحلول المستقبلية ل ...
- اصلاح تدريجي ام ترقيع مؤقت ((رؤيا سياسية تحليلية لما يحصل في ...
- دور اليسار والقوى الوطنية في العراق
- الموضة وتاريخ نشأتها وتطورها
- مراحل وانماط التغيير الاجتماعي (( patterns of change ))
- معالجة انفسنا اولا واصلاح الذات والابتعاد عن معالجة اخطاء ال ...
- مصطلح الغباء والتراكمات التي يسببها
- نهر حبك نشف


المزيد.....




- مغامرة عُمان تنتهي.. تأهل المغرب والسعودية من -مجموعة الموت- ...
- نتنياهو يقول إن المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة باتت وش ...
- كأس العرب: المغرب يحسم التأهل والصدارة في حضور جماهيري ضخم
- ألمانيا لن تستقبل طالبي لجوء جدد عام 2026 وفقا لآلية التضامن ...
- غزة مباشر.. انتهاء البحث عن جثة أسير إسرائيلي والاحتلال يقتح ...
- قانون -قيصر-.. سوريا تسعى لإزالة آخر العقبات أمام إعادة البن ...
- اليمن.. غارتان أميركيتان تستهدفان عناصر من -القاعدة- في مأرب ...
- فيديو: غارات إسرائيلية تستهدف مواقع في جنوبي لبنان
- ترامب يحذر الدول التي -تغرق- الولايات المتحدة بالأرز -الرخيص ...
- لماذا حذر وزير دفاع أمريكا الحالي في تصريحات سابقة من إصدار ...


المزيد.....

- رؤية ليسارٍ معاصر: في سُبل استنهاض اليسار العراقي / رشيد غويلب
- كتاب: الناصرية وكوخ القصب / احمد عبد الستار
- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حيدر صادق صاحب - هوية ضائعة ام انقسام داخلي.. هل نحن أمام آخر أيام اليسار العراقي؟