أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر صادق صاحب - من بوح الجماعة إلى جنون الفرد: تشريح التحول في بنية القصيدة هل انتهى عصر القصيدة السبعينية أم أنها لا تتنفس بيننا؟














المزيد.....

من بوح الجماعة إلى جنون الفرد: تشريح التحول في بنية القصيدة هل انتهى عصر القصيدة السبعينية أم أنها لا تتنفس بيننا؟


حيدر صادق صاحب
كاتب وشاعر شعبي

(Haider Sadeq Sahib)


الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 02:32
المحور: الادب والفن
    


مقدمة مهمة ....
بين ضفاف الماضي والحاضر، وعلى امتداد مسيرة الشعر الشعبي العراقي، تقف القصيدة السبعينية والقصيدة المعاصرة كنهرين متجاورين بروافد مختلفة واتجاهات متباينة. هذه المقارنة ليست مجرد استعراض لاختلافات شكلية، بل هي غوص في أعماق تحولات الهوية والذائقة والواقع الاجتماعي. والحديث عنها يتطلب تقييماً دقيقاً يسلط الضوء على الفوارق الإيجابية والسلبية، ويقترح سبل معالجة الإخفاقات.

الفرق الجوهري في الرؤية والبناء
القطيعة بين القصيدتين تبدو جذرية في المنطلقات. القصيدة السبعينية، التي ازدهرت في حقبة السبعينات والثمانينات، كانت ابنة بيئتها بامتياز. لقد تشكلت في ظل واقع عراقي تميز بقوة الدولة المركزية وانتظام الحياة الريفية والبدوية، وبروز المدن الكبرى كمراكز ثقافية. فجاءت القصيدة معبّرة عن الهم الجمعي، حاملة لقيم الكرامة والعزة والفخر، ومتّسمة بالبناء المحكم الذي يشبه القصيدة العمودية الفصيحة في انتظامها. المطلع القوي، التصعيد الدرامي، الخاتمة المؤثرة، كلها عناصر كانت تشكل هيكلاً متماسكاً. اللغة كانت مختارة بعناية، جزلة، تعتمد على المفردة الموروثة ذات الدلالة العميقة، مع احتفاظها بصبغة اللهجة العراقية الأصيلة. الصورة كانت مباشرة في غالبها، مستمدة من البيئة المحلية، كتشبيه الفرس بالبرق أو القلب بالصخر.

أما القصيدة الحالية، فهي انعكاس طبيعي لعصر العولمة والفضاء المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعي. لقد تحولت من التعبير عن "النحن" إلى الغوص في أعماق "الأنا". التفاصيل الصغيرة، المشاعر الفردية، الهواجس الشخصية، والقلق الوجودي أصبحت محور العملية الشعرية. البناء التقليدي انهار لصالح القطع النثرية القصيرة، أو الأبيات المنفصلة التي تربطها خيوط مشاعرية رفيعة. اللغة شهدت تحولاً كبيراً، حيث دخلتها المفردات المستحدثة، والتركيبات الأجنبية أحياناً، وأصبحت أقرب إلى لغة الحوار اليومي. الصورة اصبحت أكثر تعقيداً وانزياحاً، مستعيرة من عالم السينما والألعاب الإلكترونية والثقافات الوافدة.

الفوارق الإيجابية: مكاسب القصيدة الحالية وخسائرها
من الإنصاف القول إن القصيدة الحالية حققت مكاسب كبيرة على مستوى التحرر من القوالب الجاهزة. لقد كسرت حاجز الرهبة من الشعر، وجعلت الكتابة الشعرية متاحة لفئات أوسع، معبرة عن شرائح اجتماعية لم تكن لتمتلك جرأة التعبير في الماضي. كما أنها وسعت من دائرة الموضوعات، فلم تعد تقتصر على الغزل والفخر، بل تناولت قضايا الإعاقة، والمرأة، والطبقات المهمشة، والانتقاد الاجتماعي الساخر. سرعتها في التفاعل مع الأحداث اليومية جعلت منها مرآة عاكسة للواقع بكل تفاصيله.

ولكن هذه المكاسب لم تكن بلا ثمن. لقد خسرت القصيدة الحالية الكثير من هيبة اللغة وجزالة الألفاظ. المفردة صارت أضعف، والإيقاع الداخلي الذي كان يشدو في القصيدة السبعينية بات خافتاً، بل ومعدوماً في كثير من الأحيان. كما أدى الانزياح الكبير نحو الذاتية إلى غياب البعد الوطني والهم القومي، فتحولت القصيدة في أحيان كثيرة إلى "نُوَاح" فردي أو شكوى ذاتية مفرطة، تفتقر إلى العمق الفلسفي أو الحكمة التي كانت تتخلل أبيات السبعينيات. سهولة النشر على وسائل التواصل جعلت "الرديء" من الشعر يطغى على "الجيد"، في ظل غياب النقد الرصين والحاضنة الثقافية الفاعلة.

الفوارق السلبية: إشكاليات الحاضر وعبقرية الماضي
أبرز السلبيات في القصيدة الحالية هي الانزياح الخطير عن الهوية اللغوية. لقد أصبحت اللهجة العراقية في كثير من القصائد مشوهة، هجينة، مليئة بالمفردات الدخيلة التي تفتقر إلى الأصالة. كما أن الاعتماد على "اللابؤرية" والغموض غير المبرر كبديل عن العمق، جعل الكثير من النصوص أقرب إلى الخواطر العابرة منها إلى القصيدة المكتملة. غياب الرقيب الداخلي (الذاتي) والخارجي (الناقد) أدى إلى تكريس الرداءة وانتشارها.
في المقابل، لم تكن القصيدة السبعينية منزهة عن الأخطاء. فمن سلبياتها الجمود النسبي على قالب واحد، وكثرة التكرار في الموضوعات والصياغات، والتركيز المبالغ فيه على "الفخر" أحياناً بشكل يقترب من الغرور. كما أن بعضها كان يعيد إنتاج الخطاب الذكوري السائد دون مساءلته.

معالجة الأخطاء: نحو قصيدة شعبية عراقية متوازنة
معالجة إشكاليات القصيدة الحالية تتطلب نهجاً تشاركياً. على مستوى الشاعر، لا بد من العودة إلى المنابع الأصيلة للهجة العراقية الجميلة، والاستفادة من ثراء مفرداتها دون انغلاق. كما أن تطوير الحس النقدي للشاعر تجاه نصه، والسعي نحو المزاوجة بين حداثة الموضوع وعمق التناول، أمر بالغ الأهمية. يجب أن يعي الشاعر المعاصر أن التحرر من الشكل لا يعني التحرر من قواعد الفن والجمال.

على مستوى المؤسسات الثقافية والإعلامية، فإن الدور الأكبر يتمثل في إحياء دور النقد الموضوعي، وخلق منصات تنافسية جادة تكرس التميز بدلاً من الاستعراض. دعم المشاريع الشعرية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتنظيم الندوات التي تناقش هذه الإشكاليات بجدية، يمكن أن يشكل حاضنة حقيقية لقصيدة شعبية تحافظ على هويتها دون أن تفقد روح عصرها.
في الختام، لا يمكن التضحية بعمق وجمالية القصيدة السبعينية في مذبح حداثة القصيدة الحالية العابرة، كما لا يمكن تجاهل حيوية وتنوع القصيدة الحالية لصالح جمود الماضي. المستقبل يكمن في قصيدة تستلهم متانة البناء وجزالة اللغة من التراث، وتستعير جرأة الطرح وتنوع الموضوعات من الحداثة، لتخلق مزيجاً إبداعياً يليق بتراث العراق الشعري وروح عصره.



#حيدر_صادق_صاحب (هاشتاغ)       Haider_Sadeq_Sahib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحاصصة السياسية في العراق جذور عميقة وحلول غائبة
- سايكولوجية المواطن العربي - بين ثقل التاريخ وتحديات الحاضر
- السلوك الجمعي (سلوك القطيع): الآليات والتجليات والتداعيات
- الديالكتيك… حين يتكلّم العالم بلغته السرّية (نسخة موسّعة مع ...
- البطالة في العراق: تشخيص الواقع واستشراف الحلول المستقبلية ت ...
- حقوق الأقليات في العراق، من جميع الجوانب التاريخية والدستوري ...
- التصحر في العراق: أزمة تهدد الهوية وماهي الحلول المستقبلية ل ...
- اصلاح تدريجي ام ترقيع مؤقت ((رؤيا سياسية تحليلية لما يحصل في ...
- دور اليسار والقوى الوطنية في العراق
- الموضة وتاريخ نشأتها وتطورها
- مراحل وانماط التغيير الاجتماعي (( patterns of change ))
- معالجة انفسنا اولا واصلاح الذات والابتعاد عن معالجة اخطاء ال ...
- مصطلح الغباء والتراكمات التي يسببها
- نهر حبك نشف
- أخطاء وثغرات النص الشعري في الشعر الشعبي العراقي
- كيف نستقبل العام الدراسي الجديد ونستعد له
- جمهورية الموز ومعول الهدم المنظم !!
- الهشاشة النفسية اسبابها ونتائجها
- معركة الوعي الذاتي بين ازمات التفكير والتضليل
- الفرق بين صنع القرار وطريقة اتخاذه وتنفيذه


المزيد.....




- وفاة أيقونة السينما الهندية دارميندرا عن 89 عاماً
- تحولات السينما العراقية في الجمعية العراقية لدعم الثقافة
- وفاة جيمي كليف أسطورة موسيقى -الريغي- عن عمر ناهز 81 عامًا
- فيلم -الملحد- يعرض في دور السينما المصرية بقرار قضائي مصري و ...
- -شرير هوليود-.. وفاة الممثل الألماني الشهير أودو كير
- محكمة الجنايات تفرج عن الممثلة الكويتية إلهام الفضالة دون ضم ...
- وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن 81 عاما
- نظرة داخل المتحف المصري الكبير
- -عالم سعيد العدوي-: كتاب موسوعي عن أبرز فناني الحداثة في مصر ...
- وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن عمر 81 سنة


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر صادق صاحب - من بوح الجماعة إلى جنون الفرد: تشريح التحول في بنية القصيدة هل انتهى عصر القصيدة السبعينية أم أنها لا تتنفس بيننا؟