أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر صادق صاحب - سايكولوجية المواطن العربي - بين ثقل التاريخ وتحديات الحاضر















المزيد.....

سايكولوجية المواطن العربي - بين ثقل التاريخ وتحديات الحاضر


حيدر صادق صاحب
كاتب وشاعر شعبي

(Haider Sadeq Sahib)


الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 03:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة لابد منها : في منهجية فهم النفسية العربية

قبل الخوض في التفاصيل، من الضروري التأكيد على أن الحديث عن "سايكولوجية عربية" هو حديث عن نزعة سائدة أو تيار عام، وليس حتمية تنطبق على كل فرد. تأثرت هذه النفسية بعوامل متشابكة: التاريخي، الجغرافي، الديني، الاجتماعي، والسياسي. كما أن الصورة ليست ثابتة، فهي تتطور مع العولمة وثورة المعلومات وانزياح المجتمعات. نحن هنا نرسم ملامح شخصية جماعية، وليس فردية.

الفصل الأول: الأسس التكوينية للشخصية العربية
1. العامل الديني والإيمان
الإسلام، كدين للأغلبية ومعلم ثقافي حتى للأقليات، هو حجر الزاوية. تأثيره يتجاوز الطقوس ليصل إلى النظرة إلى العالم (Worldview): نظرة تقديرية، حيث الحياة الدنيا دار اختبار والآخرة هي دار القرار. هذا يعطي صبرًا (صبر أيوب) وأحيانًا قدرًا من الاستسلام للقدر (مقابل مفهوم "صناعة القدر في الثقافات الأخرى).

الشعور بالانتماء إلى الأمة: فكرة أن المسلم أخو المسلم، مما يخلق هوية تتخطى الحدود القومية الضيقة، وإن كانت هذه الفكرة تتعرض لضغوط في العصر الحديث.

القيم الأخلاقية: الصدق، الكرم، الشجاعة، حب الجيرة، واحترام الوالدين هي قيم متجذرة في التعاليم الدينية وتشكل ضمير الفرد العربي.

اللغة العربية: لغة القرآن، مما يمنحها قدسية ويربط بين الهوية العربية والدينية برباط وثيق. .

2. العامل التاريخي:
إرث الإمبراطوريات: الذاكرة الجماعية تحمل أمجاد الحضارات العربية الإسلامية (الأموية، العباسية، الأندلس) والتي تغذي الشعور بالفخر والكرامة، ولكن أيضًا تحمل صدمة السقوط (سقوط بغداد، غرناطة) مما خلق شعورًا بـ "الانزياح عن المركز" العالمي.
الاستعمار والقهر السياسي: مرحلة الاستعمار الأوروبي وما تلاها من أنظمة شمولية أو ضعيفة تركت أثرًا نفسيًا عميقًا يتمثل في:
أ. شعور بالظلم التاريخي.
ب. الريبة من الأجنبي والخوف من المؤامرة.
ج. ازدواجية الشخصية: حيث يظهر الفرد سلوكًا في العلن (خوفًا من السلطة) وآخر في الخفاء.
د. تراجع الثقة بالنفس الجماعية.

3. العامل الاجتماعي (البنية القبلية والعائلية):
المجتمع العربي تقليديًا هو مجتمع جماعي (Collectivist) بامتياز، حيث تغلب مصلحة الجماعة (العائلة، العشيرة، الطائفة) على مصلحة الفرد.
الأسرة الممتدة: تلعب دور الملاذ الاقتصادي والنفسي، مما يخلق شعورًا بالأمان ولكن قد يقيد الفردية ويحد من الاستقلالية.
الشرف والعرض: مفهوم الشرف المرتبط بسلوك النساء لا يزال مسيطرًا في كثير من المناطق، مما يخلق ضغوطًا هائلة ويرفع من وتيرة العنف "الغسيل".
العلاقات الشخصية (الواسطة): الثقة تكون أقوى في دائرة الأقارب والمعارف، مما يجعل "الواسطة" وسيلة للحصول على الحقوق أو تجاوز القوانين، على حساب مفهوم المواطنة المتساوية.

الفصل الثاني: السمات والأنماط النفسية السائدة (تحليل سايكولوجي)

1. ازدواجية العلاقة مع السلطة:
من جهة: خوف واحترام شكلي للسلطة (الأب، الرئيس، الحاكم) نتيجة التربية على الطاعة والتاريخ الطويل مع الاستبداد.
من جهة أخرى: شعور داخلي بالتمرد والرفض، يظهر في النكتة السياسية الساخرة والحديث behind closed doors. هذه الازدواجية تخلق صراعًا نفسيًا داخليًا وتقود إلى "الانفصام الاجتماعي".

2. الهوية المتعددة والمتصادمة:
يعاني المواطن العربي من صراع هويات:
أ. الهوية القبلية/العائلية** (الأقوى على الأرض).
ب. الهوية الدينية/المذهبية** (الأكثر حساسية).
ج. الهوية القومية العربية** (التي تراجعت بعد فشل المشروع القومي).
د. الهوية الوطنية/القطرية** (التي تعززها الأنظمة الحالية).
هـ. الهوية العالمية/العولمية** (التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي).

هذا التعدد يخلق إحساسًا بعدم الاستقرار والالتباس حول "من أنا؟".
3. العقلية النقدية وسيطرة العاطفة:
سيطرة الخطاب العاطفي: يميل الخطاب العام والعادي إلى العاطفية والحماس أكثر من العقلانية والتحليل المنطقي. الشعارات تغلب على البرامج، والخطاب الديني أو القومي العاطفي له صدى كبير.
ضعف الثقافة النقدية: النقد الذاتي ضعيف، وميول إلى إلقاء اللوم على "الآخر" (الغرب، إسرائيل، النظام) في كل المشاكل، مما يقلل من المسؤولية الفردية والجماعية.

4. مفهوم الكرامة (العار):
الكرامة (والعار المقابل لها) هي قيمة مركزية في النفسية العربية، تفوق أحيانًا قيمة الحياة نفسها. أي مس بالكرامة (حتى لو كان شكليًا) يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل عنيفة وغير متوقعة. هذا يفسر الكثير من السلوكيات الفردية والجماعية.

5. العلاقة مع الوقت:
تختلف عن النظرة الغربية للوقت كقيمة نادرة (Time is Money). النظرة العربية أكثر مرونة، حيث "الوقت العربي" يعكس صبرًا وتلقائية أكبر، ولكن قد يتحول إلى "تسييب" وعدم احترام للوقت في الإدارة والعمل.

6. الصبر والاستسلام مقابل التمرد والأمل:
ثقافة الصبر (التصبر): متجذرة في الدين والتاريخ، وقد تحولت أحيانًا إلى استسلام سلبي (القدرية) وقبول بالواقع المتردي.
نزعة التمرد: خاصة لدى الأجيال الشابة التي لم تعد تقبل بالخطاب القديم، وظهر ذلك جليًا في ثورات الربيع العربي، والتي كشفت عن شوق هائل للحرية والكرامة والعدالة.


الفصل الثالث: التحديات المعاصرة وتأثيرها على الصحة النفسية

1. الصدمات الجماعية:
يعيش المواطن العربي في بيئة مليئة بمصادر الصدمة: الحروب (فلسطين، العراق، سوريا، اليمن، ليبيا...)، الإرهاب، الاحتلال، والاضطهاد الطائفي. هذه الصدمات تخلق جيلاً يعاني من:
*القلق الوجودي *
*الاكتئاب *
* اضطراب ما بعد الصدمة *
*الشعور بالعجز واليأس*

2. أزمة الهوية وتعزيز النزعات الطائفية والجهوية:
في ظل غياب المشروع الوطني الجامع والديمقراطي، تتفجر الهويات ما تحت الوطنية (الطائفية، العرقية، الجهوية) كملاذ آمن، مما يزيد من الانقسام ويخلق شعورًا دائمًا بعدم الأمان والانتماء لمجتمع متسامح. .


3. تأثير العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي:
* صدمة المقارنة: يرى المواطن العربي الفجوة الهائلة بين ما يعيشه وبين ما يراه من رفاهية وحرية في العالم الآخر، مما يخلق شعورًا بالإحباط والنقص.
*تآكل القيم التقليدية: بدون استبدالها بقيم مدنية راسخة، مما يخلق حالة من اللااستقرار القيمي. الفضاء الإلكتروني كمتنفس: أصبح العالم الافتراضي ملاذًا للهروب من قيود الواقع وقمعه، ولكنه أيضًا أصبح مصدرًا للتطرف والكراهية والمعلومات المضللة.

4. الأزمات الاقتصادية والبطالة:
غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفساد وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب يقضي على الطموح ويولد الإحساس بالظلم واللامبالاة، ويدفع بأفضل الكفاءات إلى الهجرة (هروب الأدمغة).


الفصل الرابع: مظاهر الأزمة النفسية وآليات المواجهة

1. المظاهر السلبية:
*اللامبالاة السياسية والاجتماعية (خاصة بعد خيبة أمل الربيع العربي).
*اللجوء إلى المظاهر الدينية الشكلية أو التطرف كبحث عن يقين في عالم مضطرب.
*الاستهلاك المفرط كتعويض عن الإحساس بالفراغ والحرمان.
*انتشار نظريات المؤامرة كتفسير بسيط لأزمات معقدة.
*ارتفاع معدلات الأمراض النفس - جسدية (مثل القولون العصبي، الضغط).

2. آليات المواجهة الإيجابية (بذور التغيير):
*الصمود: قدرة مذهلة لدى الإنسان العربي على النهوض من تحت الركام والاستمرار في الحياة.
*الفكاهة والسخرية: كسلاح لتحمل القهر ونقد الواقع.
*الإبداع: ازدهار الفنون (الغناء، المسلسلات، السينما، الأدب) كوسيلة للتعبير عن الألم والأمل.
*تعزيز دور المجتمع المدني: بروز مبادرات فردية وجماعية للتغيير من القاعدة.
*التشبث بالتعليم: الإيمان الراسخ بأن التعليم هو المخرج الوحيد، رغم كل الصعوبات.


الخاتمة
نحو سايكولوجية عربية جديدة

سايكولوجية المواطن العربي اليوم هي في حالة تحول وصيرورة. إنها تحمل جراح الماضي وهموم الحاضر، ولكنها أيضًا تحمل بذور مقاومة وتغيير. المشكلة ليست في "شخصية" المواطن العربي، بل في **البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية** التي تشكل هذه الشخصية وتقيد طاقاتها.

بناء سايكولوجية عربية صحية ومتوازنة يتطلب:
1. تغيير البيئة السياسية: نحو أنظمة ديمقراطية تشاركية تحترم حقوق الإنسان والمواطنة.
2. إصلاح التعليم: لنشر العقلانية، النقد البناء، وقبول الآخر.
3. تحقيق العدالة الاجتماعية: التي تمنح الأمل وتقضي على الفساد.
4. تعزيز الخطاب الديني المعتدل والمتصالح مع قيم العصر.
5. الاهتمام بالصحة النفسية واعتبارها أولوية قومية.

المواطن العربي، في جوهره، ليس مختلفًا عن أي إنسان في العالم: يبحث عن الكرامة، الحرية، والأمان. وعندما تُتاح له الفرصة، يثبت دائمًا أنه قادر على العطاء والإبداع.


اهم المراجع
* الجابري، محمد عابد. "نقد العقل العربي".
* حنبظل، علي. "الذهنية العربية: دراسة في التحليل النفسي الاجتماعي".
* شرف الدين، أحمد. "سوسيولوجيا العنف في العالم العربي".
* زياني، محمد. "علم نفس الجماهير العربية".



#حيدر_صادق_صاحب (هاشتاغ)       Haider_Sadeq_Sahib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلوك الجمعي (سلوك القطيع): الآليات والتجليات والتداعيات
- الديالكتيك… حين يتكلّم العالم بلغته السرّية (نسخة موسّعة مع ...
- البطالة في العراق: تشخيص الواقع واستشراف الحلول المستقبلية ت ...
- حقوق الأقليات في العراق، من جميع الجوانب التاريخية والدستوري ...
- التصحر في العراق: أزمة تهدد الهوية وماهي الحلول المستقبلية ل ...
- اصلاح تدريجي ام ترقيع مؤقت ((رؤيا سياسية تحليلية لما يحصل في ...
- دور اليسار والقوى الوطنية في العراق
- الموضة وتاريخ نشأتها وتطورها
- مراحل وانماط التغيير الاجتماعي (( patterns of change ))
- معالجة انفسنا اولا واصلاح الذات والابتعاد عن معالجة اخطاء ال ...
- مصطلح الغباء والتراكمات التي يسببها
- نهر حبك نشف
- أخطاء وثغرات النص الشعري في الشعر الشعبي العراقي
- كيف نستقبل العام الدراسي الجديد ونستعد له
- جمهورية الموز ومعول الهدم المنظم !!
- الهشاشة النفسية اسبابها ونتائجها
- معركة الوعي الذاتي بين ازمات التفكير والتضليل
- الفرق بين صنع القرار وطريقة اتخاذه وتنفيذه
- ((دور اليسار بين ضعف الامكانيات وسلبية التخطيط))
- التغيير اهم القرارات المصيرية للوصول الى الهدف المنشود


المزيد.....




- ترامب: خطة السلام الأمريكية لأوكرانيا -ليست عرضي النهائي-
- جرحى فلسطينيون باعتداءات للمستوطنين والاحتلال بالضفة
- ما أبرز الخروقات الإسرائيلية في قطاع غزة؟
- فرنسا تؤكد ضرورة الاستعداد لخطر الحرب في أوروبا
- مجموعة إيرانية تنشر تفاصيل شخصية لموظفين عسكريين إسرائيليين ...
- مقتل 24 فلسطينيا بضربات إسرائيلية متواصلة على قطاع غزة
- مصر.. قضية مدرسة -سيدز- تهز المجتمع ووزارة التعليم تتحرك
- -كوب30- يعتمد اتفاقًا مناخيًا من دون تعهّد بالتخلّص من الوقو ...
- الشرطة البرازيلية تحتجز الرئيس السابق -لمنعه من الفرار-
- الطريق إلى الوعي العميق.. كيف تشكل المشروع الفكري لمختار الش ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر صادق صاحب - سايكولوجية المواطن العربي - بين ثقل التاريخ وتحديات الحاضر