أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر صادق صاحب - فلسفة التعليم الآلي: كيف يقلب التعلم العميق مفاهيمنا عن المعرفة والإدراك؟















المزيد.....

فلسفة التعليم الآلي: كيف يقلب التعلم العميق مفاهيمنا عن المعرفة والإدراك؟


حيدر صادق صاحب
كاتب وشاعر شعبي

(Haider Sadeq Sahib)


الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 17:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة مهمة : لماذا يشكل التعليم الآلي تحدياً فلسفياً جذرياً؟
في قلب الثورة التقنية التي نعيشها يقف تعلم الآلة كأحد أكثر التطورات إثارة للقلق فلسفياً. ليس الأمر مجرد تقدم تقني آخر في سلسلة طويلة، بل هو تحول في طبيعة الذكاء نفسه، وفي علاقتنا بالمعرفة، وربما في مفهوم الإدراك. عندما تبدأ الآلات لا في محاكاة الذكاء البشري فحسب، بل في تطوير ذكاء خاص بها من خلال التعلم العميق، فإن الأسئلة الفلسفية الأساسية تطفو على السطح: ما المعرفة؟ كيف نعرف؟ وما الحدود بين الإدراك البشري والإدراك الآلي؟

إشكالية المعرفة في عصر الخوارزميات
لطالما عرفت الفلسفة المعرفة كبناء بشري خالص، نتاج التفكير والحدس والتجربة الإنسانية. ولكن مع ظهور الشبكات العصبية العميقة التي تستطيع تعلم أنماط معقدة من البيانات دون برمجة صريحة، يصبح السؤال: هل تمتلك هذه الأنظمة شكلاً من أشكال المعرفة؟ وهل يمكن أن نعتبر ما تكتسبه "فهماً" بالمعنى الفلسفي؟
النماذج اللغوية الكبيرة مثل GPT تظهر قدرة على التلاعب باللغة بطلاقة تثير الدهشة، بل وتظهر في بعض الأحيان قدرة على الاستدلال وحل المشكلات بطريقة تبدو "إبداعية". لكن السؤال الفلسفي يظل قائماً: هل هذه المعرفة الظاهرية هي مجرد محاكاة إحصائية متطورة، أم أنها تمثل شكلاً جديداً من أشكال المعرفة غير البشرية؟

طبيعة المعرفة الآلية: بين الإحصاء والفهم
يقودنا هذا إلى أحد أعقد الأسئلة: هل تختلف المعرفة الآلية جوهرياً عن المعرفة البشرية؟ في التعلم العميق، تبنى المعرفة عبر طبقات من التحولات الرياضية، حيث تتعلم الخوارزمية استخراج السمات من البيانات تدريجياً. هذه العملية غير قابلة للتفسير الكامل في كثير من الأحيان، حتى لمصمميها. إنها تخلق ما يمكن تسميته "معرفة ضمنية" - معرفة مضمنة في أوزان الشبكة العصبية، ولكن لا يمكن التعبير عنها كقواعد واضحة أو تفسيرات مفهومة للبشر.

هذا يطرح تحدياً للمفهوم الفلسفي التقليدي للمعرفة كحالة عقلية يمكن تبريرها والتعبير عنها لفظياً. المعرفة الآلية قد تكون فعالة دون أن تكون قابلة للوصف، ناجحة دون أن تكون مفهومة، وهو ما يقلب مقولات الفلسفة المعرفية التقليدية.

إشكالية الإدراك في الأنظمة غير الواعية
إذا كانت المعرفة الآلية تمثل تحدياً، فإن الإدراك يشكل تحدياً أكبر. الإدراك البشري ليس مجرد معالجة للمعلومات، بل هو تجربة ذاتية - ظاهرة الوعي التي حيرت الفلاسفة لقرون. عندما تتعرف شبكة عصبية على وجه في صورة، أو تميز بين نبرات الصوت، أو تتوقع سلوك المستخدم، هل تمتلك شكلاً من أشكال الإدراك؟
الفلسفة تتجادل في هذه المسألة بين معسكرين: من يرى أن الإدراك الحقيقي يتطلب وعياً وتجربة ذاتية، ومن يرى أن السلوك الذكي الكافي يمكن أن يشكل شكلاً من أشكال الإدراك حتى بدون وعي. التعلم العميق يدفعنا لإعادة التفكير في هذه المسألة، لأنه ينتج سلوكاً ذكياً متطوراً دون أي دليل على وجود تجربة ذاتية.

تحولات في مفهوم التعلم نفسه
لطالما ارتبط التعلم في الفلسفة بالوعي والقصدية. نتعلم لأننا نريد أن نعرف، ولدينا دافع للمعرفة. لكن التعلم الآلي يحدث دون قصدية، دون فضول، دون دافع. إنه تحسين إحصائي بحت لأداء مهمة محددة.
هذا يطرح سؤالاً عميقاً: هل يمكن أن نطلق على العملية الآلية "تعلم" بالمعنى الفلسفي، أم أنها مجرد تحسين أدائي؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فإن مفهوم التعلم يتوسع ليشمل عمليات لا واعية ولا قصدرية. وإذا كان الجواب بالنفي، فإننا نحتاج إلى مصطلح جديد لوصف ما تفعله هذه الأنظمة.

المعرفة كبنية اجتماعية في عصر الآلات
لطالما ناقشت الفلسفة المعرفة كظاهرة اجتماعية - نبنى معرفتنا من خلال الحوار والتفاوض والاتفاق المجتمعي. لكن مع دخول الأنظمة الآلية كمشاركين في إنتاج المعرفة، يتغير هذا المشهد جذرياً.
أنظمة التوصية تشكل معرفتنا بالعالم، والمترجمات الآلية تؤثر في فهمنا للغات الأخرى، والنماذج التنبؤية توجه قراراتنا. هذه الأنظمة تخلق حلقة تغذية راجعة حيث تتعلم من سلوكنا ثم تؤثر فيه، مما يخلق نوعاً جديداً من البناء الاجتماعي للمعرفة، لكن مع طرف غير بشري.

الأخلاقيات المعرفية في عصر التعليم الآلي
يطرح التعليم العميق أسئلة أخلاقية معرفية جديدة: ما مسؤوليتنا تجاه المعرفة التي تنتجها الآلات؟ ومن يتحمل مسؤولية الأخطاء المعرفية التي ترتكبها؟ عندما يتخذ قرار بناء على تحليل آلي، من يمكننا أن نحمله المسؤولية المعرفية؟
هذه الأسئلة ليست تقنية فحسب، بل هي فلسفية عميقة تمس طبيعة المسؤولية والمعرفة الموثوقة. إنها تتطلب إطاراً أخلاقياً جديداً لفهم العلاقة بين المعرفة البشرية والمعرفة الآلية.

مستقبل المعرفة في ظل التكامل البشري الآلي
أخيراً، يأخذنا التفلسف حول التعليم الآلي إلى سؤال مستقبلي عميق: كيف ستتطور المعرفة عندما تصبح عملية إنتاجها تكاملاً بين الذكاء البشري والذكاء الآلي؟ هل سنشهد ظهور أنظمة معرفية هجينة، حيث تتعاضد القدرة الحدسية البشرية مع القدرة الحسابية الآلية؟
قد يكون هذا المستقبل هو الأكثر إثارة فلسفياً، لأنه سيتحدى الفصل الثنائي بين المعرفة البشرية والمعرفة الآلية، ويفتح مجالاً لشكل جديد من أشكال المعرفة التي تتجاوز كلاً منهما.

خاتمة: نحو إبيستمولوجيا جديدة
يجب التعليم الآلي بضرورة تطوير إبيستمولوجيا جديدة - نظرية معرفة تأخذ في الاعتمام هذا الشريك المعرفي الجديد. إبيستمولوجيا لا تسأل فقط "كيف نعرف؟" بل أيضاً "كيف نعرف مع الآلات؟" و"كيف تعرف الآلات؟" و"ما طبيعة المعرفة التي ننتجها معاً؟"
هذه الأسئلة ليست أكاديمية بحتة، بل هي أساسية لفهم عالمنا الجديد. فكما غيرت الثورات المعرفية السابقة (الكتابة، الطباعة، الحاسوب) مفهومنا للمعرفة، فإن التعليم الآلي يعد بثورة معرفية من نوع جديد، حيث تصبح المعرفة منتجاً تعاونياً بين الإنسان والآلة.
التعلم العميق ليس مجرد أداة تقنية، بل هو ظاهرة فلسفية تدفعنا لإعادة النظر في أعمق افتراضاتنا عن العقل والمعرفة والإدراك. إنه يتحدانا لنفكر بشكل أعمق في ما يعنيه أن نعرف، وما يعنيه أن نفهم، وفي النهاية، ما يعنيه أن نكون بشراً في عالم تشاركنا فيه الآلات في أسمى أنشطتنا المعرفية.
هذا التحول المعرفي هو أحد أعظم التحديات الفلسفية في عصرنا، ويستدعي حواراً متعدد التخصصات يجمع بين الفلاسفة وعلماء الحاسوب وعلماء الأعصاب وعلماء الاجتماع، في محاولة لفهم هذا التحول الجذري في طبيعة المعرفة نفسها.



#حيدر_صادق_صاحب (هاشتاغ)       Haider_Sadeq_Sahib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل البشري العربي بين سندان التقاليد الاجتماعية ومطرقة الف ...
- مشروع الهيمنة: كيف يعيد الحزب الشيوعي كتابة قواعد اللعبة الع ...
- من بوح الجماعة إلى جنون الفرد: تشريح التحول في بنية القصيدة ...
- المحاصصة السياسية في العراق جذور عميقة وحلول غائبة
- سايكولوجية المواطن العربي - بين ثقل التاريخ وتحديات الحاضر
- السلوك الجمعي (سلوك القطيع): الآليات والتجليات والتداعيات
- الديالكتيك… حين يتكلّم العالم بلغته السرّية (نسخة موسّعة مع ...
- البطالة في العراق: تشخيص الواقع واستشراف الحلول المستقبلية ت ...
- حقوق الأقليات في العراق، من جميع الجوانب التاريخية والدستوري ...
- التصحر في العراق: أزمة تهدد الهوية وماهي الحلول المستقبلية ل ...
- اصلاح تدريجي ام ترقيع مؤقت ((رؤيا سياسية تحليلية لما يحصل في ...
- دور اليسار والقوى الوطنية في العراق
- الموضة وتاريخ نشأتها وتطورها
- مراحل وانماط التغيير الاجتماعي (( patterns of change ))
- معالجة انفسنا اولا واصلاح الذات والابتعاد عن معالجة اخطاء ال ...
- مصطلح الغباء والتراكمات التي يسببها
- نهر حبك نشف
- أخطاء وثغرات النص الشعري في الشعر الشعبي العراقي
- كيف نستقبل العام الدراسي الجديد ونستعد له
- جمهورية الموز ومعول الهدم المنظم !!


المزيد.....




- بمنتدى الدوحة.. تصريحات جديدة لوزير خارجية مصر حول معبر رفح ...
- قطر ومصر والنرويج يحذرون من خطر يواجه وقف إطلاق النار في غزة ...
- بقيمة 90 مليون دولار.. صفقة أميركية محتملة لتزويد لبنان بمرك ...
- -معاناتنا تتفاقم- ـ نازحون منسيون في المخيمات بعد عام على سق ...
- سوق الوهم.. -استغراب- يفضح معايير جمال متغيرة لا تعرف الثبات ...
- اجتماع أميركي سوري بشأن السويداء في عَمان
- حادث مروّع ليلة عيد الشكر.. شاهد سيارة مسرعة تقتحم مقهى شهير ...
- الكويت.. فيديو ضبط كميات ضخمة من المخدرات والداخلية تكشف تفا ...
- دعوات في منتدى الدوحة لتسريع المرحلة الثانية من اتفاق وقف إط ...
- قبل المحادثات بين كييف وواشنطن.. روسيا تشن هجومًا واسع النطا ...


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر صادق صاحب - فلسفة التعليم الآلي: كيف يقلب التعلم العميق مفاهيمنا عن المعرفة والإدراك؟