أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - نحو تركيا اتحادية: بين الدولة المزدوجة وتحوّلات القرن الثاني للجمهورية















المزيد.....

نحو تركيا اتحادية: بين الدولة المزدوجة وتحوّلات القرن الثاني للجمهورية


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 02:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مروان فلو - ٥/١٢/٢٠٢٥
منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، بُنيت بُنية الدولة على نموذج وحدوي شديد المركزية. وقد نشأ هذا النموذج في ظروف استثنائية عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية، وفي ظل خوف كبير من تكرار سيناريو التفكك (١). ومع مرور الوقت، تحوّل هذا الخيار الذي بدا ضروريًا في بدايات الدولة إلى عقيدة سياسية مغلقة، جرى فيها تجاهل التعددية القومية والثقافية والدينية التي تتكوّن منها الأناضول. وبعد 103 أعوام من التجربة، أصبح واضحًا أن النموذج الوحدوي لم يعد قادرًا على الاستمرار، لا سياسيًا ولا اجتماعيًا ولا اقتصاديًا.
كيف تشكّل النموذج الوحدوي؟
عندما تأسست الجمهورية، كان قادتها يواجهون دولة مدمرة، سكانيةً واقتصاديًا وسياسيًا. لذلك رأوا أن النجاح يكمن في إقامة دولة مركزية صلبة تعتمد على:
1. الخوف من التفكك
الإمبراطورية العثمانية كانت متعددة الشعوب. ومع انهيارها، ظهر هاجس أن الاعتراف بالتعددية سيؤدي إلى “تفتيت الدولة الحديثة”. ولهذا اعتمدت السلطة شعار:
«أمة واحدة»
لتذويب الهويات القومية المختلفة.
2. صناعة هوية قومية جديدة
اعتمدت الدولة سياسات تتريك شاملة، من التعليم إلى الإعلام إلى البيروقراطية، بهدف خلق “تركية سياسية” تستوعب الجميع، لكنها عمليًا همّشت مكوّنات كبرى، وفي مقدمتها الشعب الكُردي.
3. إقامة سلطة مركزية مطلقة
جُعلت أنقرة مركز القرار في كل شيء: الأمن، الاقتصاد، التعليم، القضاء، الإدارة المحلية… مما شكّل بنية تعطي للحكومة المركزية سيطرة شبه كاملة على المجتمع.
4. نتائج نموذج 1923
حقق النموذج درجة من الاستقرار، لكنه فشل في إدارة التعددية بمرور الوقت، وخلق احتقانات قومية متراكمة، تحولت لاحقًا إلى صراع مسلح مكلف ومدمّر.
فشل الدولة الوحدوية في حل القضية الكُردية
لم تتمكن الدولة المركزية من استيعاب ملايين الكُرد الذين يتجاوز عددهم اليوم الأربعين مليونًا في المنطقة. فقد أدى قمع اللغة الأم، ورفض الحكم الذاتي، وشيطنة المطالب الثقافية، إلى نشوء صراع طويل الأمد أودى بحياة عشرات الآلاف، وأهدر تريليونات الدولارات من خزينة الدولة (٢)(٣).
وقد عمّقت عقيدة:
«أمة واحدة، لغة واحدة، علم واحد»
المسافة بين الدولة والشعب الكُردي، حتى أصبحت العلاقة قائمة على انعدام الثقة، والتوتر، والاحتقان الدائم.
ماذا سيحدث إن استمر هذا النموذج لمئة عام أخرى؟
سيستمر دفن الموارد الاقتصادية في “الأمن” بدل التنمية.
ستضيع أجيال جديدة بين السجون والجبال.
ستفقد تركيا مرة أخرى فرصة أن تكون قوة إقليمية.
سيتآكل الترابط بين المجتمعين التركي والكُردي إلى حد خطير.
لهذا، لم تعد المعالجة الجزئية أو الأمنية قادرة على تقديم حل. إن المطلوب اليوم هو تغيير شكل الدولة نفسها.
النموذج الاتحادي: الخيار الوحيد الواقعي
الفيدرالية ليست انفصالًا ولا تقسيمًا، بل إعادة توزيع للسلطة بما يضمن بقاء الدولة موحدة، لكن عادلة وتمثيلية. تجارب الدول المركبة متعددة اللغات والثقافات (كندا، سويسرا، بلجيكا، ألمانيا، الهند…) تثبت أن الأنظمة الاتحادية قادرة على تحقيق الاستقرار والازدهار حين تعجز المركزية الصلبة (٤).
وتُظهر التجارب الأوروبية – كاقليمي الباسك وكاتالونيا في إسبانيا، واسكتلندا داخل المملكة المتحدة – كيف أن الحكم الذاتي يخفف التوترات القومية ويمنح الدولة قدرة أكبر على البقاء متماسكة.
تصميم ممكن لتركيا اتحادية
يمكن لتركيا أن تعتمد هيكلًا اتحاديًا متعدد الوحدات، يقوم على ما يلي:
إقليم كُردستان اتحادي ، يملك برلمانه، وشرطته المحلية، ونظامه التعليمي، وهيئة تحصيل ضرائبه.
وحدات فيدرالية أخرى للمناطق التركية: مرمرة، إيجة، البحر الأسود، وسط الأناضول…
تبقى الملفات السيادية الكبرى: الجيش، السياسة الخارجية، العملة، بيد الحكومة الاتحادية.
الفوائد المتوقعة:
انتهاء العنف مع زوال مبررات الصراع المسلح.
طفرة تنموية بعد أن تتمكن المناطق من إدارة مواردها بفعالية.
تعميق الديمقراطية وتقوية الحكم المحلي.
اتحاد طوعي بين الكُرد والأتراك.
تحول تركيا إلى قوة إقليمية كبرى متكئة على 85–90 مليون نسمة وموقع استراتيجي.
الدولة المزدوجة: مفهوم يتجاوز الفيدرالية التقليدية
الدولة المزدوجة ليست دولتين، بل دولة واحدة متعددة الطبقات السياسية:
طبقة اتحادية جامعة.
طبقات مكوّنة ذات خصوصية سياسية وثقافية.
إنها خطوة نحو الاستمرار، لا نحو الانقسام؛ نحو الاعتراف المتبادل، لا الإلغاء؛ نحو التعددية الدستورية، لا المركزية القسرية. وهذا النموذج لا يصلح لتركيا وحدها، بل لمعظم دول الشرق الأوسط التي تتكوّن من مزيج قومي–ديني–طائفي معقّد مثل سوريا والعراق وإيران وغيرها.. (٥).
رؤية أوجلان: سوء فهم لمشروع الدولة الحديثة
رؤية عبدالله أوجلان ليست تفكيكًا للدولة ولا انحلالًا لها، بل هي محاولة لإعادة تعريفها بما يستوعب تعددية المنطقة. ولذلك تحدث عن نموذج “الدولة الديمقراطية” المتعددة، حيث لا توجد حدود داخلية تفصل المكوّنات، ولكن توجد خصوصيات دستورية لكل مكون داخل دولة واحدة.
الشرق الأوسط: نهاية عصر الحديد والنار
القرن الماضي كان قرن الدول المركزية الصلبة. أما القرن الحالي فهو قرن الاعتراف بالهويات، لا قمعها. فالحكم بالحديد والنار لم يعد ممكنًا، ولا مقبولًا، إذ تصفه بعض الدول بأنه “قرن الأقليات”، رغم أن “الأقليات” هذه تشكّل في الواقع أكثرية جغرافية وسكانية.
إشارة دولية مهمّة
التصريح الحديث لنائب وزير الخارجية الأمريكي:
«انتهى عهد الميليشيات وسنحمي كردستان بالقوة»
يكشف أن التحولات في المشهد الإقليمي والدولي تسير باتجاه إعادة تعريف الكيانات السياسية في الشرق الأوسط (٦). وهذه الإشارة – بغض النظر عن الموقف الأميركي – تدل على أن التغيير بات ضرورة لا خيارًا.
خاتمة: بداية جديدة لتركيا
ثبت تاريخيًا أن النموذج الوحدوي لم يحلّ القضية الكُردية، بل عمّقها. وأن استمرار هذا النموذج يعني مئة عام أخرى من الألم لكلا الشعبين. أما الانتقال إلى نظام اتحادي–مزدوج فهو بداية جديدة:
في الحرية
والمساواة
والشراكة
والرخاء
والاستقرار الحقيقي
إن اتخاذ خطوة اتحادية دستورية جريئة هو أعظم مسؤولية تقع على تركيا في القرن الثاني للجمهورية.
+++++++++++++++++&&&
المراجع
(١) ظروف تأسيس الجمهورية التركية وبداية المركزية الصلبة.
(٢) الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن الصراع المسلح.
(٣) التقديرات الديموغرافية للشعب الكُردي في الشرق الأوسط.
(٤) النماذج الاتحادية المقارنة في العالم.
(٥) البنية القومية والدينية المركّبة لدول الشرق الأوسط.
(٦) التصريحات الأميركية الأخيرة بشأن حماية كردستان.



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعثر اتفاق قسد ودمشق: تشابك المصالح واستعصاء الحلول في الأسا ...
- الفرهْوار: في الجذور الميدية–الكردية للرمز الزردشتي الأعلى
- لماذا يمثّل الكُرد الامتداد السكاني الأكثر قدماً في شمال الر ...
- العام الذي لم يكتمل
- الجزيرة في وثائق 1919: موقعها بين حدود سوريا التاريخية وسياس ...
- إعادة هندسة الإقليم عبر المقاربة الديمقراطية الكُردية: تحليل ...
- أوجلان… هندسة الوعي الجمعي وصياغة الجيل الكُردستاني الجديد
- زيارة اللجنة البرلمانية التركية إلى جزيرة إمرالي: الدلالات ا ...
- تعليم اللغة الكُردية في باكور (شمال كردستان/تركيا): بين القي ...
- الطائفية السياسية في الساحل السوري – قراءة في صراع السلطة وا ...
- مظلوم عبدي والدستور السوري الجديد: رؤية شاملة لحقوق المكونات
- الدستور السوري الجديد ورؤية الإدارة الذاتية: قراءة في مطالب ...
- تداعيات تصريحات القائد العام لقسد مظلوم عبدي حول مستقبل المف ...
- من الدولة الكمالية إلى الدولة التعددية: تحليل بنيوي لموقع أو ...
- تحوّل الدولة التركية نحو مقاربة تفاوضية: قراءة في إصرار دولت ...
- تحوّل المزاج الدولي تجاه قوات سوريا الديمقراطية ودلالاته على ...
- منتدى دهوك وتحولات المشهد الكُردي السوري: قراءة تحليلية في ...
- ماذا حصل في منتدى دهوك «السلام والأمن في الشرق الأوسط» (MEPS ...
- سلام هشّ وتوافق مشروط: قسد ودمشق بين شفا الدمج والتوتر
- مظلوم عبدي و الهام أحمد في باشور كُردستان: رؤى جديدة لمستقبل ...


المزيد.....




- بوتين يطلق مزحة عند سؤاله عن اجتماعه مع مبعوثي ترامب
- مع تعثر فرص الاتفاق بين الجانبين… ما سرّ الـ200 مليون دولار ...
- كأس العرب.. الوطن والمنتخب مقابل جواز السفر
- بعد هجمات بالمسيرات في البحر الأسود.. تركيا تستدعي سفيري روس ...
- واشنطن: تعاون بين شرق ليبيا وغربها للتحضير لمناورات -فلينتلو ...
- أكسيوس يكشف الموعد المرتقب لبدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة ...
- حماس: أبو شباب خان شعبه ووطنه ولقي مصيره الحتمي
- غزة مباشر.. لقاء مرتقب بين ترامب ونتنياهو وحماس تطالب بفتح م ...
- لماذا تواصل أوروبا دعم قيس سعيد رغم انتقادها المتزايد له؟
- غارات إسرائيلية على لبنان بعد يوم من مفاوضات نادرة


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - نحو تركيا اتحادية: بين الدولة المزدوجة وتحوّلات القرن الثاني للجمهورية