أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - هدى زوين - أعاصير الغربان: نبوءةُ عاصفةٍ تحوّلُ مصير الأوطان














المزيد.....

أعاصير الغربان: نبوءةُ عاصفةٍ تحوّلُ مصير الأوطان


هدى زوين
كاتبة

(Huda Zwayen)


الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 20:02
المحور: حقوق الانسان
    


في هدوء الليل العميق، حين تخفت الأضواء وتغلق الأبواب، يصعد إلى السماء صوتٌ صامت لا يسمعه إلا من عرف لغة الغياب وأسرار الرحيل. هناك، في عتمة الأفق، تحلّق أسراب الغربان السوداء، تتحرك كأعاصيرٍ بلا هواء، تجرّد الوطن من أذكى العقول وأغلى الكفاءات، تأخذها بعيدًا نحو سماء لم تَعِدْ تحتضنها.
هذا المشهد المهيب يطرح السؤال الأعظم: لماذا يرحل من كان بوسعه أن يضيء دروب الأمة؟ هل هي هجرة حقيقية، أم بحثٌ ملحّ عن نورٍ واحتضانٍ لم يُعطَ في وطنه؟
ليست هذه قصة رحيل عادي، بل هي نبوءةٌ عاصفة، تحمل بين طيّاتها لغزًا عميقًا، ومصير أمة على مفترق طرق، تتبدل فيه الخريطة أمام أعيننا بلا إعلان.

هجرة الكفاءات ليست نزوحًا عابراً، بل أعاصيرُ الغربان؛ دوامات سوداء ترتسم في السماء، لا تحمل الريح، بل تأخذ معها بذور المستقبل. الغربان في الأساطير ليست مجرد طيور سوداء، بل رموز حكمة وذكاء خارق، قادرة على قراءة مسارات الرياح والسماء، وهكذا هم أصحاب العقول الذين يغادرون، لا هروبًا، بل بحثًا عن فضاءات تُقدّر أجنحتهم وتمنح أفكارهم ميداناً للتحليق.

هذا الرحيل ليس قرارًا فرديًا، بل صرخة تراكمت عبر سنين من الإحباط؛ إحباطٌ من نظامٍ يرفض الابتكار، من مؤسساتٍ تقيد الفكر، ومن بيئة تُخنق الطموح، فكان أن ترك الطبيب مهنته التي كانت ستنقذ آلاف الأرواح، وتركت المهندسة مشاريعها التي كان من الممكن أن تبني بها مستقبل وطن، وهاجر الباحث الذي كان قادرًا على أن يكسر قيود المستحيل، لأن الوطن لم يعد مكانًا يحتضنهم.

السؤال الجوهري يظل قائماً: هل هي الطيور التي تغادر أم السماء التي لم تعد تستحق بقاءها؟

ليس الرحيل موتًا، بل تحوّلٌ وولادةٌ جديدة في فضاءات أرحب. الغربان التي تهاجر ليست رمز شؤم، بل طيور حكمة تستغل العاصفة لتجديد نفسها، والكفاءات حين تغادر لا تموت، بل تُبعث من جديد في أماكن تفتح ذراعيها لتستقبلها.

رغم المأساة التي يحملها هذا المشهد، يبقى الأمل حياً في قدرة الأوطان على التغيير، في أن تعيد تشكيل بيئتها لتكون أرض جذب لا دفع، أن تفتح أبوابها لتملأ الفراغ الذي تركته العقول المغادرة، فالمستقبل لا يُحكم بالرحيل، بل يُبنى على إصلاح الأسس.

والأمل الحقيقي ليس في عودة الكفاءات فحسب، بل في أن يعود الوطن أكثر نضجًا، وأكثر اعترافًا بقيمة أبنائه، بسماءٍ تفتح أجنحتها لهم، وحياةٍ تكرم أفكارهم. حتى ذلك الحين، تبقى أعاصير الغربان تذكرنا بأن العقول لا تغادر بلا سبب، وأنها تحلق بحثًا عن نورٍ جديد، عن مستقبلٍ يستحق أن يُبنى ويُعاش.



#هدى_زوين (هاشتاغ)       Huda_Zwayen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرداء الأبيض...من نور البداية إلى سكون الرحيل
- من فلسطين إلى لبنان الجنوب… أرض وهوية لا تنكسر
- أزمة وطن في دائرة مغلقة
- محطات الإنسان في رحلة الحياة
- الفصول تعود... والبشر يرحلون عن أنفسهم
- الإنسانية المنكسرة في زمن السرعة
- الوطن بيتنا الكبير: التآخي طريق الكرامة والحرية
- جوهر الرجولة بين البقاء والاندثار
- بين الغابة والمدينة… ضياع الإنسانية في عصرنا
- الكورد: شعب الجبال وروح الحرية
- السلام ثمرة العدالة
- أصوات الفن المسلوبة: من الإبداع إلى الإهمال
- في حضرة الجنوب… الأرض تكتب أسماء شهدائها...
- الحياة ومعادلة التوازن الإنساني..
- العمل شرف لا ينتظر الوظيفة
- الصفقات الهستيرية: دائرة مفرغة من الفساد والتكرار
- هل فقدنا ثقافة الحوار في بيوتنا؟
- ملفات كتبت بدماء العدالة المؤجلة.
- أزمة بشر...
- السلطة التي ترقص على أنغام الشعب.


المزيد.....




- الجامعة العربية تستضيف ندوة حول معاناة الأسرى والمعتقلين في ...
- الضفة الغربية تحت مقصلة التطهير العرقي
- 4 شهداء و66 حالة اعتقال و27 عملية هدم وتجريف في القدس خلال ن ...
- ندوة في الجامعة العربية حول معاناة الأسرى والمعتقلين في السج ...
- 12 منظمة حقوقية إسرائيلية: 2025 العام الأشد فتكا بفلسطين منذ ...
- نادي الأسير الفلسطيني: نحو 21 ألف حالة اعتقال في الضفة بما ف ...
- اعتقال موغيريني بتهمة إساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي
- الأمم المتحدة : مستوى انعدام الأمن الغذائى فى الدول العربية ...
- وزير الداخلية الليبي: نرفض توطين المهاجرين غير النظاميين في ...
- قضاء إيران يدين عقوبات اميركا على قاضي المحكمة الجنائية الدو ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - هدى زوين - أعاصير الغربان: نبوءةُ عاصفةٍ تحوّلُ مصير الأوطان