هدى زوين
كاتبة
(Huda Zwayen)
الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 20:56
المحور:
حقوق الانسان
هل ما زلنا نعيش في عالم إنساني، أم أننا غرقنا في غابة صاخبة يسيطر عليها الجشع والحقد؟ أسئلة تتكرر كل صباح، ونحن نراقب أيامنا وهي تنساب مسرعة بلا رحمة، فيما تتبدل معايير الحياة حتى باتت ضبابية لا ملامح لها.
لم يعد للصدق مكان يطمئن فيه، ولا للرحمة عنوان يلوذ به، ولا للصبر قيمة تحفظ توازنه. كل شيء تغيّر، والإنسان ذاته بات غريبًا عن جوهره.
في هذا الزمن، امتلأت الساحات بأصوات تتباهى ببطولات جوفاء، ومفاخر متضخمة لا سند لها من الحقيقة. صار الفخر مجرد صدى يتردد في فراغ الروح، وتحولت الإنجازات الحقيقية إلى حبات قمح ضائعة وسط أكوام قشٍ صاخبة. من يتحدث كثيرًا يغطي بصوته على خوائه الداخلي، ومن يرفع صورته عاليًا يخبئ هشاشته العميقة.
لقد انكسرت الإنسانية تحت وطأة الأنانية والطمع. الأخلاق التي كانت جسرًا بين القلوب انهارت، والوفاء الذي كان ينسج الثقة تبدّد، والرحمة التي كانت تمنح هذا العالم شيئًا من جماله تلاشت في زحمة المصالح الضيقة. أصبح كل شيء مباحًا طالما أنه بعيد عن عين القانون، وغدت القلوب مقفلة على ذاتها لا ترى أبعد من حدودها الصغيرة.
والأدهى أننا نعيش زمن السرعة، حيث كل لحظة تأتي بخبر، وصورة، وكلمة، ومع ذلك يضيع الإنسان الحقيقي وسط الضجيج. صارت الأصوات الصادقة همسًا بالكاد يُسمع، فيما يطغى الزيف على المشهد. أما الصبر، فبات من الكائنات المنقرضة؛ لا صبر على الخسارات، ولا على تحديات الطريق، ولا حتى على ذواتنا. كل شيء عابر، كل شيء مستعجل، وكل إنسان يتحدث عن نفسه وكأنه مركز الكون.
ومع ذلك، يظل الأمل قائمًا. الأمل في أن نجد قلوبًا نقية ما زالت تؤمن بالصدق، وأرواحًا تُقيم الرحمة فوق الحقد، والصبر فوق العجلة، والعمل فوق الكلام. الأمل أن يستعيد الإنسان جوهره الذي يميزه عن بقية الكائنات: معدن روحه، قدرته على التضحية، ورغبته بالعطاء دون مقابل.
إن البطولة الحقيقية لا تُبنى من ضجيج الخطابات، بل من فعلٍ صادق يحفظ القيم ويعيد إليها نورها. وإذا كان هذا الزمن قد كسر إنسانيتنا تحت سرعة العبور، فإن العودة إلى الجوهر ممكنة، شرط أن نعيد النظر في أنفسنا، لنصون ما تبقى من قيم، ونصنع مجتمعات تحفظ كرامة الإنسان، وتعيد للإنسانية بريقها المفقود.
#هدى_زوين (هاشتاغ)
Huda_Zwayen#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟