هدى زوين
كاتبة
(Huda Zwayen)
الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 19:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الحياة ليست سوى انعكاس لمشاعرنا، نُسقط عليها ما نحمله في قلوبنا، فنراها أحيانًا نابضة بالحب، وأحيانًا خاوية كالصحراء. يمرّ الإنسان بمراحل تتلون كالفصول؛ يبدأ قلبه بالعطاء، يفيض عشقًا وحنانًا، يظن أن الحب وحده كفيل بأن يمنحه المعنى والامتلاء. فيمنح من عمره أيامًا وسنوات، ويزرع من روحه ما يوازي ما عاشه من لحظات.
لكن العجيب أن هذا البريق، مهما كان صادقًا، قد يخبو مع مرور الزمن. يتحوّل الاستثناء إلى عادة، وتفقد التفاصيل سحرها الأول، فيجد المرء نفسه أمام شعور باهت، وكأن الحياة أصبحت عادية، بلا مفاجآت ولا دهشة. وهنا، يبدأ الصراع الداخلي: أهو فتور طبيعي، أم أن الروح أنهكتها كثرة العطاء؟
ثم تأتي مرحلة أخرى، حيث تفرض المسؤوليات حضورها الطاغي؛ العمل، السعي، الالتزامات اليومية. يغرق الإنسان في دوّامة من الانشغال، يحاول أن يجدّد ذاته بالإنجاز لا بالعاطفة، فيركض وراء أهدافه، معتقدًا أن في الحركة حياة جديدة. غير أنه، في لحظة هدوء، يكتشف أنه وحيد وسط زحام العالم، يعيش بين ملايين من البشر، لكنه لا يجد من يسمع صداه.
الوحدة هنا ليست غياب الآخرين، بل غياب الروح التي تتقاطع مع روحك. هي شعور بأنك على كوكب مزدحم، لكنك غريب، تبحث عن قلب يراك كما أنت، لا كما يريدك أن تكون. هي تلك اللحظة التي تدرك فيها أن الكلمات الكثيرة من حولك لا تعني بالضرورة أن هناك من يفهمك، وأن الضجيج لا يبدّد صمت الداخل.
ومع ذلك، فإن رحلة الإنسان لا تتوقف عند محطة واحدة. إنها سلسلة من البدايات والنهايات، من الحب والفتور، من الانشغال والبحث، من السقوط والقيام. وفي كل مرة يظن المرء أن الطريق قد انتهى، يكتشف أن هناك فصلًا جديدًا ينتظره، وأن الروح، مهما أرهقها التعب، قادرة على أن تنهض من رمادها لتزهر من جديد.
الحياة، في جوهرها، ليست خطًا مستقيمًا من السعادة أو من الوحدة، بل هي توازن دائم بين المتناقضات. نحب، ثم نفتر؛ ننشغل، ثم نعود لنبحث عن معنى آخر. وهكذا تتشكل التجربة الإنسانية بما فيها من ألم وجمال، لتعلّمنا أن قيمة الحياة ليست فيما نملكه أو نفقده، بل في قدرتنا على الاستمرار، على النهوض من كل محطة بشيء جديد يضيف إلى وعينا وعمقنا.
#هدى_زوين (هاشتاغ)
Huda_Zwayen#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟