أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي ابراهيم فودة - صرخات تمرّد خلف الأسلاك… حكاية الأسرى بين عتمة العذابات وضوء الإرادة














المزيد.....

صرخات تمرّد خلف الأسلاك… حكاية الأسرى بين عتمة العذابات وضوء الإرادة


سامي ابراهيم فودة

الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 01:06
المحور: القضية الفلسطينية
    


هناك وراء الأسوار، حيث تُطوى الأصوات وتُحاصر الأنفاس، يولد نوع آخر من الوجع لا تصفه الكلمات، وجعٌ يختبر صلابة الروح حين تُحاصر الأجساد، ويُقيم في القلب حين تغترب الحرية خلف الحديد. تلك الحكايات التي تصلنا من معسكرات الاعتقال ليست مجرد أخبار أو روايات عابرة، بل شواهد حيّة على صراع الإرادة مع قسوة القيد، وعلى عزيمة لا تنكسر رغم ما يُمارس بحق أصحابها من أساليب القمع والإذلال.
ومن بين هذه الحكايات، تطلّ معاناة الأسرى في معسكر "جلعاد" كجرس إنذار يدوّي في الوجدان، لتكشف عن أذرع العذاب الممتدة وجدران الألم التي تلتف على حياة بشرٍ لا يملكون إلا صبرًا ورجاءً.
في معسكر "جلعاد"، ذاك الذي انبثق حديثًا كفرعٍ من معسكر عوفر، لا يُقاس الزمن بالساعات بل بصدى الضربات، ولا تُعدّ الأيام بالضوء بل بمدى قدرتهم على الصمود. أكثر من مئة وعشرين معتقلاً، معظمهم من الوجوه الجديدة في درب المعاناة، يواجهون واقعًا زُرعت فيه الخشونة عمدًا، وكُسرت فيه أبسط حقوق الإنسان دون وجل.

تتسابق شهادات الأسرى إلى فضح ما يجري بين تلك الجدران، وكل شهادة تحمل في طياتها ما يكفي لإيقاظ الضمير البشري كله.
وأشدّ ما يتردد في إفاداتهم هو الصعق بالكهرباء؛ تلك الأداة التي تحوّلت إلى لغة قمع ثابتة، لا تفرّق بين من يؤمّ المعتقلين للصلاة ومن يقف دقائق عند نافذة الحديد بحثًا عن نسمة حياة. كهرباء تُصَبّ على الجسد كجلدٍ من نار، وكأن الهدف ليس العقاب فحسب، بل ترك ندبة في الروح لا تُنسى.

وفي ليلة باردة، حين يتوقع المرء أن يكون السرير ملاذًا، يتحوّل "البرش" المصنوع من قضبان الحديد إلى جلدٍ جديد، يمزّق استقرار الجسد قبل أن يمسّ الراحة. فرشات رقيقة لا تكاد تُرى، وأجساد ترتجف من البرد، فتفضّل الأرض رغم خشونتها على تلك الأبراش التي تحوّلت إلى أداة إضافية للتنكيل. ثم تأتي لحظات التفتيش الصباحي في السادسة لتزيد المشهد قسوة؛ تُرفع الأغطية، وتُسحب الفرش، وتُترك الأجساد معلّقة بين برد الصباح وحرمان النوم حتى ساعات الليل المتأخرة.

أمّا "العدد" أو الفحص الأمني، فلا يحمل من اسمه سوى الشكل، إذ يُستغل لتحويل الأسرى إلى تماثيل مُنهكة: رُكوعٌ طويل، أيادٍ مرفوعة فوق الرؤوس، ووقت يُستنزف ببطء مقصود، كأنهم يريدون أن يختبروا قدرة الإنسان على الاحتمال حدّ الانكسار.

ويأتي الطعام ليكمل دائرة المعاناة؛ وجبات لا تُشبه الطعام، روائح العفن تفوح منها، وقليلها لا يسد جوعًا ولا يحفظ جسدًا. جوعٌ يلتصق بالذاكرة وبالجوف، حتى صار كل أسير يشعر أنّه يخوض معركة مزدوجة: معركة مع الألم ومعركة مع الجوع.

أمّا حين يحين وقت الزيارة، فالمشهد الذي يسبق اللقاء يختصر الكثير: أيدٍ وأقدام مكبّلة، رؤوس منخفضة، عيون معصوبة، وأوامر حادّة تدفعهم إلى رفع الأيدي فوق الرأس، في رحلة قصيرة لكنها تختزل معنى الإذلال بكل ما فيه من قسوة.

في ختام سطور مقالي:
ومع كل ما يجري خلف الأسلاك الشائكة، يبقى الأسرى، كعادتهم، مدرسةً في الثبات. قد يطفئ السجان الأنوار، وقد يضيّق عليهم الزنانين، لكنهم يصرّون أن يبقوا مشاعل نور داخل عتمة القهر.
هم لا يصرخون ليستجلبوا الشفقة، بل لينسجوا ما يشبه النداء الأخلاقي للعالم، ولمن بقي في ضميره حيّزٌ للعدل وللكرامة الإنسانية.
ومهما حاول الجلادون أن يطوّقوا أجسادهم بالحديد، ستظل أرواحهم أوسع من الجدران، وأقوى من القيد، وأبقى من معسكر "جلعاد" ومن كل أسماء القمع والظلم.



#سامي_ابراهيم_فودة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تجعلوا الله شمّاعة لفشل البشر… كفى تضليلاً للناس
- قصيدة لأهل الشمال
- «البندقية المتآكلة والقيادة المكشوفة: قراءة استراتيجية لمستق ...
- «السلاح المتآكل والقيادة المكشوفة: قراءة استراتيجية لمستقبل ...
- قصيدة زهراء… زهرةُ السَّماء
- الجزائر وفلسطين… حكاية تاريخ لا تنكسر وإرادة لا تُساوَم
- -ارتفاع أسعار العطور في غزة: بين الجشع وغياب الرقابة
- قصيدة : أنين الخيام في شتاء الوطن
- تقرير خاص يكتبه: سامي إبراهيم فودة سوق سوداء تستغل حاجة النا ...
- غزة… خيامٌ تقاوم العاصفة وقلوبٌ تصمد رغم الخذلان
- المنفى بعد الحرية... وصمة العار على جبين العروبة
- قانون الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين... وصمة عار على جبين ال ...
- ياسر عرفات... القائد الذي لم يرحل والرمز الذي يسكن الذاكرة ا ...
- -حماس والمستوطنات: لعبة جديدة على حساب دماء الشعب الفلسطيني-
- نوفمبر... حين تتعانق الثورة والحرية بين الجزائر وفلسطين
- قصيدة: -نوفمبران… من الأوراس إلى القدس-
- أمريكا… الشريك الكامل في جريمة إبادة غزة
- مروان.. سيف الشمس
- -حين يصبح الموت مشهدًا احتفاليًا، ينهار معنى العدالة-
- -رجلٌ على هيئة وطن-.. في وداع المناضل العقيد عماد أبو حمد


المزيد.....




- قتلها ووضع جثّتها في حقيبة سفر.. جريمة مروّعة تهزّ النمسا وت ...
- -مئات الجنود وسفن نووية-.. ما تفاصيل العرض السوداني لإنشاء أ ...
- تحوّل خطير في أوروبا: الناتو يدرس -ضربة استباقية-.. وروسيا ت ...
- السودان ـ الدعم السريع تعلن السيطرة على غرب كردفان وسقوط عش ...
- ترامب يطالب إسرائيل بعدم زعزعة استقرار سوريا ويحث على الحوار ...
- أحكام قضية -التآمر- في تونس: -نهاية الانتقال الديمقراطي-؟
- المحامي الجزائري للصحفي الفرنسي كريستوف غليز المسجون في الجز ...
- وزير الخارجية الجزائري: لإفريقيا الحق في المطالبة بالاعتراف ...
- المغرب: تصريحات مثيرة للجدل لوزير التربية والتعليم وردود فعل ...
- المغرب: انطلاق المؤتمر العالمي للمياه بمشاركة 100 دولة


المزيد.....

- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي ابراهيم فودة - صرخات تمرّد خلف الأسلاك… حكاية الأسرى بين عتمة العذابات وضوء الإرادة