أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي ابراهيم فودة - -حين يصبح الموت مشهدًا احتفاليًا، ينهار معنى العدالة-














المزيد.....

-حين يصبح الموت مشهدًا احتفاليًا، ينهار معنى العدالة-


سامي ابراهيم فودة

الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 01:44
المحور: القضية الفلسطينية
    


في زمنٍ تتكاثر فيه الخيانات والخذلان، يقف الناس غاضبين، يطالبون بالقصاص، يلعنون كل من باع وطنه أو تعامل مع العدو. لكن الغضب لا يمنح أحدًا، لا فصيلًا ولا جمهورًا، حقَّ استباحة الدم خارج إطار القانون. فالجريمة، مهما كانت بشاعتها، لا تُواجَه بجريمة أخرى. والأسوأ من القتل نفسه هو تحوّله إلى مهرجانٍ احتفالي، حين تتراص الجماهير وتصفق للموت، ويُغلف الإعلام الحزبي هذه الفظائع بشرعيةٍ زائفة. عندها لا نكون أمام حدثٍ عابر، بل أمام انهيارٍ في الضمير الجمعي، وانكشافٍ لخطر الفكر المضمحل الذي يحوّل الناس إلى أدواتٍ لا تفرّق بين العدالة والانتقام.

الجريمة لا تُطهّرها التصفيق

الإعدام خارج القضاء يقضي على الحق في محاكمةٍ عادلة، ويحوّل أي شكٍّ أو خطأ إلى موتٍ لا رجعة فيه. وعندما يتحول تنفيذ الأحكام إلى عرضٍ جماهيري يُصفق له الناس، فإن المجتمع بأسره يتحول إلى شريكٍ في الإثم.

التصفيق لا يبرّئ الضمير، بل يميّعه ويخرس صوت العقل، لأن من يعتاد التهليل للدم يفقد تدريجيًا إحساسه بقيمته. وهكذا، تُصبح الجريمة مشهدًا عاديًا، ويتحول المذنب الحقيقي إلى رمز، بينما يُدفن الحق في الضجيج.

تجييش العامة: من الفقر إلى غسل الضمائر

أغلب الذين يُحضرون مشاهد الإعدام ويهللون لها ليسوا قضاة ولا محققين، بل مواطنون عاديون أرهقهم الفقر والخذلان. يبحثون عن انتصارٍ رمزي في واقعٍ يسلبهم الكرامة والأمان. حين يعجز الفرد عن مواجهة أسباب بؤسه الحقيقية، يُغرى بالانخراط في لحظةٍ جماعية توهمه بالقوة والانتصار، فيتحول الدم إلى وسيلةٍ لتسكين الضمير، والتصفيق إلى طقسٍ لغسل العجز.

الفصائل التي تستثمر هذا الغضب الشعبي لا تحمي المجتمع، بل تستخدمه كدرعٍ نفسي وسياسي لتغطية فشلها في بناء مؤسسات عدلٍ حقيقية. وهكذا تتحول العدالة من نظامٍ مؤسسي إلى طقسٍ انفعالي، وتُختزل القضايا الوطنية الكبرى في مشهدٍ دموي يعيد إنتاج الخوف والولاء بدلًا من الوعي والمحاسبة.

من العدالة إلى الانتقام

العدالة لا تنتصر حين تُنفّذ بلا قانون، بل تُغتال معه. فالإعدام الميداني لا يردع الخيانة، بل يرسّخ فكرة أن العنف هو الطريق الوحيد لحماية القيم. وحين يغيب القانون، يغيب معه الأمان، لأن من يملك السلاح اليوم قد يوجهه غدًا إلى أي مخالفٍ آخر بتهمةٍ جديدة.

الانتقام ليس بديلاً عن العدالة، بل نقيضها. والاحتفاء بالعقوبة يفقدها معناها الردعي، لأن الناس لا يعودون يرون فيها تطبيقًا للحق، بل انتصارًا لطرفٍ على آخر. وهكذا، تُسلب العدالة من جوهرها وتتحول إلى أداةٍ للهيمنة لا وسيلةٍ للإنصاف.

الضمير الجمعي: اختبار الإنسانية الأصعب

حين يصفّق الناس للموت، فالمشكلة لم تعد في القاتل وحده، بل في المجتمع الذي اعتاد على مشاهد الدم حتى فقد حساسيته تجاهها. هذا التبلّد الأخلاقي هو الخطر الأكبر، لأنه يفتح الباب أمام مزيدٍ من الانحدار، ويحوّل فكرة "العدالة الشعبية" إلى غطاءٍ لكل فظاعةٍ مقبلة.

المجتمع الذي يُصفّق للإعدام اليوم قد يجد نفسه غدًا على المنصة نفسها، ضحية اتهامٍ أو وشايةٍ أو مزاجٍ سياسي متقلب. لذلك، فإن حماية العدالة لا تكون بالصمت ولا بالمباركة، بل بالمطالبة الدائمة بسيادة القانون، وبمقاومة تحويل الغضب الشعبي إلى أداةٍ لتبرير القتل.

في ختام سطور مقالي:

الإعدام الميداني لا يطهّر الأرض من الخيانة، بل يلوّثها بدمٍ بلا محاكمة. والتصفيق لا يمحو الخطيئة، بل يرسّخها في وجدانٍ جماعي يختلط فيه الحق بالباطل.

إن أخطر ما يمكن أن يحدث لمجتمعٍ تحت الاحتلال أو في زمن الأزمات هو أن يفقد بوصلته الأخلاقية، فيخلط بين العدالة والانتقام. فحين نبرّر القتل خارج القانون بحجة الخيانة، نكون قد خُنّا أنفسنا أولًا، وخسرنا ما هو أثمن من الأرض: إنسانيتنا.



#سامي_ابراهيم_فودة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -رجلٌ على هيئة وطن-.. في وداع المناضل العقيد عماد أبو حمد
- رواية : وراء القضبان… حكاية صمود
- ترامب وحماس… بين شهادة -الأيزو- ومسرحية التهويد السياسي
- حين تسقط الرؤوس… حماس تبدأ بأكل نفسها
- رواية..الكبسولة الأمنية – أسرار تُبتلع ولا تموت
- القيامة التي قامت... وانطفأت على رقمٍ بائس
- القصيدة.. -ملوك الحرية-
- عامان على النكبة الجديدة… غزة بين الرماد والرجاء
- حين تأخّر الرد… دفعت غزة الثمن: قراءة في مناورة -حماس- أمام ...
- -غزة على صفيح المراوغة: دماء الشعب تُقايض على الطاولة السياس ...
- غزة… في قفص الاتجار والمتاجرة
- لا للغراب دليلًا… لا للخراب مصيرًا
- غَزَّةُ الحُذاءُ الّذي صَفعَ السُّكون
- بين تعطيل الدبلوماسية وتصنيع المبررات لابتلاع الضفة
- عنوان القصة: بيسان فياض… الفتاة التي دفنوها وهي تنبض بالحياة
- -أبو وديع.. وداع الدمعة والخلود
- على هذه الأرض… من لا يستحق الحياة
- أبو علي طانيوس… رحيل القامة التي حملت فلسطين في قلبها-
- سماسرة القبور… عارٌ على شرف الوطن
- انهيار السلطة… حلم الأبالسة وكابوس الشعب


المزيد.....




- غزة بعد الاتفاق مباشر.. توافق الفصائل بشأن الإدارة ومسيرات أ ...
- الفصل الأخير من الجزيرة بتوقيت غزة.. التغطية مستمرة
- حقوقيون يتحدثون عن انتهاكات بمحاكمات معتقلي -جيل زد- في المغ ...
- استطلاع: 52% من الإسرائيليين يعارضون ترشح نتنياهو للانتخابات ...
- غوتيريش: مجلس الأمن يحتاج إصلاحات عاجلة طال انتظارها
- -ترامب يدرس خططا لاستهداف منشآت الكوكايين داخل فنزويلا-.. مص ...
- منشور قديم على مواقع التواصل وموقف من إسرائيل يشعلان استجواب ...
- نقاش اسرائيلي في مسألة الاقتراب من الخط الأصفر.. وبن غفير يد ...
- واشنطن تعيّن سفيرها في اليمن ستيفن فاجن مديرًا مدنيًا لمركز ...
- قضية جديدة تلاحق أكرم إمام أوغلو.. السلطات التركية تحقق معه ...


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي ابراهيم فودة - -حين يصبح الموت مشهدًا احتفاليًا، ينهار معنى العدالة-