سامي ابراهيم فودة
الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 08:28
المحور:
القضية الفلسطينية
أيها الخطيب…
يا مَن وقفتَ على المنبر لتكون لسان الحق، فإذا بك تتحول إلى بوقٍ يعيد ما لُقِّن، لا ما اعتقد، وما أُمِر، لا ما تَبيَّن.
صوّتَ عاليًا، لكنّ صوتك لم يحمل حقًا، بل حمل خوفًا، وترديدًا، وتبريرًا لفشل لا يمتّ إلى السماء بصلة.
تحدّثتَ عن الابتلاء، كأنّ الابتلاء قناعٌ يُخفِي أخطاء البشر،
وتحدثتَ عن القدر، كأن القدر سِترٌ يُغطّى به على مَن اتخذ القرار،
وتحدثتَ عن الصبر، كأنّ الصبر وظيفة الفقراء وحدهم،
بينما أهل القيادة معفون من الحساب، ومن تبعة ما صنعت أيديهم.
كفى تضليلًا للناس يا خطيب.
الله لا يُختطف إلى ساحات السياسة،
ولا يُستعمَل اسمه ليُعتَق مَن أخطأ،
ولا تُعَلَّق مشيئته على أبواب الفشل البشري.
أيها الخطيب…
إنّ ما يجري في غزة ليس سحابةً مرت لامتحانٍ عابر،
ولا بلاءً حلَّ عليهم دون أسباب،
بل وراءه قرارات، وطرق مسدودة، وعنادٌ سياسي، ومَن يصرّ على دفع شعبٍ كامل إلى محرقة لا يخرج منها إلا الركام.
فلماذا تصرّ على إخفاء الفاعل؟
لماذا تصرّ على إزالة اسم المسؤول من الواجهة فتكتب بدله: “إنه القدر”؟
ولماذا تريده ابتلاءً إلهيًا، بينما هو – في قسم كبير منه – حصاد تسرّعات، وتقديرات خاطئة، وقرارات اتُّخِذت فوق رؤوس الناس؟
أهذا هو دور المنبر؟
أن يصبح مظلةً تظلل من أخطأ؟
أم منصةً تمنع السؤال؟
أم جدارًا يمنع الناس من رؤية الحقيقة؟
أيها الخطيب…
الناس لم تعد مغفَّلة كما تظن.
وإن كانت تحترم الدين، فهي لا تحترم من يلوِّي عنقه لخدمة بشر.
وإن كانت تقدّس كلام الله، فهي لا تقدّس مَن يستخدم كلام الله ليغسل به يدًا ملوّثة بقرارٍ خاطئ.
إنّ الله عادل، فلا تجعلوه ستارًا لظلم أحد.
رحيم، فلا تجعلوه ذريعة لتعذيب شعب.
حكيم، فلا تجعلوا حكمته حجة لتهوّر إنسان.
كفى تضليلًا…
كفى ترويضًا للعقول…
كفى صناعةً لخطب تُخدّر، بدل أن توقظ، وتجمِّل الفشل بدل أن تكشفه.
أيها الخطيب…
إن كنت تخشى قول الحق، فاعتزل المنبر.
وإن كنت تخشى البشر أكثر من رب البشر، فاصمت، فالصمت أكرم من كلمة زائفة.
وإن كنتَ لا تستطيع أن تقول للناس الحقيقة، فلا تبيع لهم وهمًا مغلّفًا بالدين.
فالله أجلُّ من أن يكون شمّاعة،
وأعظم من أن يكون ذريعة،
وأرفع من أن يكون غطاءً لفشل البشر.
#سامي_ابراهيم_فودة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟