أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن خليل غريب - بين النص الديني المطلق والواقع المتغير:















المزيد.....

بين النص الديني المطلق والواقع المتغير:


حسن خليل غريب

الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 09:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قراءة في تعقيب حسن خليل غريب على مناقشة نقدية كتبها أحد الإسلاميين لكتابه (الردة في الإسلام).
مقدمة
في زمنٍ تتراجع فيه ثقافة الحوار لصالح الاصطفاف والانغلاق، يطلّ علينا الكاتب حسن خليل غريب بتعقيب فكري رصين على مناقشة لكتابه "الردة"، ليقدّم نموذجًا نادرًا في أدب الاختلاف، حيث تتلاقى المعرفة مع التواضع، والنقد مع الاحترام.
يبدأ غريب مقاله بشكرٍ صادق لمُحاوره، مشيدًا بفضيلة القراءة النقدية التي باتت عملة نادرة في زمن السرعة والسطحية. ويؤكد أن الحوار الجاد هو السبيل الأنجع لتطوير المعرفة، لا سيما حين يكون مبنيًا على احترام متبادل ومنهجية واضحة.
يمتدح الكاتب منهج ناقد كتابه، الذي يتسم بعمق في الاطلاع على التراث الفقهي السلفي، وقدرة على الاستنتاج، وهدوء في الطرح، مما يخلق بيئة حوارية صحية خالية من الاتهامات والانفعالات.
لكنه، في الوقت ذاته، يلفت إلى التباين الجوهري بينهما في المنهج: فبينما ينطلق محاوره من مسلّمات دينية يعتبرها مطلقة وثابتة، يتعامل غريب مع النصوص بوصفها استجابات ظرفية لمشكلات آنية، وبالتالي فهي نسبية وقابلة للتأويل.
هذا التباين المنهجي يطرح إشكالية مركزية في الفكر الإسلامي المعاصر: هل يمكن مناقشة النصوص الدينية بوصفها مطلقة في عالم يتغير باستمرار؟ وهل من المجدي أن يُكبّل الحوار بقيود النصوص دون النظر إلى سياقاتها التاريخية والاجتماعية؟
يرى غريب أن الحوار يفقد جدواه إذا كان أحد أطرافه يعتبر أن نتائج النقاش محسومة سلفًا لصالح "ما قاله الله"، لأن ذلك يُقصي العقل البشري من المعادلة، ويحوّل الحوار إلى طقس من التسليم لا من التفكير. لكنه لا ينكر في الوقت ذاته عظمة الخالق، بل يرفض أن يُختزل الدين في أوامر تفصيلية تُفرض على الإنسان دون مراعاة لظروفه ووعيه.
ينطلق غريب من رؤية تؤمن بأن الله زوّد الإنسان بمُثل عليا كالحرية والعدالة، وترك له حرية الاجتهاد في تحقيقها. ويُفرّق بوضوح بين القيم المطلقة (كالحرية) والوسائل المتغيرة (كالإكراه)، رافضًا أن يُعتبر الإكراه مبدأً إلهيًا مطلقًا، كما يذهب بعض الفقهاء. فالإكراه، في نظره، وسيلة متغيرة قد تُستخدم في ظروف معينة، لكنها لا ترقى إلى مرتبة القيمة الثابتة.
ويصل إلى ذروة نقده حين يتساءل: هل خُلق الإنسان ليكون وسيلة لخدمة الشريعة، أم أن الشريعة وُجدت من أجل سعادته؟ وهل من المعقول أن يُمتحن الإنسان بين طاعة عمياء أو عذاب أبدي، في حين أن الله فطره على الحرية والاختيار؟
في هذا المقال، لا يهاجم غريب الدين، بل يدعو إلى تحريره من الجمود، وإلى إعادة تأويله بما ينسجم مع القيم الإنسانية العليا. إنه صوت عقلاني يطالب بأن يكون الإنسان غاية لا وسيلة، وأن يكون الدين رسالة تحرر لا أداة قسر.

أولاً: الناسخ والمنسوخ بين النص والواقع: قراءة في ملاحظات حسن خليل غريب
في مداخلته النقدية يواصل حسن خليل غريب تفكيك البنية التقليدية للفقه الإسلامي، متناولًا هذه المرة قضية "الناسخ والمنسوخ" بوصفها مدخلًا لفهم العلاقة بين النص الديني والواقع المتغير. وهو لا يكتفي بطرح الأسئلة، بل يذهب أبعد من ذلك، ليعيد ترتيب الأولويات بين القيم الثابتة والوسائل المتغيرة، في محاولة جريئة لإعادة الاعتبار للعقل والاجتهاد.

1-النسخ ليس إلغاءً بل تطور:
ينطلق غريب من قراءة مغايرة للآية القرآنية: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾، ليرى أن النسخ ليس إلغاءً لحكم بحكم، بل هو تعبير عن حيوية الشريعة وقدرتها على التكيف مع تغير الظروف. فالأحكام، في نظره، ليست مطلقة، بل أدوات مرحلية لتنظيم حياة الناس وفق مصالحهم المتغيرة. ومن هنا، فإن النسخ يصبح دليلاً على مرونة الشريعة لا على جمودها.

2-نقد المنهج الفقهي التقليدي:
لا يتردد غريب في مساءلة التراث الفقهي، متخذًا من الإمام النيسابوري مثالًا على من تعامل مع النسخ كقضية شكلية، دون الغوص في جوهر النص. ويطرح تساؤلات عميقة حول منطقية نسخ الخط والحكم، أو الإبقاء على أحدهما دون الآخر، متسائلًا: هل الغاية من النص هي الحرف أم المعنى؟ وهل يمكن اعتبار ما قاله الفقهاء نصوصًا مقدسة لا يجوز مناقشتها؟
في هذا السياق، يستحضر مقولة الإمام محمد عبده: "هم رجال ونحن رجال"، ليؤكد أن الاجتهاد ليس حكرًا على من تخرجوا من كليات الشريعة، خاصة وأن هذه الكليات نفسها تختلف في مناهجها وتوجهاتها، بينما اعتمد المسلمون الأوائل على كفاءاتهم العقلية والنقلية دون شهادات أكاديمية.

3-الحوار والسيف: أيهما الأصل؟
ينتقل غريب إلى مناقشة إشكالية الدعوة الإسلامية بين مرحلتي الحوار والسيف، رافضًا فكرة أن تكون آية السيف قد نسخت آيات الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. ويستدل على ذلك بأن الذين آمنوا في المرحلة المكية، حيث كانت الدعوة سلمية، هم أكثر إيمانًا وثباتًا من أولئك الذين أسلموا تحت وطأة السيف، والذين كان كثير منهم من المنافقين.
ويخلص إلى أن الحوار هو القاعدة الثابتة في الدعوة، بينما القتال أداة ظرفية، تُستخدم فقط عند الضرورة القصوى. فليس من المنطقي، في رأيه، أن نساوي بين الحوار والإكراه، أو أن نعتبر القتال قيمة ثابتة، بل هو وسيلة تُستخدم للدفاع عن القيم العليا كالمساواة والعدالة، لا أكثر.

4-الحرية والإيمان: بين الفرد والجماعة
يتوقف غريب عند مسألة حرية الإيمان داخل الأسرة الواحدة، رافضًا فكرة أن يكون الإيمان موحدًا قسرًا داخل البيت، أو أن يُمنع أحد أفراد الأسرة من اختيار معتقده بدعوى الحفاظ على وحدة الإيمان. ويعتبر أن هذا الطرح يصادر حرية الإنسان، ويحوّل الدين إلى سلطة قهرية لا تقبل التعدد والاختلاف.

5-القيم المطلقة والوسائل المتغيرة:
في ختام مداخلته، يعيد غريب ترتيب القيم، فيضع العدالة والحرية والحوار في خانة القيم الثابتة، بينما يضع القتال والإكراه في خانة الوسائل المتغيرة. ويؤكد أن استخدام القوة لا يكون مشروعًا إلا عندما تفشل وسائل الحوار، وأن الأفضلية دائمًا للحوار، لأنه الأصل في العلاقة بين البشر.

خلاصة المقال
ما يقدمه حسن خليل غريب ليس مجرد نقد للتراث، بل هو دعوة لإعادة بناء العلاقة بين النص والواقع، بين الثابت والمتغير، بين الغاية والوسيلة. إنه يطالب بإعادة الاعتبار للعقل والاجتهاد، وبأن يكون الحوار هو الأصل، لا الاستثناء، في فهم الدين وتطبيقه. وفي زمن تتعالى فيه أصوات الإقصاء والتكفير، تبدو هذه الدعوة أكثر من ضرورية، بل مصيرية.

ثانياً: تفكيك البنية الفقهية:
في مداخلته الثالثة، يواصل حسن خليل غريب تفكيك البنية الفقهية التقليدية التي قامت على مبدأ الناسخ والمنسوخ، متخذًا من العلاقة بين الحوار والقتال محورًا لنقده. ويطرح تساؤلات جذرية حول مدى صلاحية هذه القواعد في عصرنا، مستندًا إلى الواقع المعاصر، وإلى روح النص القرآني، لا إلى تأويلاته المتراكمة.

1-الحوار أولًا… والقتال استثناء:
ينطلق غريب من ملاحظة لمحاوره في الحوار، الذي أقر بأن الحوار لم ينقطع حتى بعد نزول الإذن بالقتال، مستشهدًا بصلح الحديبية وغزوتي بدر والخندق. ويضيف غريب بأن هذا الإقرار بحد ذاته دليل على أن الحوار كان الخيار الأول، وأن القتال لم يكن إلا أسلوبًا مرحليًا، فرضته ظروف معينة، ثم تجاوزه الواقع.
ويذهب أبعد من ذلك، ليقول إن الحوار، بوصفه قيمة ثابتة، قد نسخ واقعيًا أسلوب القتال، لا العكس. ففي القرن الحادي والعشرين، لم يعد ممكنًا تقسيم العالم إلى مؤمنين وكفار، ولا يمكن فرض الإيمان بالقوة. ومن هنا، فإن قاعدة "آية السيف نسخت آيات الحوار" تصبح لاغية بحكم الواقع، وتفقد مشروعيتها الأخلاقية والعملية.

2-النص القرآني وسياقه التاريخي:
يذكّر غريب بأن القرآن نزل خلال 23 سنة، استجابة لوقائع محددة في بيئة جزيرة العرب. ويتساءل: هل يمكن تعميم هذه الأحكام، التي نزلت في سياق اجتماعي وسياسي واقتصادي خاص، على مجتمعات معاصرة تختلف جذريًا عن تلك البيئة؟ وهل من المنطقي تجاهل النظريات الإنسانية الحديثة التي أثبتت نجاحها، فقط لأنها ليست من صلب الشريعة الإسلامية؟
هنا، يضع غريب إصبعه على الجرح: إن الجمود في فهم النصوص، ورفض الاجتهاد، يؤدي إلى عزل الإسلام عن العصر، ويحول الدين من رسالة هداية إلى منظومة مغلقة ترفض التفاعل مع العالم.

3-من يمثل الله على الأرض؟
في معرض رده على خصمه، ينتقد غريب بشدة من يزعمون أن لهم حقًا إلهيًا في محاسبة الناس، مستندين إلى قاعدة الناسخ والمنسوخ. ويستنكر أن تُختزل الإرادة الإلهية، التي أوكلت للنبي مهمة البلاغ فقط، في أيدي فقهاء ينصّبون أنفسهم وكلاء عن الله، فيصدرون أحكام الكفر، ويستتيبون، ثم يقتلون.
ويعيد التذكير بآية: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾، ليؤكد أن الحساب شأن إلهي خالص، لا يحق لأحد أن يصادره باسم الدين.

4-القتال في النصوص… قراءة نقدية:
يرد غريب على اتهام محاورهله بالإكثار من ذكر القتل والقتال، موضحًا أن هذه العبارات وردت في سياق نقده لآراء فقهية تبرر استخدام القوة في الدعوة. ويستعرض عددًا من النصوص القرآنية والأحاديث التي استُند إليها لتبرير القتال، ثم يطرح سؤالًا جوهريًا: هل هذه النصوص تمثل قاعدة مطلقة، أم أنها جاءت في سياق دفاعي ظرفي؟
ويشير إلى أن بعض الفقهاء، من مختلف المذاهب، أفتوا بقتل المرتد دون استتابة، مستندين إلى أحاديث ونصوص، لكنه يرى أن هذا التوجه يتناقض مع روح الإسلام التي تعطي الأولوية للحوار، وتؤمن بحرية الاعتقاد.

5-القيم العليا والوسائل المتغيرة:
يعود غريب إلى تأكيد مبدئه الجوهري: أن القيم العليا كالحوار والحرية والعدالة هي الثوابت، أما القتال والإكراه فهي وسائل متغيرة، تُستخدم فقط عند الضرورة القصوى. ويؤكد أن الأفضلية دائمًا للحوار، لأنه الأصل، ولأنه يعبر عن احترام الإنسان ككائن حر عاقل.
ويختم بسؤال حاسم: إذا كان الحوار كافيًا لحل النزاعات، فلماذا نلجأ إلى القتال؟ وإذا كان القتال وسيلة، فهل يجوز أن نرفعه إلى مرتبة القيمة المطلقة؟ الجواب، في نظره، لا. لأن القيم لا تُفرض بالقوة، بل تُبنى بالحوار والاقتناع.
خلاصة المقال
في هذا الجزء، يواصل حسن خليل غريب تفكيك الأسس الفقهية التي قامت على مبدأ النسخ، ويعيد الاعتبار للحوار كقيمة مطلقة، وللحرية كحق أصيل. إنه لا يهاجم النصوص، بل يطالب بقراءتها في سياقها، وبفهمها على ضوء الواقع المتغير. وفي زمن تتجدد فيه الدعوات إلى العنف باسم الدين، تبدو دعوته إلى الحوار أكثر من ضرورية، بل هي صرخة عقل في وجه الجمود.
ثالثاً: الحوار الحقيقي والحوار المشروط:
ويتابع غريب تساؤله:
1-آية السيف… أم آية الحرية؟
ينقل غريب عن محاوره استشهاده بآراء النيسابوري وغيره من الفقهاء الذين يرون أن آيات الحوار، كـ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ﴾ و﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، قد نُسخت بآية السيف. ويعترض غريب على هذا المنطق، معتبرًا أن الحوار والحرية قيم مطلقة لا يجوز نسخها، لأنها تمثل جوهر الرسالة الإسلامية، لا مجرد أدوات ظرفية.
ويؤكد أن القتال، في أحسن أحواله، وسيلة دفاعية مشروطة، لا يمكن أن تُرفع إلى مرتبة القيمة الثابتة. فكما لا يجوز اشتراط العدل أو الكرم أو الحرية، لا يجوز أيضًا تبرير الإكراه باسم الدين، لأن الإكراه نقيض الحرية، والحرية هي جوهر الإيمان.

2-بين الحوار الحقيقي والحوار المشروط:
ينتقد غريب ما يسميه "الحوار المشروط" الذي يتبناه بعض الفقهاء، والذي لا يهدف إلى تبادل الآراء، بل إلى إعطاء الطرف الآخر "مهلة" للتراجع عن قناعاته، وإلا فالسيف بانتظاره. ويرى أن هذا النوع من الحوار لا يرقى إلى مستوى القيمة، بل هو قناع للإكراه، وتكريس لسلطة لا تقبل النقاش.
ويؤكد أن الحوار الحقيقي هو الذي يقوم على الاعتراف المتبادل، وعلى حق كل طرف في أن يحتفظ بقناعاته، حتى لو لم يقتنع برأي الآخر. أما أن يُفرض عليه الإيمان تحت التهديد، فذلك نفي للحوار، لا تجسيد له.

3-القتال لحماية القيم… لا لفرضها:
يقر غريب بأن القتال قد يكون مشروعًا في حالات الدفاع عن القيم العليا، كرفع الظلم أو حماية المعتقد، لكنه يرفض أن يُستخدم لفرض الإيمان. فالدين، في جوهره، دعوة لا قسر، بلاغ لا إكراه. ويستشهد بآية: ﴿إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾، ليؤكد أن الحساب شأن إلهي، لا يحق لأحد أن يصادره باسم الشريعة.
ويستنكر أن تُنصّب بعض الفتاوى الفقهية الإنسان ممثلًا لله، يحكم على الناس بالكفر، ويستتيبهم، ثم يقتلهم إن لم "يتراجعوا". ويرى أن هذا المنطق يختزل الدين في سلطة بشرية، ويجعل من الفقهاء وكلاء على ضمائر الناس، وهو ما يتناقض مع روح الإسلام.

4-القيم الثابتة لا تُنسخ
يعود غريب إلى تأكيد قاعدته المركزية: أن القيم العليا، كالحوار والحرية، لا تُنسخ، لأنها تمثل جوهر الرسالة، بينما القتال وسيلة ظرفية، لا يمكن أن تنسخ الأصل. ويستغرب من اتهامه بتشويه صورة الإسلام، في حين أن ما يفعله هو الدفاع عن وجهه الإنساني، الرافض للإكراه، والداعي إلى الإقناع.
ويذكّر محاوره بأنه هو نفسه أقر بأن القتال كان دفاعًا عن النفس، وأن الظروف هي التي كانت تحدد استخدام السلاح. ويخلص إلى أن الفرق بينهما ليس في النتائج، بل في المنهج: فمحاوره يوازن بين الحوار والقتال، بينما يعطي غريب الغلبة للحوار، نقلًا وعقلًا، لأنه الأصل، ولأن القيم لا تُفرض بالقوة.
خلاصة المقال
في هذا الجزء، يضع حسن خليل غريب إصبعه على الجرح الفقهي العميق: هل يمكن أن يُنسخ الحوار بالسيف؟ وهل يجوز أن تُرفع الوسائل الظرفية إلى مرتبة القيم المطلقة؟ إنه لا يهاجم النصوص، بل يطالب بقراءتها في ضوء مقاصدها الكبرى، وفي سياقها التاريخي، وبما ينسجم مع كرامة الإنسان وحقه في الحرية. وفي زمن تتجدد فيه الدعوات إلى العنف باسم الدين، تبدو دعوته إلى تغليب الحوار على القتال، لا مجرد خيار فكري، بل ضرورة أخلاقية وإنسانية.

رابعاً: بين أمجاد الماضي وأسئلة الحاضر:
في خاتمة تعقيبه على مناقشة محاوره، يفتح حسن خليل غريب نافذة تأملية عميقة، تتجاوز الجدل الفقهي إلى مساءلة الخطاب الديني والتاريخي السائد، وتعيد طرح أسئلة جوهرية حول دور العرب في حمل الرسالة الإسلامية، وحول العلاقة بين الإيمان والانتصار، بين النص والواقع، وبين المجد الموروث والمأزق المعاصر.

1-هل كان الجبر قدريًا أم تاريخيًا؟
ينطلق غريب من مقولة محاوره بأن "الجبر كان للعرب لكي يتحمّلوا تبعات انتشار الإسلام"، ليرد بأن الفتوحات الإسلامية، رغم عظمتها، لم تكن ثمرة الإيمان وحده، بل ساهمت فيها عوامل مادية وتاريخية لا يمكن إنكارها: من الغنائم، إلى ضعف الدول المحيطة، إلى الصراعات الداخلية التي كانت تمزق الشعوب المفتوحة.
ويطرح سؤالًا لافتًا: إذا كان الإيمان هو العامل الحاسم في النصر، فلماذا انهارت دولة الإسلام في القرن العشرين، رغم تمسكها بالشريعة؟ ألا يدل ذلك على أن الإيمان وحده لا يكفي، وأن عوامل النهوض والانهيار أكثر تعقيدًا من مجرد الالتزام الديني؟

2-"خير أمة"… بين النص والواقع:
ينتقد غريب الخطاب الذي يكتفي بالاستشهاد بآية "كنتم خير أمة أخرجت للناس" لتبرير التفوق الأخلاقي والحضاري، دون النظر إلى الواقع المتردي. ويعتبر أن هذا الخطاب، الذي يرفض النقد ويعزو كل فشل إلى "الابتعاد عن الإسلام الصحيح"، هو خطاب تضليلي يتهرب من مواجهة الأسئلة الصعبة.
ويستحضر مثال العهد الراشدي، الذي شهد فتنًا دموية واغتيالات حتى بين الصحابة، ليتساءل: إذا كان ذلك العهد هو النموذج المثالي، فلماذا لم يسلم من الفوضى والاقتتال؟ وهل يمكن تفسير ذلك بعقاب إلهي؟ أم أن علينا أن نعيد النظر في فهمنا للتاريخ والدين معًا؟

3-دعوة إلى حوار شجاع:
في ختام تعقيبه، يعبّر غريب عن امتنانه لمحاوره، معتبرًا أن هذا الحوار أتاح له فرصة نادرة لمواجهة النصوص النقلية بوضوح وجرأة. ويشيد بسعة صدر محاوره، داعيًا إياه إلى مواصلة قراءة كتابه حتى نهايته، لأن الفصول القادمة ستكشف عن مزيد من الرؤى التي تستحق النقاش.
ويختم بنداء صادق: أن يُعمّم هذا الحوار، بكل ما فيه من نقد وتعقيب، لأنه يمثل نموذجًا نادرًا لحوار فكري ناضج، تتلاقى فيه المعرفة بالنقد، والإيمان بالعقل، والاختلاف بالاحترام.
خلاصة المقال
في هذا الجزء الأخير، يضع حسن خليل غريب النقاط على الحروف، متجاوزًا الجدل الفقهي إلى نقد الخطاب الديني السائد، الذي يختزل التاريخ في أمجاد الماضي، ويتجاهل تعقيدات الحاضر. إنه يدعو إلى قراءة جديدة للنصوص، وإلى حوار عقلاني لا يخشى الشك، ولا يقدّس التراث على حساب الواقع. وفي زمن تتعالى فيه الأصوات الأحادية، تبدو دعوته إلى النقد والحوار أكثر من ضرورية، بل هي شرط من شروط النهوض الحضاري.



#حسن_خليل_غريب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلقة الثالثة من (سلسلة مفاهيم مختصرة في مشروع حسن خليل غري ...
- الحلقة الثانية من (سلسلة مفاهيم مختصرة في مشروع حسن خليل غري ...
- الحلقة الأولى من (سلسلة مفاهيم مختصرة في مشروع حسن خليل غريب ...
- حول إشكالية البحث النظري للمفاهيم القومية في مشروع حسن خليل ...
- بعد ألف وأربعمائة سنة من التكفير والتكفير المضاد (خاتمة كتاب ...
- الحلقة الثانية من (في مواجهة أزمات الهوية والهيمنة إلى بناء ...
- الحلقة الأولى من (في مواجهة أزمات الهوية والهيمنة من تفكيك ا ...
- مشروع حسن خليل غريب الفكري من التواكل إلى الخلق الذاتي
- تحرير العقل الأيديولوجي القومي في مشروع حسن خليل غريب الفكري
- مشروع حسن خليل غريب الفكري بين الواقعية والمثالية
- دَور إنتِفاضَات الشَبَاب العَرَبيّ فِي إعادَةِ بِنَاء الدّول ...
- محنة الغرب مع الرأسمالية الصهيونية: من التأسيس إلى المواجهة
- دور انتفاضات الشباب العربي في إعادة بناء الدولة الوطنية
- الدَّولَة الوَطَنِيَّة العَرَبِيَّة بَيْنَ الإنهِيَار وإِعَا ...
- هندسة المفاهيم القومية والدينية في مشروع حسن خليل غريب الفكر ...
- المِيلشِيات الإِيرَانيَّة ومآلاتها فِي المُستَقبَل (الحلقة ا ...
- المِيلشِيات الإِيرَانيَّة ظَاهِرَةٌ خَارِجَة عَنْ سُلْطَةِ ا ...
- في الصراع الدائر بين (إسرائيل) وإيران العرب بين مطرقة المشار ...
- الفكر المقاوم في مشروع حسن خليل غريب الفكري (مفاهيم ووقائع و ...
- حسن خليل غريب ومشروعه الفكري: مقارنة بين مشروع ميشيل عفلق وم ...


المزيد.....




- بودابست: اللجنة الرئاسية تشارك في ندوة حول واقع المسيحيين في ...
- بابا الفاتيكان في تركيا : ما أبعاد الزيارة التاريخية ؟
- الفاتيكان يستقبل شجرة تنوب نرويجية بطول 27 مترا في ساحة القد ...
- مستعمرون يحرقون مسجدا ويخطّون شعارات عنصرية غرب سلفيت
- بابا الفاتيكان يزور تركيا ويحذر من -طغيان اللون الواحد-
- بابا الفاتيكان يفتح ملف السلام خلال أول رحلة خارجية
- إسرائيل: الخدمة العسكرية الإلزامية لليهود المتشددين -الحريدي ...
- الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يستقبل بابا الفاتيكان ليون الر ...
- إيران تدين قرار أستراليا غيرالقانوني حول حرس الثورة الاسلامي ...
- فيديو.. كتيبة البراء الإخوانية تؤكد ارتباطها بالجيش السوداني ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن خليل غريب - بين النص الديني المطلق والواقع المتغير: