|
|
مشروع حسن خليل غريب الفكري من التواكل إلى الخلق الذاتي
حسن خليل غريب
الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 22:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تمَّ إعداد البحث بمساعدة الذكاء الاصطناعي
أولا: فكرة الله: 1-يرى غريب أن فكرة الله في مشروعه الفكري هي ضرورة عقلية وفكرية تتجاوز الإدراك الحسي، وتُفهم من خلال نتائجها في الوعي والسلوك الإنساني. وفي مشروعه يطرح تصورًا فلسفيًا عقلانيًا لفكرة الله، بعيدًا عن الطرح التقليدي أو الديني الصرف. وإن أبرز ملامح هذه الفكرة، هو أن الله كفكرة عقلية لا تُدرك بالحس، وإن الله ليس محسوسًا أو ملموسًا أو منظورًا، لكنه يُفهم كما يُفهم الفكر نفسه. لا نلمسه أو نراه، لكننا نثق بنتائجه. كما يؤكد أن وجود الله لا يُثبت بالحس المباشر، بل يُدرك بالعقل، لأن العقل قادر على استنتاج وجوده من خلال النظام الكوني والوعي الإنساني. 2-الله في سياق نقد الفكر الديني: في إطار نقده للفكر الديني، لا ينكر حسن خليل غريب وجود الله، بل ينتقد التواكل والتسليم والتقليد الديني. هذه السمات تُعطل الفعل الإنساني وتُحيل كل شيء إلى الإرادة الإلهية. كما يدعو إلى الخلق الذاتي كفعل إنساني واعٍ، ويرى أن الإنسان مسؤول عن أفعاله، وأن الله لا يتدخل بشكل مباشر في تفاصيل الحياة اليومية. 3-الله كجزء من مشروعه في بناء العقل العربي: يربط فكرة الله بمشروعه الأوسع في إعادة بناء العقل العربي، حيث يسعى إلى تحريره من الجمود والتقليد، ويدفعه نحو التفكير النقدي والتحرري. وإن الله في هذا السياق ليس أداة للهيمنة أو التسلط، بل رمز للوعي الأعلى الذي يُحفز الإنسان على السعي نحو العدالة والمعرفة. 4-خلاصة فكرية: الله في فكر حسن خليل غريب ليس كيانًا خارجيًا يُفرض على الإنسان، بل فكرة داخلية تُفهم بالعقل وتُترجم في السلوك. ويرفض غريب أن تكون فكرة الله عائقًا أمام التقدم، بل يراها محفزًا على الفعل الإنساني الواعي والمسؤول.
ثانياً: الله والعلمانية: يرى غريب أن العلمانية لا تعني الإلحاد أو نفي وجود الله، بل تعني فصل الدين كمؤسسة عن الدولة، لضمان حرية الفكر والعمل السياسي. وفي هذا السياق، فكرة الله تبقى حاضرة كقيمة أخلاقية وفكرية، لكنها لا تُستخدم لتبرير السلطة أو قمع الحريات. وينتقد غريب الاستغلال السياسي للدين، ويعتبر أن العلمانية هي الطريق لتحرير العقل العربي من التبعية الفكرية، دون أن تنفي الإيمان بالله. ثالثاً: الله والفكر القومي العربي: 1-في مشروعه القومي، يُعيد غريب تعريف العلاقة بين الهوية القومية وفكرة الله، بحيث لا تكون هذه الفكرة أداة لتقسيم الأمة أو تبرير الطائفية. ويؤمن أن الله يوحّد ولا يُفرّق، وأن الفهم العقلاني لفكرة الله يمكن أن يكون عنصرًا جامعًا في المشروع القومي، لا عنصرًا تفريقيًا. ولهذا يربط بين التحرر القومي والتحرر الفكري، ويعتبر أن تحرير الإنسان من الخوف والتبعية باسم الدين هو شرط أساسي لبناء الأمة. 2-خلاصة الربط: الله في فكر غريب ليس خصمًا للعلمانية، بل يتكامل معها كفكرة عقلية وأخلاقية. وفي المشروع القومي، الله ليس شعارًا دينيًا، بل رمز للعدالة والوعي الجمعي الذي يُحفّز الإنسان على النهوض والتحرر.
رابعاً: مفهوم "الخلق الذاتي": 1-يرى غريب أن "الخلق الذاتي" هو جوهر الفعل الإنساني الحر، ويعارض به ثقافة التواكل التي تعطل العقل وتُحيل كل شيء إلى الإرادة الإلهية. ونورد هنا، أبرز الأفكار والنصوص من كتاباته حول هذا المفهوم: يطرح غريب أن الإنسان يجب أن يكون خالقًا لأفعاله، لا تابعًا لها أو متواكلًا على قوى خارجية. وهنا، يقول: "الخلق الذاتي هو أن يكون الإنسان مسؤولًا عن فعله، لا أن يُحيله إلى الغيب أو إلى إرادة الله دون سعي أو تفكير." ولهذا ينتقد ثقافة التواكل التي تُعطل الفعل، ويعتبرها عائقًا أمام تطور العقل العربي.
2-العلاقة بين الخلق الذاتي وفكرة الله: في مقاله "أفعال الإنسان بين التواكلية والخلق الذاتي"، يكتب: "فكرة الله: المثال الأعلى، ويُرمز إليه بفكرة الله، أو خالق الكون، أو الصانع الأول، أو العلة الأولى، وهو موجود بالقوة قياساً على أن لكل موجود علة لوجوده... أما نحن فندرك وجود الله بالعقل لأن الله لا يمكن البرهان على وجوده بمقاييس ما هو منظور ومحسوس." ثم يربط ذلك بالفعل الإنساني بقوله: "الله لا يتدخل في تفاصيل الحياة اليومية، بل يمنح الإنسان العقل ليخلق ذاته ويصنع مصيره."
3-نقد التواكلية الدينية: يرى أن التواكلية تُعطل الفعل وتُحوّل الإنسان إلى كائن سلبي. حيث يقول: "التواكلية هي أن ننتظر الفعل من خارجنا، من السماء، من القدر، من الغيب، بينما الخلق الذاتي هو أن نُنتج الفعل من داخلنا، من وعينا، من إرادتنا."
4-الخلق الذاتي وتحرير العقل العربي: يرى غريب أن تحرير العقل العربي لا يتم إلا عبر تجاوز التواكلية والانخراط في مشروع الخلق الذاتي، أي أن يكون الإنسان فاعلًا في التاريخ، لا مفعولًا به. وفي مقاله "أفعال الإنسان بين التواكلية والخلق الذاتي"، يكتب: "الخلق الذاتي هو أن نُنتج الفعل من داخلنا، من وعينا، من إرادتنا، لا أن ننتظر الفعل من خارجنا، من السماء، من القدر، من الغيب." ويضيف: "الإنسان الذي لا يخلق فعله، لا يخلق تاريخه، بل يُصنع له تاريخه من قِبل الآخرين." إن هذا الربط بين الفعل الذاتي وصناعة التاريخ هو جوهر مشروعه في تحرير العقل العربي من التبعية، سواء كانت دينية أو استعمارية أو فكرية.
5-نقد العقل التبريري: ينتقد غريب ما يسميه بـ "العقل التبريري"، أي الذي يُبرر الواقع باسم الدين أو القدر. ويقول: "العقل العربي لا يزال أسيرًا لثقافة التبرير، يهرب من المسؤولية إلى الغيب، ويُسقط عجزه على مشيئة الله." وفي المقابل، يدعو إلى عقل نقدي خلاق، يُعيد النظر في المسلمات، ويُنتج المعرفة والفعل.
6-نحو مشروع نهضوي: يربط غريب بين الخلق الذاتي وبناء مشروع نهضوي عربي، ويؤكد أن النهضة لا تأتي من الخارج، بل من إرادة داخلية واعية. وفي أحد مقالاته، يكتب: "لا نهضة بلا عقل حر، ولا عقل حر بلا خلق ذاتي، ولا خلق ذاتي مع عقل مأسور بالخرافة والتقليد."
7-خلاصة: الخلق الذاتي عند غريب هو الشرط الأول لتحرير العقل العربي. وهو دعوة إلى التحرر من التواكل، من الخوف، من التبعية، والانخراط في فعل تاريخي حر ومسؤول. وإن الله في هذا السياق ليس عائقًا، بل رمزًا للوعي الأعلى الذي يُلهم الإنسان أن يكون خالقًا لذاته وتاريخه. 8-الخلق الذاتي والماركسية: يربط غريب مفهوم "الخلق الذاتي" برؤيته للماركسية والتراث الإسلامي من خلال دعوته إلى عقل نقدي فاعل، يحرر الإنسان من التبعية ويؤسس لفعل تاريخي حر ومسؤول. وإليك كيف يتقاطع هذا المفهوم مع رؤيته لهذين المجالين، شواهد من كتاباته: في مقابلة صحفية حول كتابه "الماركسية بين الأمة والأممية"، يوضح غريب أنه لا يتبنى الماركسية بشكل دوغمائي، بل يسعى إلى حوار نقدي بين الفكر القومي والماركسي، ويقول إن "الخلق الذاتي هو جوهر الفعل الثوري، لأن الثورة لا تُستورد، بل تُصنع من داخل الواقع ومن داخل الإنسان." ويرى أن الماركسية تقدم أدوات تحليل مهمة، لكنها تحتاج إلى تأصيل قومي يراعي خصوصية الواقع العربي، ويُفعّل الإرادة الذاتية في التغيير. 9-الخلق الذاتي والتراث الإسلامي: في كتابه "في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام"، يدعو غريب إلى قراءة عقلانية للتراث الإسلامي، تُبرز دور العقل والفعل الإنساني من خلال قوله: إن "الإسلام لا يُعارض العقل، بل يدعو إلى التفكر والتدبر، والخلق الذاتي هو امتداد لهذا التفكر، لا نقيضاً له." وينتقد القراءة التواكلية للنصوص الدينية، ويعتبر أن الخلق الذاتي هو جوهر الرسالة الإسلامية حين تُفهم في سياقها الحضاري والإنساني.
10-التكامل بين الفكرين: يرى أن الخلق الذاتي هو نقطة التقاء بين الماركسية والإسلام، حين يُفهمان كدعوتين للتحرر من الظلم والتبعية. ويقول: "حين نُحرر العقل من التواكل، ونُفعّل الإرادة، نكون قد بدأنا فعلًا ثوريًا، سواء انطلق من وعي ديني أو من تحليل مادي." 11-نقد الواقع السياسي العربي من منظور الخلق الذاتي: يرى غريب أن الواقع السياسي العربي يعاني من غياب الفعل الذاتي، حيث تُهيمن ثقافة التبعية والانتظار، سواء للغرب أو للسلطة أو للغيب. وفي مقاله "أفعال الإنسان بين التواكلية والخلق الذاتي"، يكتب: "الواقع العربي لا يُنتج فعله، بل ينتظر الفعل من الخارج، من الغرب، من السماء، من التاريخ، بينما الأمم الحية هي التي تصنع تاريخها بوعيها وإرادتها." 12-نقد الأنظمة السياسية: ينتقد غريب الأنظمة العربية التي تُكرّس التبعية وتُعطل العقل النقدي. ويقول: "السلطة التي تُخدّر العقل وتُغلق باب النقد، هي سلطة تُعطل الخلق الذاتي، وتُحوّل المواطن إلى تابع لا فاعل." ويرى أن التحرر السياسي لا يتم إلا عبر تحرر فكري وأخلاقي، يبدأ من الفرد وينعكس على الجماعة. 13-العقل السياسي العربي: يعتبر أن العقل السياسي العربي لا يزال أسيرًا لثقافة التبرير والتقليد. ويكتب: "حين يُصبح العقل السياسي عاجزًا عن إنتاج الحلول، ويكتفي بتكرار الشعارات، يكون قد فقد قدرته على الخلق الذاتي." 14-دعوة إلى الفعل التاريخي: يدعو إلى مشروع نهضوي عربي يقوم على الوعي، النقد، والإرادة الحرة. ويقول: "الخلق الذاتي هو أن نُعيد إنتاج الواقع، لا أن نُعيد إنتاج الخضوع له."
خامساً: المؤسسات الدينية بين الهيمنة والتواكل: ينتقد غريب المؤسسات الدينية بوصفها أدوات للهيمنة السياسية والاقتصادية، ويطالب بإخضاعها للمساءلة والمحاسبة، خصوصًا فيما يتعلق بأموالها وسلطتها الرمزية. وفي مشروعه، يضع غريب المؤسسات الدينية تحت مجهر النقد، معتبرًا أنها تلعب دورًا سلبيًا في تكريس التواكلية وتعطيل العقل النقدي. إليك أبرز ملامح هذا النقد: 1-نقد سلطة المؤسسات الدينية: في مقاله "أموال المؤسسات الدينية ملك للفقراء"، يقول: "أموال المؤسسات الدينية هي أكثر القضايا غموضاً، خاصة في أنظمة الطائفية السياسية، ووصل الغموض فيها درجة التابو المقدَّس الذي لا يجرؤ أحد أن يشير إليه من قريب أو بعيد." ويضيف: "رجال الدين هم خط أحمر لا يجوز المساس به... ولكننا سنغامر بالإضاءة عليها على الرغم من تلك المحاذير." وإن هذا النص يُظهر جرأته في مواجهة السلطة الرمزية للمؤسسات الدينية، التي يعتبرها محصنة ضد النقد والمساءلة. 2-أموال الدين وحق الفقراء: يرى أن أموال المؤسسات الدينية يجب أن تُصرف للفقراء والمحتاجين، لا أن تُكدّس أو تُستخدم لأغراض سياسية. وينتقد غياب الشفافية والمحاسبة، ويعتبر أن الدولة تتواطأ مع هذه المؤسسات عبر تجاهل أي شكوى ضدها. 3-المؤسسات الدينية وتعطيل العقل: في كتاباته، يربط بين سلطة المؤسسات الدينية وتعطيل العقل النقدي، حيث تُستخدم الفتاوى والخطاب الديني لتبرير الواقع وتكريس الخضوع. وعن هذا يقول: "حين يُصبح الدين أداة للهيمنة، يفقد وظيفته الروحية، ويُحوّل العقل إلى تابع لا فاعل." 4-دعوة إلى مساءلة دينية: يدعو إلى إخضاع المؤسسات الدينية للمساءلة القانونية والاجتماعية. ويرى أن الدين يجب أن يبقى في المجال الروحي والأخلاقي، لا أن يُستخدم كغطاء للسلطة أو المال. 5-المؤسسات الدينية والدولة المدنية: في مشروعه الفكري، يوجّه غريب نقدًا حادًا للمؤسسات الدينية، معتبرًا أنها تُمارس سلطة غير خاضعة للمساءلة، وتُعطل بناء الدولة المدنية. ويرى أن هذه المؤسسات، خصوصًا في الأنظمة الطائفية، تتحول إلى سلطات موازية للدولة، تحتكر المال والخطاب، وتُحصّن نفسها ضد النقد القانوني والاجتماعي. إن هذا النقد لا يستهدف الدين كقيمة روحية، بل يُطالب بفصل الدين عن السلطة، وبناء دولة مدنية علمانية تُخضع الجميع للمساءلة. ونتيجة لهذا النقد، يرى غريب أن الدولة المدنية هي الفضاء الذي يُتيح للإنسان ممارسة الخلق الذاتي، بعيدًا عن التبعية الدينية أو الطائفية، ويعتبر أن تحرير العقل العربي لا يكتمل إلا بتحرير المؤسسات الدينية من سلطتها المطلقة، وإخضاعها للرقابة والمحاسبة. 6-الردة عن الدين بين الإسلام والمسيحية: يرى غريب أن المسيحية تخلّصت من مشكلة الردة عن الدين عبر فصل الدين عن الدولة، وتحويل الإيمان إلى خيار شخصي لا يخضع للعقوبة، وهو ما يدعو إليه في مشروعه الفكري كمخرج من أزمة الردة في الإسلام. وفي كتابه الردة في الإسلام، يطرح مقارنة بين موقف الإسلام والمسيحية من قضية الردة، ويستعرض كيف تجاوزت المسيحية هذه الإشكالية تاريخيًا. أ-كيف تجاوزت المسيحية مشكلة الردة: في كتابه الردة في الإسلام، يكتب: "المسيحية، بعد أن فصلت بين الدين والدولة، لم تعد تُعاقب المرتد، بل أصبح الإيمان مسألة شخصية، لا تُخضع الإنسان للمساءلة القانونية." ويضيف: "لم يعد المرتد في المسيحية يُلاحق أو يُقتل، بل يُترك لضميره، لأن الكنيسة لم تعد تملك سلطة تنفيذية." هذا التحول التاريخي في المسيحية، بحسب غريب، جاء نتيجة تطور الفكر الديني، وظهور الدولة المدنية التي نزعت السلطة القضائية من يد المؤسسة الدينية. بـ-دعوة إلى إصلاح إسلامي مماثل: يدعو غريب إلى فصل الدين عن الدولة في السياق الإسلامي، بحيث يُصبح الإيمان خيارًا حرًا، لا يُعاقب عليه الإنسان. ويرى أن الردة يجب أن تُناقش فكريًا، لا أن تُعاقب قانونيًا، ويقول: "الردة ليست جريمة، بل موقف فكري، ويجب أن تُواجه بالحوار لا بالسيف." ونتيجة لهذا، من وجهة نظر غريب، يرى أن المؤسسات الدينية المسيحية لا تلعب نفس الدور السياسي والاجتماعي الذي تلعبه المؤسسات الإسلامية في الوطن العربي، إذ يعتبر أن الظاهرة الدينية السياسية في العالم العربي "إسلامية بامتياز"، وهو ما يوثقه في كتاباته. وفي محاضرته المنشورة بعنوان "الظاهرة الدينية والظاهرة الدينية السياسية (بدايات ومآلات)"، يوضح غريب أن: "الظاهرة الدينية السياسية في المجتمع العربي الراهن إسلامية بامتياز." وهذا التصريح يكشف أن غريب يرى أن المؤسسات الإسلامية هي التي تتصدر المشهد السياسي والديني في الوطن العربي، بينما المؤسسات المسيحية، رغم وجودها، لا تلعب الدور نفسه من حيث التأثير السياسي أو الحركي. جـ-المؤسسات الدينية المسيحية والطائفية السياسية: في مشروعه الفكري، يُركّز غريب على نقد المؤسسات الدينية الإسلامية بوصفها الفاعل الأبرز في إنتاج الظاهرة الدينية السياسية في الوطن العربي، لكنه لا يُغفل تمامًا دور المؤسسات الدينية المسيحية، خاصة في الأنظمة الطائفية مثل لبنان. والمؤسسات المسيحية، رغم وجودها، لا تُمارس الدور نفسه من حيث الحركية السياسية أو التأثير الجماهيري. ومع ذلك، يُلمّح إلى أن الطائفية السياسية تُغذّيها كل الطوائف، بما فيها المسيحية، من خلال تحالفات حزبية وطائفية تُكرّس الانقسام وتُعطل بناء الدولة المدنية. د-العلمانية كحل جذري: في مواجهة الطائفية السياسية وتغوّل المؤسسات الدينية، يطرح غريب العلمانية كحل جذري لإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس من العدالة والمواطنة. لكنه لا يدعو إلى علمانية إقصائية، بل إلى علمانية عادلة تُعيد الدين إلى مجاله الروحي، وتفصل بينه وبين السلطة السياسية والاقتصادية. ففي مقاله "أموال المؤسسات الدينية ملك للفقراء"، يكتب: "الدين يجب أن يبقى في المجال الروحي والأخلاقي، لا أن يُستخدم كغطاء للسلطة أو المال." ويرى أن العلمانية هي السبيل الوحيد لتحرير العقل العربي من التبعية، ولإخضاع المؤسسات الدينية، بمختلف طوائفها، للمساءلة القانونية والاجتماعية، بما يضمن بناء دولة مدنية تُحترم فيها الحريات الفردية، ويُمارس فيها الإنسان الخلق الذاتي بحرية ومسؤولية. فالعلمانية، في مشروعه، ليست مجرد فصل بين الدين والدولة، بل هي إعادة تأسيس للعلاقة بين الإنسان والسلطة، بحيث يُصبح المواطن فاعلًا في التاريخ، لا تابعًا لسلطة دينية أو طائفية.
7-خلاصة البحث: في مشروعه، لا يُنكر غريب وجود الله، بل يُعيد فهمه كفكرة عقلية لا تُدرك بالحس، بل بالعقل. الله ليس أداة للهيمنة أو التسلط، بل رمز للوعي الأعلى الذي يُحفز الإنسان على الفعل الحر والمسؤول. ويرى غريب أن العقل العربي يعيش حالة من التواكل والتقليد، حيث يُبرر الواقع باسم الدين أو القدر، ويُعطل الفعل باسم الغيب. في المقابل، يدعو إلى عقل نقدي خلاق، يُنتج المعرفة ويُعيد تشكيل الواقع. ففي زمن تتكاثر فيه الأزمات الفكرية والسياسية، يبرز مشروع غريب كدعوة جذرية لتحرير العقل العربي من قيوده التاريخية، وإعادة تشكيله على أسس من الوعي والخلق الذاتي. لذلك، يربط غريب بين العروبة والإسلام في إطار تحرري، ويؤمن بإمكانية التفاعل النقدي مع الماركسية، شرط أن تُؤصّل في الواقع العربي. وإن الثورة، في نظره، لا تُستورد، بل تُصنع من داخل الإنسان والتاريخ. وهو عندما يركّز على نقد المؤسسات الدينية الإسلامية بوصفها الفاعل الأبرز في إنتاج الظاهرة الدينية السياسية في الوطن العربي، لكنه لا يُغفل دور المؤسسات المسيحية، خاصة في الأنظمة الطائفية مثل لبنان. وعلى الرغم من ذلك، يرى غريب أن المؤسسات الإسلامية تتصدر المشهد السياسي والديني، بينما المؤسسات المسيحية، رغم وجودها، لا تُمارس الدور نفسه من حيث الحركية السياسية أو التأثير الجماهيري. ومع ذلك، يُلمّح إلى أن الطائفية السياسية تُغذّيها كل الطوائف، بما فيها المسيحية، من خلال تحالفات حزبية وطائفية تُكرّس الانقسام وتُعطل بناء الدولة المدنية. وفي مواجهة الطائفية السياسية وتغوّل المؤسسات الدينية، يطرح غريب العلمانية كحل جذري لإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس من العدالة والمواطنة. لكنه لا يدعو إلى علمانية إقصائية، بل إلى علمانية عادلة تُعيد الدين إلى مجاله الروحي، وتفصل بينه وبين السلطة السياسية والاقتصادية. إن العلمانية، في مشروعه، ليست مجرد فصل بين الدين والدولة، بل هي إعادة تأسيس للعلاقة بين الإنسان والسلطة، بحيث يُصبح المواطن فاعلًا في التاريخ، لا تابعًا لسلطة دينية أو طائفية.
#حسن_خليل_غريب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحرير العقل الأيديولوجي القومي في مشروع حسن خليل غريب الفكري
-
مشروع حسن خليل غريب الفكري بين الواقعية والمثالية
-
دَور إنتِفاضَات الشَبَاب العَرَبيّ فِي إعادَةِ بِنَاء الدّول
...
-
محنة الغرب مع الرأسمالية الصهيونية: من التأسيس إلى المواجهة
-
دور انتفاضات الشباب العربي في إعادة بناء الدولة الوطنية
-
الدَّولَة الوَطَنِيَّة العَرَبِيَّة بَيْنَ الإنهِيَار وإِعَا
...
-
هندسة المفاهيم القومية والدينية في مشروع حسن خليل غريب الفكر
...
-
المِيلشِيات الإِيرَانيَّة ومآلاتها فِي المُستَقبَل (الحلقة ا
...
-
المِيلشِيات الإِيرَانيَّة ظَاهِرَةٌ خَارِجَة عَنْ سُلْطَةِ ا
...
-
في الصراع الدائر بين (إسرائيل) وإيران العرب بين مطرقة المشار
...
-
الفكر المقاوم في مشروع حسن خليل غريب الفكري (مفاهيم ووقائع و
...
-
حسن خليل غريب ومشروعه الفكري: مقارنة بين مشروع ميشيل عفلق وم
...
-
حسن خليل غريب ومشروعه الفكري رؤية في العلاقة بين العقل العرب
...
-
العَرَب والمَوْجَة الثَالِثة من الإسْترَاتِيجِيَّات الأميركِ
...
-
الظاهرة الدينية والظاهرة الدينية السياسية (بدايات ومآلات)
-
فِي وَرْشَةِ رَسْمِ خَرَائِطِ مَصَالِحِ الأُمَّة فِي الوَطَن
...
-
نداء إلى حكومة العهد الجديد في لبنان إحذروا ملائكة أمراء الط
...
-
إِشْكاليَّة الِاسْتِقْوَاء بِالْخَارِجِ وَمَخاطِرها عَلَى ال
...
-
في إشكالية التجميد والتجديد في المناهج المعرفية العربية تبقى
...
-
اليوم التالي لولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية
المزيد.....
-
تعايش سلمي: اليهود والمسلمون في البوسنة والهرسك
-
ترامب يهدد نيجيريا عسكرياً بذريعة حماية المسيحيين
-
ترامب يطلب من الجيش الاستعداد لـ -تحرك- ضد مسلحين إسلاميين ف
...
-
بعد 10 أشهر على اعتقاله.. دعوات للتحقيق في دور لبنان بتسليم
...
-
وعد بإقامة وطن لليهود.. كيف غيّر بلفور وجه الشرق الأوسط؟
-
السودان.. -الإخوان- يواجهون زخم السلام بتحشيد جديد للحرب
-
غارديان: جماعات إسلامية تقترب من باماكو فهل تنجح في تحويل ما
...
-
لماذا ينقلب مسيحيو أميركا ضد إسرائيل؟
-
ترامب يهدد بإرسال قوات أمريكية إلى نيجيريا بسبب -قتل المسيحي
...
-
ترامب يهدد نيجيريا بعمل عسكري بعد اتهامها بالتقاعس عن حماية
...
المزيد.....
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
المزيد.....
|