حسن خليل غريب
الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 17:02
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
الحلقة الأخيرة
المحطة الرابعة: بناء الجسور بين التيارات القومية والأممية:
أولاً: بناء الجسور مع التيارات الإسلامية الأممية:
في كتاب نحو طاولة حوار بين المشروعين القومي والإسلامي، يطرح غريب دعوة صريحة لتجاوز القطيعة بين التيارين القومي والديني، مؤكدًا أن التناقض بينهما ليس جوهريًا بل تاريخي وسياسي. أما في تهافت الأصوليات الإمبراطورية، فيوسّع دائرة نقده لتشمل الأصوليات الدينية والسياسية التي تسعى إلى فرض هيمنتها على المجتمعات، سواء كانت دينية أو قومية أو استعمارية، ويكشف كيف تُستخدم الأيديولوجيا لتبرير التسلط.
1-نحو فهم أعمق للذات العربية والإسلامية، دعوة إلى الحوار: في ظل التحديات التي تواجه العالم العربي، تبرز الحاجة إلى مراجعة نقدية للذات، ليس فقط على مستوى الفكر، بل على مستوى البنية الثقافية والسياسية التي تحكم العلاقة بين المشروعين القومي والإسلامي. هذا المقال يحاول تفكيك أزمات الذات في سياقاتها الثلاث: الإسلامية، القومية، والمشتركة، تمهيدًا لحوار جاد يعيد بناء الثقة والتكامل.
2-الذات الإسلامية... بين الرسالة والصراع: الذات الإسلامية تعاني من انقسامات مذهبية مزمنة، حولت الخلافات الفقهية إلى أدوات للفرقة والتجييش. هذه الانقسامات لم تكن يومًا تعبيرًا عن تنوع صحي، بل أصبحت وقودًا لصراعات سياسية وطائفية. يضاف إلى ذلك تسييس الدين، حيث يُستخدم الإسلام كأداة للسلطة أو كغطاء أيديولوجي، مما يُفقده روحه الأخلاقية ويشوّه صورته الحضارية.
3-الذات القومية... مشروع بلا وحدة: أما الذات القومية، فهي تعاني من غياب المشروع الوحدوي الذي يجمع العرب تحت رؤية سياسية واحدة. الحركات القومية، رغم نبل أهدافها، فشلت في تجاوز الانقسامات القُطرية، وظلت أسيرة شعارات دون تطبيق. كما أن تعدد المرجعيات الفكرية داخل الفكر القومي (من الليبرالية إلى الاشتراكية إلى العلمانية) خلق حالة من التشتت، أضعفت قدرته على التأثير والتجدد.
4-الذات العربية-الإسلامية المشتركة... هوية متنازعة: في نقطة التقاء المشروعين، نجد أزمة التنازع على الهوية: هل نحن عرب أولًا أم مسلمون أولًا؟ هذا السؤال، بدل أن يكون مدخلًا للحوار، تحول إلى ساحة صراع. وبدلًا من التكامل بين العروبة والإسلام، ساد القطيعة والتهميش المتبادل، رغم أن كليهما ينتمي إلى فضاء حضاري واحد.
5-دعوة إلى طاولة الحوار: إن تجاوز هذه الأزمات لا يكون إلا عبر حوار صريح ومتوازن، يعترف بالاختلاف دون أن يُحوّله إلى خصومة. المطلوب ليس اندماجًا قسريًا بين المشروعين، بل تفاعلًا حضاريًا يُعيد بناء الذات العربية-الإسلامية على أسس من التكامل والاحترام المتبادل.
ثانياً: بناء الجسور مع التيارات الماركسية الأممية:
في كتاب الماركسية بين الأمة والأممية، يعيد غريب النظر في الفكر اليساري من زاوية قومية، منتقدًا الأممية المجردة التي تتجاهل الخصوصية العربية، ومؤكدًا أن الماركسية لا تكون أداة تحرر إلا إذا ارتبطت بقضايا الأمة. لذلك، يدعو غريب إلى الحوار مع التيارات الماركسية على أساس التقاطع الفكري بين المشروع القومي والمشروع الأممي، مع التركيز على المشتركات النضالية والهموم الوطنية. وتستند دعوة غريب للحوار بين التيارين، إلى عدة أسس فكرية وسياسية تهدف إلى بناء أرضية مشتركة بينهما:
1-الأسس الحوارية التي يعتمدها غريب: حول التقاطع بين المشروع القومي والمشروع الأممي، يرى غريب أن هناك إمكانيات للتكامل بين الفكر القومي الذي يركز على الهوية الوطنية، والفكر الماركسي الذي ينطلق من الأممية والعدالة الاجتماعية. ويسعى إلى تجاوز التناقضات الظاهرية بين التيارين عبر فهم أعمق للظروف التاريخية والسياسية التي أنتجتهما. وذلك بالتركيز على النضال المشترك ضد الاستعمار والهيمنة، باعتبار أن التيارات القومية والماركسية تتقاطع في رفض التبعية والهيمنة الغربية، ما يشكل أرضية صلبة للحوار والعمل المشترك.
2-نقد الانغلاق الفكري والتعصب الإيديولوجي: يدعو إلى تجاوز الجمود العقائدي والانفتاح على الآخر، سواء كان قوميًا أو ماركسيًا أو إسلاميًا، من أجل بناء مشروع نهضوي عربي جامع. وذلك بإعادة تعريف العلاقة بين العروبة والإسلام والماركسية.
3-في أعماله الأخرى مثل «في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام»، و«نحو طاولة حوار بين المشروعين القومي والإسلامي»، يطرح رؤية متكاملة للحوار بين مختلف التيارات الفكرية، بما فيها الماركسية، على أساس الاحترام المتبادل والتكامل لا التنافر.
4-الاهتمام بالواقع العربي المعاصر: ينطلق غريب من تحليل الواقع العربي، ويرى أن الحوار بين التيارات الفكرية ضرورة لمواجهة التحديات السياسية والاجتماعية، وليس مجرد ترف فكري.
المحطة الخامسة: التطبيق الواقعي – المقاومة والتحرير:
حول مواجهة المخططات الخارجية المعادية للأمة العربية: في كتاباته عن المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية، يُجسّد فكره القومي في الواقع، حيث يرى في المقاومة نموذجًا حيًا لاستعادة السيادة الوطنية، ورفضًا للتبعية والاحتلال، وتجسيدًا فعليًا لفكرة الأمة الواحدة. وتستند مفاهيمه تلك إلى الأسس التالية:
1-مواجهة المخططات الخارجية بالفكر والمقاومة: لا يكتفي بالدعوة إلى المقاومة المسلحة، بل يُشدد على أهمية المقاومة الفكرية والثقافية في مواجهة مشاريع التفتيت، مثل الطائفية، والتبعية الاقتصادية، والتطبيع السياسي. ويربط بين المقاومة والمشروع القومي العربي، ويعتبر أن أي مقاومة لا تنطلق من رؤية قومية شاملة تبقى ناقصة أو قابلة للاحتواء.
2-التكامل بين التيارات: يدعو إلى حوار بين التيارات القومية، الإسلامية، والماركسية، على قاعدة دعم المقاومة ومواجهة الهيمنة، ويعتبر أن وحدة الصف العربي ضرورة استراتيجية.
3-اقتباسات مباشرة من كتابات حسن خليل غريب حول المقاومة العراقية، الفلسطينية، واللبنانية، تُبرز رؤيته لها كحركات تحرر قومي في مواجهة الهيمنة الأجنبية:
أ-عن المقاومة العراقية: "المقاومة العراقية لم تكن خيارًا أيديولوجيًا بقدر ما كانت استجابة طبيعية لاحتلال غاشم، فرض على الشعب العراقي أن يختار بين الذل أو المواجهة (من مقال رؤية هلال للمقاومة العراقية). وإن "استمرار المقاومة، وبالوتيرة نفسها، قد أكد بأن المقاومة هي عملية طبيعية موجَّهة ضد الاحتلال، وبسبب ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب العراقي." و"لقد استعصت المقاومة على كل وسائل اجتثاثها... وكانت المقاومة العراقية هي الأشد ضراوة استراتيجية في مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد". من مقال في التجمع القومي الديمقراطي.
بـ-عن المقاومة الفلسطينية: "الشعب الفلسطيني خلاَّق في ابتكار الوسائل والأساليب، وأما في الداخل فواجباته تتعدى مجرد المواجهة العسكرية، إلى بناء نموذج وطني مقاوم". من منشور مكتبة حسن خليل غريب،"ليس ربيعاً عربياً كل ما اخضرَّ وأزهر على ضريح المقاومة العربية". من مقال في التجمع القومي الديمقراطي.
جـ-المقاومة الوطنية اللبنانية قبل العام 1991: نموذج الوحدة والتكامل: يعتبر أن المقاومة الوطنية اللبنانية، خصوصًا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، قدمت نموذجًا في تجاوز الانقسامات الطائفية، ونجحت في توحيد الشعب حول قضية التحرر. وهو يربط بين نجاح المقاومة اللبنانية وبين إمكانية بناء مشروع قومي عربي يتجاوز الحواجز المذهبية.
د-ولكنها بعد العام 1991، وبعد أن احتكر حزب الله المقاومة ضد العدو الصهيوني بعد أن أقصى أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية عن الساحة، تحوَّلت المقاومة الإسلامية في لبنان من مقاومة شعبية إلى جيش ميني نظامي، وغابت عنها الشمولية الوطنية اللبنانية من جهة، والشمولية القومية العربية من جهة أخرى. ففقدت سماتها الأساسية. الأمر الذي دفع بغريب إلى نقد ذلك التحول، وحدد مواطن الخطورة فيه وخاصة ارتباطات الخارجية.
4-خلاصة فكرية: يرى غريب أن المقاومة هي فعل تحرري يتجاوز البعد العسكري، ويجب أن يُربط بمشروع قومي عربي شامل. وهو ينتقد محاولات تفريغ المقاومة من مضمونها الشعبي، ويدعو إلى إعادة الاعتبار للمقاومة كهوية عربية وحدوية.
المحطة الخامسة: الحراك الشعبي وانتفاضات الشباب العربي:
يرى حسن خليل غريب أن الحراك الشعبي العربي قبل 2019 كان محكوماً بقيود الأنظمة، بينما بعد 2019 شهد تطوراً نوعياً في الوعي السياسي والسلمية، مما أعاد الأمل في بناء مشروع نهضوي عربي.
1-قبل العام 2019: الحراك الشعبي في ظل الأنظمة التقليدية: كانت المرحلة الأولى من الحراك الشعبي مرتبطة بالكفاح الشعبي المسلح، خاصة في القضية الفلسطينية، حيث تأثر غريب بنداء ميشيل عفلق: "لن يحرر فلسطين سوى الكفاح الشعبي المسلح". كما يرى أن تلك المرحلة كانت محكومة بتوجهات الأنظمة الرسمية التي قادت الحراك الشعبي نحو مسارات محدودة، وانتهت بتسويات مثل اتفاقية أوسلو، التي اعتبرها غريب تراجعاً عن المشروع التحرري العربي. كما يشير إلى أن الحراك الشعبي قبل 2019 كان مجزأً، غير منظم، ويفتقر إلى رؤية استراتيجية موحدة، مما جعله عرضة للاحتواء أو القمع من قبل الأنظمة.
2-بعد العام 2019: انتفاضات الشباب العربي وبداية التحول: في كتاباته بعد 2019، يصف غريب هذه المرحلة بأنها موجة جديدة من الحراك الشعبي السلمي، اتسمت بارتفاع مستوى الوعي السياسي لدى الشباب العربي. ويعتبر أن هذه الانتفاضات أعادت الأمل في بناء مشروع عربي نهضوي، قائم على السلمية، التنظيم الشعبي، والانفصال عن وصاية الأنظمة التقليدية. وهو يركز في انتفاضات الشباب العربي على أهمية الجيل الثاني من الحراك الشعبي، الذي يتجاوز العفوية نحو بناء استراتيجيات طويلة الأمد، ويستفيد من تجارب الماضي دون الوقوع في أخطائه. ويرى أن هذه الانتفاضات تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الهوية العربية السياسية والاجتماعية، بعيداً عن الطائفية والانقسامات التي غذّتها الأنظمة.
3-خلاصة رؤيته الاستراتيجية: حسن خليل غريب يدعو إلى تحويل الحراك الشعبي من رد فعل إلى فعل استراتيجي. لأنه يؤمن أن الوعي السياسي الجديد بعد 2019 هو حجر الأساس لبناء حركة شعبية عربية قادرة على التغيير الحقيقي. ولكنه يشدد على ضرورة الاستقلال عن القوى الإقليمية والدولية التي تحاول توجيه الحراك وفق مصالحها.
الخاتمة
يمثل المشروع الفكري لحسن خليل غريب أكثر من مجرد سلسلة كتب أو مقالات؛ إنه مسار فكري متكامل يسعى إلى تحرير العقل العربي من قيود الطائفية، والاستبداد، والتبعية، عبر بناء دولة قومية مدنية، تكون قاعدة للوحدة والنهضة. من التأصيل النظري إلى التطبيق الواقعي، ومن نقد الذات إلى نقد الآخر، ومن التنظير إلى المقاومة، يضع غريب خارطة طريق فكرية وسياسية، تُعيد الاعتبار للعروبة كهوية حضارية، وللإسلام كقيمة روحية، وللمقاومة كفعل تحرري. وفي ظل التحولات التي يشهدها العالم العربي، تبقى دعوته إلى الحوار والتكامل بين التيارات الفكرية، وإلى تحويل الحراك الشعبي إلى مشروع استراتيجي، بمثابة نداء نهضوي يستحق التأمل والتفعيل.
#حسن_خليل_غريب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟