أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - منظومة سنحاريب المائية في وادي باستورة: قراءة تاريخية وأثرية














المزيد.....

منظومة سنحاريب المائية في وادي باستورة: قراءة تاريخية وأثرية


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 00:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تمثّل النقوش الملكية الآشورية إحدى أهم المصادر التي توثّق تاريخ مدن كوردية بلاد الرافدين، ولا سيما مدينة أربيل التي احتفظت بمكانة دينية وسياسية بارزة في العصور الآشورية. ومن بين هذه النقوش يبرز نقش سنحاريب على نهر باستورة، الذي يكشف عن مشروع هندسي مائي واسع يربط بين جبال محافظة أربيل وداخل المدينة، ويتصل مباشرة بقدسية الإلهة عشتار أربيل.

أولًا: النص الملكي لسنحاريب ومعالمه الأساسية
يذكر سنحاريب، ملك العالم وملك آشور، في أحد نقوشه المنفذة على ضفاف نهر باستورة، أنّه قام بحفر ثلاثة أنهار تنحدر من جبال تقع ضمن محافظة أربيل الحالية. ويبدو من هذا التصريح أن المشروع لم يكن سدًا بسيطًا أو قناة عادية، بل نظامًا هيدروليكيًا مركّبًا يستغل الانحدارات الطبيعية للجبال لجمع المياه وتوجيهها نحو السهول.

وتشير صياغة النقش إلى أن الملك أضاف إلى هذه الأنهار مياه الينابيع المنتشرة على الجانبين، وهو ما يؤكد أن المشروع اعتمد على أكثر من مصدر، وهدف إلى تأمين تدفّق مائي مستقر نحو أربيل، المدينة التي كانت تُعدّ مقرًّا مقدسًا لـ عشتار السيدة الرفيعة.

ثانيًا: قناة أربيل ودورها الديني والاقتصادي
بحسب النقش، حُفرت قناة خاصّة تُدخل المياه إلى وسط مدينة أربيل، وهذا يؤكد الدور المحوري للمدينة في التخطيط المائي الآشوري. فمدينة أربيل لم تكن مجرد مركز إداري؛ بل مدينة مقدّسة ذات مكانة دينية عليا. ومن ثمّ فإن إيصال المياه إليها كان مشروعًا ذا بعد رمزي واقتصادي في آنٍ واحد:

- دينيًا: يُفترض أن المياه كانت تُستخدم في الطقوس المرتبطة بعشتار، وفي صيانة معابدها وحدائقها.

- اقتصاديًا: كانت المياه عنصرًا أساسيًا لاستدامة الزراعة حول المدينة ولتأمين حاجات السكان.

كما يشير النص إلى جعل المجرى "مستقيمًا"، وهو تفصيل هندسي يعكس وعيًا آشوريًا بأهمية تقليل فقدان المياه والتحكم بسرعة الجريان.

ثالثًا: الجوانب الأثرية للموقع – المدخل المطمور للقناة

تظهر في الموقع اليوم ـ كما في الصور المتداولة ـ بقايا المدخل المطمور للقناة في وادي باستورة. إلا أن اللوحة المسمارية التي كانت منقوشة عند المدخل قد تعرّضت للسرقة في أوائل التسعينيات، وهي خسارة كبيرة للمشهد الأثري في أربيل.

غير أن البقايا المعمارية المحيطة بالموقع ما تزال تقدم دلالات مهمة:

1. المنشآت الحجرية الضخمة
تقع على جانبي المدخل منشآت مبنية بطريقة متقنة، ذات كتل حجرية كبيرة، توضّح أن الموقع كان جزءًا من منشأة مائية ضخمة مهمتها استقبال المياه وتوزيعها.

2. الاتجاه المعماري
يشير اتجاه هذه الكتل الحجرية إلى زاوية مدروسة تسمح باستقبال المياه القادمة من الأنهار الجبلية الثلاثة التي ذكرها سنحاريب. وهذا يؤكد وحدة المشروع بين الجبال، والوادي، والمدينة.

3. التبليط الحجري للقناة
السطوح المكسوة بالحجارة الضخمة تمثّل على الأرجح تبليطًا للقناة الرئيسة، ما يؤكد أنّ الموقع لم يكن مجرد سدّ صغير، بل مجرى مائي مُهيّأ تقنيًا لتحمّل ضغط المياه ولمنع نحر التربة.

رابعًا: أهمية المشروع في تاريخ أربيل
يبرز من خلال النقش والمعطيات الأثرية أن أربيل كانت مدمجة داخل شبكة مائية استراتيجية في العصر الآشوري. ويمكن تلخيص أهميتها في النقاط الآتية:

- تكريس المكانة الدينية: وصول المياه إلى مركز المدينة يشير إلى اهتمام خاص بخدمة معبد عشتار وربما البساتين والحدائق المقدّسة.

- تعزيز الازدهار الاقتصادي: القناة ساهمت في ريّ الأراضي الزراعية حول أربيل، ما رفع إنتاجيتها وربطها بمنظومة الإنتاج الآشورية.

- التخطيط الحضري المتقدّم: المشروع يعكس فهمًا هندسيًا عاليًا، من حيث التحكم بالانحدارات، وتوجيه المياه، وتبليط القناة.

- تكامل الجغرافيا مع السياسة: إدماج جبال أربيل في مشروع مائي ملكي يؤكد أهمية الإقليم كجزء من البنية الاستراتيجية للدولة الآشورية.

خامسًا: سرقة النقش وأهمية استعادته
تعرض النقش الأصلي للسرقة في أوائل التسعينيات، وهو جزء من سلسلة خسائر تعرّضت لها آثار أربيل والمنطقة عمومًا. تمثل هذه السرقة فقدانًا لمصدر تاريخي مهم، وتبرز الحاجة الملحّة إلى:

- توثيق بقايا المنشأة المتبقية ميدانيًا ومسحها ثلاثي الأبعاد.

- إطلاق برنامج دولي للبحث عن النقش المسروق في المزادات أو المجموعات الخاصة.

- تعزيز حماية المواقع المكشوفة في وديان أربيل ومحيط القلعة.

يعد مشروع سنحاريب المائي في وادي باستورة واحدًا من أعظم الأعمال الهندسية التي تربط مباشرة بين الحكم الآشوري ومكانة أربيل الدينية والتاريخية. فهو مشروع جمع بين العمارة، والدين، والسياسة، والهيدرولوجيا القديمة ضمن رؤية ملكية هدفها إبراز قوة الدولة وتنظيم مواردها. ورغم فقدان النقش الأصلي، ما تزال المعالم الباقية تحمل شواهد مادية على مهارة الآشوريين وقدرتهم على توظيف الطبيعة في خدمة عمرانهم



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشتار أربيل: القلب الروحي لتاريخ المدينة الديني
- تعدّد الأحزاب التركمانية في أربيل: تعددية سياسية أم تشتت يقو ...
- الجبهة التركمانية في أربيل: من ذروة القوة إلى نكسة نوفمبر قر ...
- انتخابات بلا وعي… ووطن يكرر جراحه
- المرشح والناخب بين الوهم والحقيقة: مسرحية انتخابية متكررة
- قلعة أربيل بين الأيادي الأصيلة والأيادي الحزبية
- إشكالية تشكيل الحكومة في إقليم كردستان: قراءة تحليلية في أسب ...
- العراق على أعتاب انتخابات نوفمبر 2025: 22 سنة من الخراب والف ...
- مشروع أكاديمي مقترح بيت المؤتمرات العلمية في قلعة أربيل
- الاستفتاء الكردي: استحقاق مؤجَّل لا حلم عابر
- الماء بين الأمس واليوم: مقارنة بين مشروع سنحاريب المائي ومشر ...
- الإرهاب الأميركي المقنّع بالديمقراطية: تحليل وثائقي وسياسي خ ...
- جامع باشا في أربيل: ذاكرة دينية ومعمارية نابضة
- أسرار المئذنة المظفرية: قراءة معمارية وسياسية وعسكرية
- عقارات هوب زون… 22 عاماً من الثقة والتميّز في سوق أربيل العق ...
- تحولات مدينة أربيل الحضرية بين دوكسيادس وبول سيرفيس: من النم ...
- فن تخطيط المدن في فكر روبير أوزيل: من الفلسفة إلى التطبيق
- الكيان الصهيوني بين حماية الدروز وإبادة الفلسطينيين: ازدواجي ...
- خارطة طريق لإنقاذ كردستان: إصلاح من الداخل لا مغامرة نحو الم ...
- الشرق الأوسط الجديد: سيناريو تفكك المحور الإيراني وهيمنة أمر ...


المزيد.....




- منها عدم الانضمام للناتو.. ما الذي يتضمنه مقترح ترامب للسلام ...
- مسابقة الأغنية الأوروبية -يوروفيجن- تغير قواعد التصويت بسبب ...
- إيران تتهم دولا غربية بالسعي إلى التصعيد إثر قرار الوكالة ال ...
- -ضايل عنا عرض-.. مقاومة الاحتلال بضحكة الأطفال
- هل تمتلك واشنطن أوراق قوة لفرض السلام في السودان؟
- التوصل إلى مسودة بيان مشترك لقمة مجموعة العشرين
- مقرر أممي: الغارة الإسرائيلية على عين الحلوة جريمة حرب
- -ما وراء الخبر- يتناول مبادرة واشنطن لوقف الحرب في السودان
- سياسي بلجيكي يؤسس شبكة برلمانية أوروبية للدفاع عن فلسطين
- ما بنود خطة ترامب للسلام بين روسيا وأوكرانيا؟


المزيد.....

- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم / تاج السر عثمان
- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - منظومة سنحاريب المائية في وادي باستورة: قراءة تاريخية وأثرية